
جزم البروفيسور يورام بيري، أحد أبرز أساتذة الإعلام في إسرائيل والرئيس السابق لمعهد حاييم هرتسوغ للاتصالات في جامعة تل أبيب، بأن وسائل الإعلام في إسرائيل، وخصوصاً قنوات التلفزة، لا تروي القصّة الحقيقية عمّا يحدث في قطاع غزّة، لا سيّما فيما يتعلّق باستهداف إسرائيل الصحافيّين الفلسطينيّين. وتحت العنوان الموحي "الجيش الإسرائيلي يقتل صحافيّين أيضاً"، نشره أخيراً في مدوّنة الموقع الإخباري تايمز أوف إسرائيل، كرّر خلاصة مجلة فورين أفّيرز، التي وصفها بأنها موثوقة، في مقال نشرته بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة يوم 3 مايو/ أيار الفائت، ومؤدّاها أن الحرب في غزّة هي الأسوأ للصحافيّين في تاريخ الحروب كلّها.
كما اقتبس من دراسة، أجراها أخيراً مشروع "تكلفة الحروب" في جامعة براون في الولايات المتحدة وكلّية الصحافة في جامعة كولومبيا، أن هبت وبلغ عددهم حتى وقت إعداد الدراسة (قبل أشهر) 232 صحافياً، وهو عدد آخذ في الازدياد.
يقرّ هذا الخبير في شؤون الإعلام بأنه لا يعرف بالضبط ما يحدث في سياق الحرب في غزّة، ولكنّه قبل ذلك عكف على بحث ما حدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، بما في ذلك غزّة، 30عاماً، وأوصلته نتائج بحثه هذا إلى أن الصحافيّين الفلسطينيّين الذين قتلتهم إسرائيل ينقسمون بين ثلاث فئات. تضمّ الأولى صحافيين لديهم ارتباط بفصائل المقاومة، وتشمل الثانية صحافيين وجدوا في أماكن قصفها الجيش الإسرائيلي، ويجب التعامل معهم (برأيه وبحسب السردية الإسرائيلية المتداولة) باعتبارهم "ضرراً جانبياً" (collateral damage). أمّا الثالثة (الأكبر) فهي التي تضم صحافيّين يؤدّون مهامّهم المهنية، ومع ذلك تقتلهم إسرائيل عمداً. وهو يعتقد أن سبب ذلك يعود إلى عدم وجود انضباط عملياتي مع سبق الإصرار والترصّد من جانب جنود ينظرون إلى كلّ فلسطيني باعتباره عدواً لدوداً، ومن جانب قادة عسكريين يؤمنون بأن كلّ شيء مباح من أجل تحقيق النصر الكامل ويتجاهلون القانون الدولي.
بكيفية ما، أعادني تعبير "الضرر الجانبي" إلى تعبير آخر سبق أن استُخدم إسرائيلياً إبّان الحرب الإسرائيلية على الانتفاضة الفلسطينية الثانية (اندلعت عام 2000)، وهو "شأن ظرفيّ"، على خلفيّة أن مؤرّخاً إسرائيلياً كان مرّة في عداد تيّار المؤرخين الجُدد، هو بيني موريس، اعتبر في مقابلة أجرتها معه صحيفة هآرتس أنه ارتباطاً بالانتفاضة الفلسطينية الثانية يمكن أن تعتبر إبادة شعب "شأناً ظرفياً"، في وسعه أن يكون مبرّراً في شروط معينة، وكلّ شيء مرهون بمفهوم الخطر الذي يشكّله الشعب الذي ينبغي إبادته على الشعب المُبيد، وربّما حتى على شكل نظام حكمه فقط. برأيه، أحياناً يكون الطرد اضطرارياً. وأحياناً أخرى لا يكفي الطرد، وإنما ينبغي القتل والإبادة والاجتثاث. وكما يقول: إذا كنّا (مثلاً) مضطرين إلى الطرد، ويُصرّ المطرودون على العودة إلى بيوتهم، فلا خيار إلا تصفيتهم عن بكرة أبيهم. ولقد سبق لموريس أن وثّق هذا الحلّ في كتابه عن حروب إسرائيل الحدودية في خمسينيّات القرن العشرين الفائت. واعتقد بعضهم أنه كان يصف هناك الخطيئة الأكبر لدولة إسرائيل، وهذه الخطيئة لا تكمن في أن إسرائيل طردت الفلسطينيين في أثناء حربٍ عندما كان هناك (في عُرفها) خطر حقيقي يتهدّد الييشوف اليهودي، وإنما تكمن في أنها قتلت رمياً بالرصاص أناساً سعوا إلى العودة إلى بيوتهم، ولم تسمح للاجئين المهزومين بالعودة إلى قراهم المهجورة، وبقبول النظام الجديد، لكي يكونوا مواطنيه حسبما فعل الفلسطينيون الذين لم يهربوا. غير أن موريس عام 2000 تبنّى تفسيراً آخرَ لما كتبه موريس المؤرّخ، مؤدّاه أنه لم يكن هناك خيار، لا وقتئذ، ولا في خضمّ الانتفاضة الثانية، فما بالكم الآن؟

Related News

