من يقتنص فراغ الشرق الأوسط؟
Arab
5 hours ago
share

رغم حدّة ترامب، التي تبدو أحياناً في إعلان مواقفه، وتذبذب تصريحاته في أحيان أخرى، إلّا أن بعض النوافذ قد فتحت فعلاً للحوار مع إيران، وأجريت في الواقع مكالمات هاتفية بين عبّاس عراقجي وستيف ويتكوف، ليس واضحاً ما دار فيها، ولكن مجرّد اتصال أحدهما بالآخر يعني أن باب الدبلوماسية لم يغلق بعد، وما زال ثمّة هامش كبير للمناورة والعودة إلى طاولة المفاوضات، وربّما تكون الولايات المتحدة قد تركت (قصداً البابَ) موارباً للعودة إلى الحديث حول البرنامج النووي الإيراني والصواريخ الباليستية، باعتبار ذلك خطّةً بديلةً أو خاتمةً سياسيةً بعد موجة القصف الجوي المتبادل، وقد بدأت حملة القصف هذه والطرفان الأميركي والإيراني يتحضّران لجولة مفاوضات أُعلن انعقادها في مسقط، وهو ما لم يحدث، ويبدو أن الولايات المتحدة فضّلت حدوث موجة من القصف تقصّر فيها اليد الإيرانية كثيراً، ومن ثمّ ترتيب العودة إلى الجولة التالية، أو قد يبدأ العدّ من جديد، لأنّ إيران بعد "الأسد الناهض" لن تكون كما قبلها، وربّما صمّمت هذه العملية كلّها لتشكّل جزءاً من آلية تفاوض خاصّة، تساعد الطرف الأميركي على تقليل أمد المفاوضات، والوصول إلى النتيجة المبتغاة من أقصر طريق، وللولايات المتحدة أمثلة في التاريخ لجأت فيها إلى القوة المفرطة للحصول على مواقف تفاوضية مستسلِمة من الطرف الثاني.
اليد الأميركية ليست بعيدة ممّا يحصل، رغم أن الولايات المتحدة تنأى بنفسها (حتّى الآن على الأقلّ) عن المشاركة المباشرة، ويطلق ترامب سلسلةً من التصريحات المضلِّلة فيما إسرائيل ماضية في هجومها، مستفيدةً من تعاطف أوروبي كبير مع عمليتها هذه، على نحوٍ يختلف عن الموقف من عملياتها العسكرية في غزّة، ولا يقتصر الدعم الأميركي على إرسال الأسلحة اللازمة والتغطية الكاملة للقوات الإسرائيلية، فالولايات المتحدة تلعب دوراً سياسياً في ضبط الإيقاع الدولي، وكان لافتاً مغادرة الرئيس ترامب قمّة الدول السبع، على نحوٍ مبكّر ومريب، وسط غمامة من التوقّعات التي تقول إنّه يتهيأ للدخول مباشرة في الحرب، ولكنّه كان يموّه، كما دأب منذ اليوم الأول، فقد فضّل التمهّل معطياً إسرائيل كامل المجال الجوي لتقوم بما تريد الولايات المتحدة القيام به، مع تزويدها بما هو لازم لتؤدّي المهمّة المطلوبة، على وقع الحديث المتقطّع حول بدء المفاوضات أو مواصلة القصف، والعالم برمته يقف على الحافّة بين الموقفَين، إن كان ثمّة مشاركة مباشرة من أميركا أو أنها ستكتفي بالدعم، وهو ما يبدو حرباً نفسيةً موازيةً يشنّها ترامب لإيقاع أكبر الخسائر في الجانب الإيراني.
دخل القصف المتبادل في الأيام الماضية حالةً روتينيةً، فهو يقتل ويوقع أذىً، لكنّه لم يعد يشكّل أيّ مفاجآت، لترتفع أكثر أصوات الدعوة إلى المفاوضات، وفي حال أذعنت إيران، أو استمرّت في الرفض، لن يعود نظامها كما كان على الإطلاق، فقد خسرت كثيراً من أجزاء برنامجها النووي وتحتاج سنوات طويلة لإعادة ترميمها، ولكن اتفاقيةً محتملةً ستجبرها على اتّخاذ إجراءات تمنعها من العودة إلى ذلك البرنامج، وسيعني الاتفاق انكفاء إيران إلى الداخل، وشطب ما كان يسمّى محور المقاومة من خريطة الشرق الأوسط. وهنا يجب التفكير ملياً، فلا تستطيع قوة واحدة أن تملأ فراغ الإقليم، خاصّة إسرائيل، فلا حجمها ولا مدى تقبل الدول الأخرى يتيحان لها التمدّد كثيراً، فيما يمكن أن تشغل تركيا نفوذاً كبيراً، أو أن تفكّر مصر في لعب دور أوسع، ومن خلفها السعودية، رغم ما يظهر من خلافات سطحية بين البلدَين، وهما قد عارضتا القصف على إيران من دون أن تتجاوزا تصريحاتهما. دول في المنطقة تعدّ العدة للتقدّم خطوةً، منتظرةً نتيجة الحرب التي ستنجلي عن إيران بوجه مختلف.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows