موازنة الأرقام المتناقضة في مصر... وتحذيرات من تداعيات الحرب
Arab
4 hours ago
share

فجرت موافقة مجلس النواب المصري على الموازنة العامة للدولة و63 هيئة اقتصادية حكومية، دفعة واحدة، أول من أمس الثلاثاء، خلال 24 ساعة من طرحها للمناقشة العامة تحت قبة البرلمان، موجة غضب واسعة.

اتهم نواب قيادة المجلس بحماية الحكومة من المساءلة البرلمانية حول توابع الأزمة الاقتصادية العميقة، وتزايد معدلات الدين التي تسببت السياسات الاقتصادية التي تتبعها الحكومة في تفاقمها على مدى السنوات الماضية، منوهين إلى أن الموازنة الجديدة، تزيد الوضع الاقتصادي صعوبة لاعتماد تمويلها على مزيد من الديون وبيع الأصول العامة.

تداعيات الحرب

حذر خبراء اقتصاد وبرلمانيون من تداعيات الحرب الدائرة بالمنطقة حالياً على تراجع إيرادات الدولة، مع زيادة المصروفات العامة، بما يتطلب إصلاح النظام الضريبي لصالح العدالة، لافتين إلى ضرورة ترتيب أولويات الإنفاق العام وتقليص الإنفاق على المشروعات الكبرى غير ذات الأولوية.
اعترض 70 عضواً سمح لهم بالحديث من بين 596 نائباً طلبوا الإدلاء بآرائهم على عدم منح النواب فرصة للاستماع إلى آرائهم في مشروع الموازنة، وتمريرها بسرعة لم يشهدها البرلمان من قبل رغم تأخر توقيت مناقشاتها، لما قبل تنفيذها عملياً بنحو أسبوعين، إذ تبدأ السنة المالية الجديدة أول يوليو/ تموز المقبل.

حذر ممثلو أحزاب المعارضة من تناقض الأرقام المخصصة في الموازنة لدعم المواد البترولية والسلع الأساسية، المرصودة عند سقف 75 دولاراً لبرميل النفط، بينما تدفع الحرب الإسرائيلية الإيرانية معدلات التحوط بالأسعار عند 100 دولار في المتوسط، مشيرين إلى أنّ الموازنة اعتمدت بتصويت آلي من الكتلة البرلمانية الداعمة للنظام أثناء أزمة حرب إقليمية طاحنة، متجاهلة حالة الغضب الشعبي.
مع اعتراض ممثلي أحزاب المعارضة، الذين أطلقوا على المشروع "الموازنة العرجاء" يسمي رئيس الحكومة مصطفى مدبولي الموازنة بأنها "موازنة النمو والاستقرار" والشراكة مع مجتمع الأعمال، وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين.
يعد مشروع الموازنة الحكومي، بأنها ستكون الأكبر من نوعها عند حدود مصروفات بقيمة 4.6 تريليونات جنيه، وإيرادات بنحو 3.1 تريليونات جنيه.
يصف اقتصاديون اجراءات تمرير الموازنة بأنها تمت عبر "ترقيع الحسابات" و"هندسة البيانات" لتظهر النتائج جيدة أمام الناس والأجانب، بينما تكشف تفاصيلها عن تفاقم حاد في الديون المحلية والخارجية، وتآكل فعلي في قيمة الدعم الموجه للسلع الأساسية، وتزايد غير مسبوق في الأعباء الواقعة على كاهل الفئات الأفقر والطبقة المتوسطة.
تبين أرقام الموازنة زيادة دعم السلع التموينية بنسبة 19% بالموازنة الجديدة، لتخفيف العبء عن المواطنين، دون الإشارة إلى ارتفاع هذا المعدل بسبب التراجع بقيمة الجنيه، بنسبة 40% خلال العام الجاري، حيث يسعر في ظل ارتفاع سعر الدولار إلى 50 جنيها بينما سجل 31 جنيهاً عند وضع ميزانية 2024/ 2025، عدا الزيادة المقررة في تكاليف شراء السلع الغذائية والنقل والتخزين ومرتبات العاملين التي تلتهم النسبة الأكبر من قيمة الإيرادات السنوية للقطاع.

ديون تلتهم الموازنة

يذكر الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني أن موازنة مصر 2025 /2026 تتلخص في ديون متصاعدة تلتهم الموازنة، ودعم يتآكل وأعباء تتراكم على الفقراء والطبقة الوسطى. يبين الميرغني في دراسة اقتصادية موسعة حول الموازنة الجديدة، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها أن الأرقام الرسمية تشير إلى أن إجمالي الدين العام (المحلي والخارجي) قفز من 3974.9 مليار جنيه في يونيو/ حزيران 2018 إلى 11.5 تريليون جنيه في يونيو 2024.
هذا التصاعد الحاد في الديون انعكس بشكل مباشر على استخدامات الموازنة، بما يلزم الدولة خلال العام الجديد بسداد فوائد ديون وأقساطها بقيمة 4382.6 مليار جنيه، وهو ما يمثل نحو 64.8% من إجمالي الاستخدامات، مقارنة بـ 28.5% فقط قبل سنوات قليلة. هذا يعني أن أقل من 36% فقط من الموازنة سيُخصص للإنفاق على كل القطاعات والخدمات الأخرى.
قال الميرغني في مقابلة مع "العربي الجديد" إن الأخطر في الموازنة الجديدة أن الدولة تقترض لتمويل سداد قروض سابقة، إذ يشكل الاقتراض نحو 52.9% من إجمالي موارد الموازنة، بزيادة واضحة عن السنوات السابقة، بما يشير لفشل السياسات الاقتصادية والمالية في كبح العجز وتقليل الاعتماد على الدَّين.

يذكر الميرغني أنه رغم ارتفاع القيمة الإجمالية المعلنة لبند الدعم والمنح إلى 742.5 مليار جنيه، إلا أن تفاصيل هذا الرقم تكشف عن تراجع جوهري في الدعم الحقيقي للمواطنين. فدعم المواد البترولية انخفض من 154.5 مليارا إلى 75 مليار جنيه، لكن هذا الرقم يتضمن ما يُعرف بــ "الدعم المحاسبي" القائم على الفرق بين السعرين العالمي والمحلي للبترول، رغم أن المواطن لا يحصل على البترول بسعر عالمي، منوها إلى أن الأمر نفسه ينطبق على دعم الكهرباء الذي كان معدوماً في عدة سنوات، ثم عاد بقيمة مبالغ فيها هذا العام.

يذكر الميرغني أن هناك بنودا لا علاقة لها بالدعم الاجتماعي الحقيقي – مثل سداد ديون صناديق المعاشات – تضاف لتضخيم قيمة الدعم، رغم أن دعم البطاقات التموينية ظل ثابتاً عند 50 جنيهاً للفرد منذ عام 2018، في ظل التضخم الحاد وارتفاع الأسعار، بينما تراجع عدد المستفيدين من 71 مليونا إلى نحو 60.8 مليون مواطن، وانخفضت كذلك كمية الخبز المدعوم المستحق للمواطنين، ما يعكس نية واضحة لتقليص الدعم الفعلي بشكل تدريجي.

تظهر أرقام الموازنة الجديدة بوضوح أن العبء الأكبر يقع على أبناء الطبقة الوسطى والفقراء، سواء عبر تراجع الدعم أو من خلال هيكل الضرائب غير العادل وفقا للميرغني، الذي يبين أن ضرائب الدخل تُجبى بشكل رئيسي من الموظفين والعمال، بينما لا تتجاوز ضرائب المهن الحرة – مثل الأطباء والمهندسين والفنانين – 21.2 مليار جنيه.
يتهم الميرغني الحكومة بإحداث تحولات خطيرة في فلسفة الدولة القائمة على رعاية الشعب وتوفير خدماته العامة بعدالة وتساو، بين المواطنين، مؤكداً أنّ الموازنة الجديدة تكرّس لتوجهات اقتصادية "نيوليبرالية صارمة"، ترفع فيها الدولة يدها عن دورها الاجتماعي.

"ترقيع" للأرقام

يصف خبير التمويل والاستثمار رشاد عبده، مشروع الموازنة السنوية بأنه عبارة عن "ترقيع" للأرقام لكي تتمكن الحكومة من إخفاء العجز الكبير بها، وزيادة بند الرواتب والأجور، والمبالغة في توقع الإيرادات مقابل محدودية المصروفات، وهي تعلم أنها لن تستطيع الوفاء باحتياجاتها إلا بمزيد من القروض أو بيع الأصول العامة.

في محادثة مع "العربي الجديد" يشدد عبده على ضرورة عمل مراجعة جادة لموازنة 2025 /2026 التي تكرس نموذجاً لمعادلة مالية تعاني من اختلال دائم بسبب الديون المتزايدة الذي ينعكس على أداء الخدمات العامة المتراجعة وتآكل الدعم واستمرار الاقتراض لتمويل سداد القروض، وتآكل الإنفاق الاجتماعي، مشيراً إلى أنّ الطبقات الوسطى والفقيرة تدفع تكلفة هذه السياسات.

يقول الخبير الاقتصادي أحمد خزيم إنّ عدم وجود هوية واضحة للاقتصاد في الدستور، يلزم الحكومة باتباع منهج اقتصادي يحدد الفئات التي يعمل على حمايتها، بدلاً من النظام الحالي الذي يدعي أنه يحمي الفقراء بينما واقعياً يترك الأمور "خربة" ويمنح كافة الامتيازات لنخبة من الأغنياء، ستبقي الفجوة قائمة في إدارة الموارد العامة وتوجيه نفقات الموازنة.
يؤكد خزيم أن هندسة الأرقام التي تتبعها الحكومة عند تقديم الموازنة لصندوق النقد والجهات الدولية التي تطلب بيانات واضحة حول معدلات الدين العام والعجز السنوي وأوجه الصرف والإيرادات بالموازنة، لا يمكنها أن تخفي ما حدث من تراجع بمتوسط الدخل الحقيقي للمواطن، إذا ما احتسب ذلك بالعملة الصعبة وخاصة الدولار، الذي يمثل 90% من حجم المعاملات المالية للدولة.

يلفت خزيم إلى أنّ خلال الفترة الماضية، شهد الجنيه المصري عدة موجات من التخفيض، آخرها في مارس/ آذار 2024، حين تم تحرير سعر الصرف بشكل شبه كامل، ما أدى إلى تراجع قيمته أمام الدولار إلى ما يزيد عن 50 جنيهاً للدولار الواحد (بالمقارنة مع نحو 15-16 جنيهاً قبل سنوات قليلة). وهذا يعني أن الأجر نفسه بالجنيه يساوي الآن دولارات أقل بكثير، بحسب مراقبين.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows