خلط المبيدات.. خطر يهدد الأرض والإنسان
تقارير وتحليلات
منذ أسبوع
مشاركة

لم يكن المزارع “سلام أبوعارف (47عامًا)”، يتوقع أن يتحول موسم زراعة القمح لهذا العام 2025 إلى تحدٍّ يهدّد محاصيله الزراعية، حيث فوجئ بانتشار غير مسبوق للآفات الحشرية في مزرعته الواقعة بريف محافظة تعز.

يقول سلام لـ”منصة ريف اليمن”: “ما حدث هذا الموسم لم يكن طبيعيًا على الإطلاق، حيث ظهرت الآفات الحشرية في مزرعتي بشكل كبير، و كانت تتكاثر بسرعة، حاولت مكافحتها بالمبيدات، لكنني ارتكبت خطأً فادحًا؛ فقد استخدمت نوعًا غير مناسب ضاعف المشكلة بشكل أكبر”.

تجربته تعكس تحديًا متناميًا يتسع مع ازدياد الاعتماد على المبيدات الزراعية. ووفقًا لمجموعة البنك الدولي، تُعدّ الزراعة أكبر مستهلك للمبيدات في العالم بنسبة تصل إلى 85%، حيث تُستخدم لحماية المحاصيل قبل الحصاد وبعده، وللسيطرة على الأعشاب والآفات.


مواضيع مقترحة


يؤكد سلام خلال حديثه، أنه لجأ إلى خلط نوعين من المبيدات أملاً في القضاء على الآفات سريعًا، لكن النتيجة جاءت عكس توقعاته، فبعد الرش مباشرة بدأت أطراف أوراق القمح تبدو وكأنها محترقة في المناطق التي لامسها المبيد.

مخاطر جسيمة

ويضيف بحسرة لـ “منصة ريف اليمن”، “شعرت حينها بالعجز، وكنت أظن أنني أحمي المحصول، لكنني اكتشفت أنني أضرّه بيدي”.

تتنوع أشكال المبيدات بين سوائل تُرشّ كرذاذ أو غازات، وأخرى صلبة مثل المساحيق والحبيبات، فيما تتوزع حسب نوع الآفة بين مبيدات أعشاب (40%)، حشرات (33%)، وفطريات (10%).ورغم دورها في رفع الإنتاجية وتقليل الفاقد، إلا أن سوء الاستخدام أو الإفراط في الجرعات يشكل مخاطر جسيمة على صحة الإنسان والبيئة.

تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن المبيدات تتسبب في آلاف الوفيات سنويًا، خصوصًا في الدول النامية، إضافة إلى إصابة ملايين العاملين في القطاع الزراعي بأعراض ناتجة عن التعرض المزمن، كما تتلوث المياه السطحية في نحو 40% من مساحة اليابسة ببقايا المبيدات، بينما تبقى المركبات القابلة للتراكم الحيوي وعلى رأسها DDT تهديدًا طويل الأمد.

خلط المبيدات قد يقود إلى تفاعلات كيميائية خطرة تنتج غازات سامة تهدد حياة الإنسان(ريف اليمن)

تتفاقم المشكلة مع الانتشار الواسع للمبيدات التي تمثل نحو 30% من المبيعات العالمية، غالبًا في أسواق تُعاني من ضعف في الرقابة، ما يؤدي أحيانًا إلى تطور مقاومة لدى الآفات وزيادة الحاجة لاستخدام جرعات أكبر، في دائرة مغلقة من الاعتماد المتصاعد.

تشريعات غير مطبقة

في اليمن، تحاول السلطات الحد من هذه المخاطر عبر تشديد التنظيم والرقابة، ففي العام2018 أصدر وزير الزراعة قرارًا رقم (33)، الذي اعتمد القائمة السوداء لمستوردي وتجار مبيدات الآفات والبذور والمخصبات الزراعية، استنادًا إلى القانون رقم (25) لسنة 1999 ولائحته التنفيذية، والقرار الوزاري رقم (10) لسنة 2002، وتوصيات لجنة تسجيل مبيدات الآفات النباتية.


تشير تقديرات الصحة العالمية إلى أن المبيدات تتسبب في آلاف الوفيات سنويًا، إضافة إلى إصابة ملايين العاملين في القطاع الزراعي


يهدف القرار إلى حماية المزارعين والمستهلكين من المواد عالية السمية أو غير المطابقة للمواصفات، وضمان التزام السوق المحلية بالمعايير الدولية، وشددت الوزارة على أن إدراج أي تاجر في القائمة السوداء سيتم فور ثبوت بيعه مبيدات مخالفة، مع اتخاذ إجراءات قانونية وإدارية بحقه، في إطار جهودها لإيجاد بيئة زراعية أكثر أمانًا واستدامة

رغم وجود التشريعات المنظمة، إلا أن الخطر يبقى قائمًا على الأرض بسبب ممارسات واسعة الانتشار بين المزارعين إذ يؤكد الدكتور صالح عثمان، أستاذ مساعد في قسم وقاية النبات بكلية ناصر للعلوم الزراعية، أن خلط المبيدات أصبح ظاهرة شائعة لدى المزارعين، رغم ما ينطوي عليه من مخاطر جسيمة على الإنسان والمحصول والبيئة.

وأوضح في حديث لـ “منصة ريف اليمن” أن كثيرًا من المزارعين اليمنيين يلجأون إلى الخلط اعتقادًا بأن المزج بين نوعين أو أكثر يمنح فعالية أكبر ضد الآفات، خصوصًا في ظل ضعف جودة بعض المنتجات وانتشار الغش التجاري في السوق، لكن هذا السلوك قد يقود إلى تفاعلات كيميائية خطرة تنتج غازات سامة تهدد حياة الإنسان.

وأشار إلى أن الأضرار لا تقتصر على الإنسان فحسب، إذ يؤدي زيادة تركيز المبيدات أو تفاعلها إلى احتراق النباتات وتدمير أجزاء منها، بينما تنتقل البقايا الكيميائية إلى التربة والمياه الجوفية، ما يسهم في اتساع رقعة التلوث الزراعي ويهدد خصوبة التربة وإنتاجيتها على المدى الطويل.

يؤكد الدكتور نجيب سلام أستاذ وقاية النبات بجامعة لحج، أن هذه الممارسة لا تقتصر آثارها على الصحة، بل تمتد لتلحق أضرارًا مباشرة بالمحاصيل والتربة وجودة الإنتاج الزراعي.


استمرار الخلط العشوائي يسهم في تراكم المواد السامة في التربة وفقدان الكائنات المفيدة ما ينعكس على جودتها وقيمتها التسويقية


وأضاف لـ “منصة ريف اليمن” هناك خلطات مسموح بها عالميًا ضمن برامج المكافحة المتكاملة للآفات، بينما تُعد خلطات أخرى خطأً فادحًا، مثل مزج البيرثرويد بالزيوت في درجات الحرارة العالية، أو خلط النحاس مع الكبريت الذي يؤدي غالبًا إلى احتراق الأوراق وتلف النبات.

تراكم المواد السامة

كما أشار إلى أن استمرار الخلط العشوائي يسهم في تراكم المواد السامة في التربة وفقدان الكائنات الدقيقة المفيدة، إضافة إلى زيادة بقايا المبيدات على الثمار، ما ينعكس مباشرة على جودتها وقيمتها التسويقية.

ومن أجل مواجهة المخاطر المتزايدة للخلط العشوائي، شدد الدكتور نجيب على أهمية تدخل الجهات المختصة لتفعيل برامج الإرشاد الزراعي، وتوفير أدلة واضحة للخلطات السليمة والممنوعة، بالتوازي مع تشديد الرقابة على محلات بيع المبيدات وتنظيم تداولها.

من جانبه يرى مدير الإرشاد الحقلي ووقاية النبات بمحافظة أبين المهندس فرج عبدالله بأن وجود التوجيهات وحده لا يكفي، موضحاً أن غياب الإرشاد وضعف الرقابة وانعدام الدعم لقطاع الزراعة تقف جميعها وراء انتشار ظاهرة الخلط العشوائي، خصوصًا في المناطق النائية التي لا تصلها التوعية أو التحذيرات اللازمة.

التوعية والإرشاد ركيزة أساسية للحد من الخلط العشوائي للمبيدات وحماية المزارعين(ريف اليمن)

وأكد لـ “منصة ريف اليمن” إن بعض المزارعين يستخدمون مبيدات منتهية الصلاحية أو مجهولة المصدر، ما يدفعهم للجوء إلى الخلط بحثًا عن فعالية أكبر، بينما يؤدي ذلك غالبًا إلى إنتاج مركّبات شديدة الخطورة على الإنسان والكائنات الحية.

كما دعا إلى إعادة النظر في مستوى دعم الإرشاد الزراعي وتمكينه من أداء دوره، إلى جانب تعزيز الرقابة على سوق المبيدات، باعتبارهما خط الدفاع الأول للحد من الأضرار وضمان سلامة الإنتاج الزراعي.

حلول ممكنة

يؤكد المهندس الزراعي صديق جبريل إن البحث عن بدائل آمنة ضرورة ملحّة لا خيارًا ثانويًا، إذ تتصدر الزراعة العضوية قائمة البدائل، باعتبارها منهجًا يعتمد على مواد طبيعية وطرق إنتاج صديقة للبيئة، تُسهم في الحفاظ على التربة ورفع خصوبتها.


البدائل الآمنة لا تقتصر على الزراعة العضوية فحسب، بل تشمل مبيدات طبيعية واستخدام الأسمدة العضوية لتحسين خصوبة التربة


وأضاف في حديثه لـ “منصة ريف اليمن” أن هذا المنهج يساعد على حماية المياه الجوفية والمسطحات المائية من التلوث، ويعزز التنوع البيولوجي من خلال الحفاظ على النظم البيئية، بالإضافة إلى تقديمه منتجات زراعية ذات جودة وأمان أعلى للاستهلاك البشري.

وأوضح أن البدائل الآمنة لا تقتصر على الزراعة العضوية فحسب، بل تشمل أيضًا المبيدات الطبيعية، مثل زيت النيم والثوم، واستخدام الأسمدة العضوية كـالكومبوست والسماد الحيواني لتحسين خصوبة التربة، إلى جانب الزراعة المختلطة التي تعتمد على تنويع المحاصيل في الحقل الواحد للحد من انتشار الآفات وتعزيز التوازن البيئي.

الدكتورة هدى أحمد، أستاذ مساعد في قسم وقاية النبات بكلية ناصر للعلوم الزراعية، أكدت أن الزراعة الصديقة للبيئة، والمكافحة البيولوجية، واستخدام المبيدات الحيوية تمثل الخيارات المُثلى للحد من الاعتماد على المواد الكيميائية في القطاع الزراعي.

واختتمت حديثها بالتشديد على أن التوعية والإرشاد الزراعي هما الركيزة الأساسية للحد من الخلط العشوائي للمبيدات وحماية المزارعين والبيئة والمستهلك على حد سواء.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية