الاستيراد الخفي.. كيف تحولت حقائب مغتربي الجزائر لموانئ موازية؟
Arab
5 hours ago
share

وسط تضييق متزايد على عمليات الاستيراد الرسمية، وتزايد وطأة الأزمات الاقتصادية، برزت في الجزائر ظاهرة "الاستيراد الموازي" أو "الاستيراد الخفي" أحدَ أبرز أشكال الاقتصاد غير النظامي. يقود هذا النشاط أفراد من الجالية الجزائرية في أوروبا، خاصة في فرنسا، حيث يتحولون إلى تجار موسميين يسدّون ثغرات السوق الداخلية بمنتجات يكثر عليها الطلب، من دون المرور عبر القنوات الرسمية أو الجمركية، وتصبح حقائب المغتربين وكأنها "موانئ موازية".

وتتنامى ظاهرة الاستيراد الموازي في الجزائر مدفوعة بعدة عوامل، أبرزها القيود الاقتصادية التي تزايدت حدتها في فترات الأزمات، فقد شهد السوق المحلي ارتفاعا كبيرا في الأسعار، ونُدرة متكررة في سلع أساسية، ما فتح المجال أمام البديل الموازي القادم من الخارج، موازاة مع قوانين الاستيراد الصارمة، التي تبررها السلطات بأنها إجراءات لحماية الاقتصاد الوطني والمنتوج المحلي، ما يدفع الأفراد إلى "التحايل" عليها بطرق غير رسمية.

جالية قوية واتصال دائم بالداخل

ضمن هذه الظروف، يلعب الانتشار الكبير للجالية الجزائرية في أوروبا، خاصة في فرنسا، دورا محوريا في تغذية هذه ظاهرة المغتربين "التجار"، إذ تشير البيانات الرسمية الفرنسية إلى وجود ما بين 2.5 إلى 3.5 مليون جزائري في فرنسا وحدها، وهم على تواصل دائم مع عائلاتهم في الوطن، وهو ما يمنحهم فهما دقيقا لاحتياجات سوق متعطش لمنتجات معينة. ونفس الأرقام تشير إلى نحو 1.2  مليون جزائري من الجالية يزورون بلدهم الأصلي سنويا، مع تسجيل ذروة هذه الزيارات في الصيف، بين يونيو/ حزيران وسبتمبر/ أيلول، مما يحوّل مطارات الجزائر وموانئها إلى منافذ تجارية غير رسمية، مع توقعات أن تعرف الموسم الحالي ارتفاعا أكبر، فقد أقر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في آخر مجلس وزراء إجراءات تسهيلية لصالحهم.

من الهواتف إلى الجبن

لا يكاد يُستثنى من المنتجات المستقدمة من قبل المغتربين الجزائريين أي نوع من أنواعها، فحيثما وجد الطلب وجد المنتوج، غير أن تتبع السوق يكشف أنها تتركز في المنتجات الإلكترونية، الأجهزة الذكية، الألبسة، العطور، قطع غيار السيارات، وحتى بعض المواد الغذائية غير المتوفرة في السوق الرسمية بسبب غياب الاستيراد، أو ضعف الإنتاج المحلي. ومن بين الأسباب التي تجعل الجزائريين يفضلون اقتناء هذه السلع من الخارج، جودتها الأعلى مقارنة بالمنتوجات المحلية، كونها موجهة للأسواق الأوروبية مثلا، وأسعارها الأقل رغم مصاريف الشحن، بالإضافة إلى ثقة أكبر للزبون في الماركات الأوروبية الأصلية.

كما تلعب ازدواجية سعر الصرف في الجزائر دورا خفيا في تغذية هذه التجارة، فاستغلال الفرق الكبير بين السعر الرسمي والسوق السوداء يمنح "تجار الشنطة" من أفراد الجالية هامش ربح إضافيا، يُمكّنهم من البيع بأسعار تنافسية دون الالتزام بالضوابط الجمركية.

صورة من صور التحويلات المالية

وقال الخبير في الشؤون الاقتصادية، أحمد حيدوسي، إنّ تحوّل أفراد الجالية الجزائرية إلى "تجار" و"مستوردين" لمنتوجات مرة أو مرتين في السنة، يمكن اعتبارها ظاهرة صحية إذا ما توفرت مجموعة من الشروط، كونها تساهم بطريقة أو بأخرى في سد عجز معين خلقه تحجيم الاستيراد القانوني وضبط قوائم المنتجات المسموح بجلبها من الخارج. وأشار في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أنّ المنتجات والسلع المستقدمة من الخارج بهذه الطريقة تعتبر شكلا من أشكال التحويلات للعملة الصعبة، في وقت يعاني النظام البنكي في الجزائر من بطء في مواكبة التطورات الجارية في العالم في هذا المجال.

وأوضح حيدوسي أنّ السوق الجزائر الداخلي يحتاج إلى هذه المنتجات، بدليل وجود طلب عليها واتساع دائرة الزبائن الباحثين عنها، بصرف النظر عن آليات القيام بهذه العملية (استيراد مواز) فيما يتعلّق بعدم استيفاء الشروط القانونية وتسديد الرسوم الجبائية والجمركية المقررة، التي تضيّع على الخزانة العمومية مداخيل بالمليارات. وعلى هذا الأساس، يرى الخبير الاقتصادي أنّ تأطير الظاهرة مرهون بمعالجة أسبابها، انطلاقا من توفير المنتوجات محل الطلب في السوق الداخلية، عبر تطوير الإنتاج المحلي إذا كان استيرادها القانوني غير مسموح، فالأنشطة التجارية تتبع الطلب، كلما زاد على منتوج معين كلما راجت تجارته، موازاة مع ضرورة تطوير النظام المصرفي وتسهيل اجراءاته لتحفيز المغتربين على تحويل أموالهم عبر القنوات البنكية بدلا من سلوك سبل أخرى.

ولم يجد حيدوسي دليلا أفضل من كون التحويلات المالية لأفراد الجالية الجزائرية الموجودة بالملايين في الخارج من بين الأضعف في الوطن العربي، حسب المؤشرات والإحصائيات، فهي تتراوح بين مليار وملياري دولار في كل سنة فقط (إحصائيات تقريبية تختلف من عام لآخر)، أغلبها أجور المتقاعدين العاملين في فرنسا خاصة، بحكم أن تحويلها يتم مباشرة، بينما يفضل غيرهم جلب الأموال الصعبة نقدا وتحويلها في السوق الموازية للاستفادة من فارق السعر.

مخاطر تستدعي العلاج

ركز المنسق العام لجمعية حماية المستهلك، فادي تميم، على كون الجالية الجزائرية من أكبر الجاليات الموجودة في أوروبا، فضلا عن ارتباطها الدائم بعائلاتها وبلدها الأم، واعتبرهما عاملان يغذيان نمو ظاهرة "الاستيراد" غير النظامي الذي يقوم به المغتربون، من خلال إدخال كمية هائلة من المنتجات، نسبة كبيرة منها مستعملة في مختلف الدول الأوروبية. ومن هذا المنطلق، يسعى هؤلاء المغتربون، كما قال تميم، إلى ضرب عصفرين بحجر واحد، فهم يعودون إلى الجزائر لقضاء عطلة الصيف وزيارة الأهل والأقارب، ولكن بطعم اقتصادي وتجاري بحكم أنهم يجلبون سلعا يكثر الطلب عليها في السوق المحلية، وتمر على حاجز مصالح الجمارك دون تسديد أدنى رسم، على أنها مقتنيات شخصية وهدايا.

 وأوضح المنسق العام لجمعية حماية المستهلك، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن هذه الظاهرة لا تزال تنمو وتتوسع سنة إلى أخرى، يدفعها في ذلك "الفارغ" أنتجته إجراءات تقييد الاستيراد، الذي لم يعوضه بعد المنتوج المحلي، على أن تفاقم هذه الظاهرة أضحى يشكل منافسة "غير شرعية" للمنتوج المحلي والاستيراد القانوني على السواء، بحكم أنهما ملزمين بتسديد أعباء ضريبية لا تسلط على منتجات يجلبها المغتربون من الخارج. ويرى أن "أي نشاط غير قانوني ينبغي أن يتوقف أو يضبط على الأقل بإطار تنظيمي، تحقيقا لحماية الزبون والمستهلك، بغض الطرف عن الأمور الإدارية الأخرى وأهمية تسديد حقوق الدولة من رسوم وضرائب، فالسوق والنشاطات غير النظامية يحتمل كثير من عمليات الغش وصوره في غياب الضمانات ووثائق تثبت احترام هذه السلع للمعايير".

وقال تميم، في سياق التعليل، أن "الأخطر من هذا اختباء من يروج للسلع المقلدة وراء هذا النوع من النشاطات، عبر طرحها في السوق الداخلية على أنها سلع أصلية "مستوردة" من قبل أفراد الجالية، ما يستدعي اتخاذ التدابير اللازمة لمراقبة هذه المنتوجات حماية للمستهلك أولا، ثم تحصينا للاقتصاد والمنتوج المحلي ثانيا، إلى جانب التحقق من مصادر هذه المواد والمنتجات، أغلبها مجهولة المصدر أو من مصادر مشبوهة (مسروقة مثلا)، الأمر الذي يضع الزبون الجزائري محل الشبهة أو الوقوع ضحية احتيال.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows