كان مستحيلاً بالنسبة لنبيلة (اسم مستعار) غضّ النظر عن مشهد النفايات المتراكمة عند مدخل أحد المستشفيات الحكومية وسط صنعاء، وقد قصدتها لمعاينة ابنتها المريضة. هذه المرة، أُضيف إلى المشهد عنصر الرائحة الكريهة التي تجاوزت الحدود المعتادة بالنسبة إليها، كما تقول، إلى حد الشعور بالغثيان.
ليست المرة الأولى التي ترى فيها نبيلة نفايات متراكمة عند مدخل هذا المستشفى أو غيره من المستشفيات والمراكز الصحية، لكنها صباح ذلك اليوم الحار من آب/ أغسطس الماضي، وجدت نفسها تصف الرائحة الكريهة التي يصعب تحمّلها.
ما أثار غضبها أكثر هو أنها اختارت التوجه إلى أحد أكبر المستشفيات في البلاد، الذي يستقبل يومياً مئات المرضى والزوار بالإضافة إلى طلاب كليات الطب، وخارج هذا المستشفى نفسه، كان الأطفال يلعبون إلى جانب تلك النفايات، فيما ينتظر البعض خروج ذويه المرضى من المستشفى، غير مدركين لخطر هذه المخلفات الطبية.
مواضيع مقترحة
- النفايات الطبية.. خطر بيئي يهدد سكان سيئون
- تلوث التربة الزراعية بالسموم.. ماعلاقة المبيدات؟
- الأطفال وجمع البلاستيك: بين لقمة العيش ومخاطر النفايات
معاناة المواطنين كبيرة في هذا الإطار، لكن المشاكل التي يواجهها العمال أكثر حدّة. في هذا السياق، يقول عامل النظافة نصيب (58 عاماً) إنّه ترك العمل في أحد المراكز الصحية في منطقة مذبح (غرب صنعاء) عام 2023، بعد عام واحد فقط، نتيجة تكرار إصابة أطفاله الستة بالأمراض. ويشير إلى أنه سبق لعدد من زملائه أن اشتكوا من المشكلة نفسها.
أزمة قديمة جديدة
ومن بين الأمراض التي أصيب بها أطفاله، الكوليرا والجدري والتهابات فيروسية في الصدر والكبد، وهو ما لم يكن عليه الحال حين كان يعمل في إحدى الجامعات. ويذكر هنا تعرّض بعض العاملين في جمع الخردوات والمواد البلاستيكية من مكبات النفايات بهدف إعادة بيعها في الأسواق، إلى الإصابة بأمراض عدة.
عامل نظافة آخر يدعى محمد الحجوري، يوضح أن جمع النفايات يحدث غالباً دون أي فرز أو فصل، حيث تُوضع النفايات الخطرة في براميل مع بقية النفايات، ثم تنقل إلى سيارات البلدية ما يزيد من التداخل.
يضيف الحجوري الذي لا يزال يعمل في أحد المراكز الصحية شمال شرق صنعاء، أن النفايات الطبية تنقل مع تلك المنزلية والتجارية إلى المكب الرئيسي في منطقة الأزرقين شمال المدينة (أكبر مكبّ للنفايات في العاصمة صنعاء، ويُعد الموقع الرئيسي لتجميع ومعالجة النفايات الصلبة في المدينة وضواحيها)، من دون مراعاة خطورة هذا الخلط على الصحة العامة والبيئة.
وبحسب الحجوري، فإن العاملين في جمع النفايات داخل المؤسسات الصحية لا يتلقون تدريبات وقائية لفهم خطورة هذه المخلفات، كما أنهم لا يرتدون غالباً الملابس الواقية المخصصة للنفايات الخطرة، ولا يستخدمون الكمامات والقفازات للوقاية من الروائح الكريهة والآلات الحادة والمشارط والأدوية منتهية الصلاحية والمواد الكيميائية.
ينسحب هذا الواقع على معظم المراكز الصحية في اليمن، سواء في المدن أو القرى النائية، وألف الأهالي رؤية نفايات طبية هنا وهناك دون رقابة أو إدارة سليمة وفرز أو معالجة.
والنفايات الطبية، بحسب منظمة الصحة العالمية، هي تلك الناتجة عن الأنشطة الصحية، وتشمل “الإبر والحقن المستعملة الضمادات الملوّثة، وقطع الأعضاء، وفحوصات التشخيص، والدم، والمواد الكيميائية، والمختبرات، والأجهزة الطبية والمشعة”.
العاملون في جمع النفايات داخل المؤسسات الصحية لا يتلقون تدريبات وقائية ولا يرتدون الملابس الواقية ولا يستخدمون الكمامات والقفازات
نبيلة وعاملا النظافة، بالإضافة إلى آخرين كثيرين، قد يظنون أن هذا الواقع هو أحد تداعيات النزاع المستمر في اليمن منذ عام 2014، إلا أن دراسة بعنوان “Assessment of medical waste management in the main hospitals in Yemen” (تقييم إدارة النفايات الطبية في المستشفيات الرئيسية في اليمن)، التي أعدها الدكتور عادل أحمد العمّاد من كلية الطب والعلوم الصحية في جامعة صنعاء، ونشرت في المجلة الصحية لشرق المتوسط الصادرة عن منظمة الصحة العالمية عام 2011، أشارت إلى أن “المقابلات والمشاهدات أظهرت أن العاملين يجمعون النفايات الطبية وغير الطبية يدوياً في جميع المستشفيات، دون تدريب كافٍ ودون استخدام وسائل الوقاية المناسبة”.
نقص المعدات وغياب التدريب
وأكدت الدراسة أن “مستوى الوعي بمخاطر النفايات الطبية وبإجراءات التعامل الآمن معها كان منخفضاً جداً بين إدارات المستشفيات، ومعظمها لم تكن تفصل بين النفايات الطبية والمنزلية، كما لم تُخصّص ميزانيات لإدارة النفايات، ما أدى إلى نقص في المعدات وغياب برامج التدريب”. كما لفتت إلى تدني مستوى المعرفة والممارسات، وارتفاع معدل الإصابات بين العاملين، مع وجود خطر دائم يهدد العاملين والزوار على حد سواء بسبب التعامل غير الآمن مع النفايات الخطرة.
أكثر من ذلك، الباحث وصف الدراسة بأنها “الأولى من نوعها في هذا المجال”، ما يعني أن السلطات في البلاد والمجتمع الطبي كانوا حتى وقت قريب نسبياً، غافلين، أو على الأقل غير مدركين لحجم هذا الخطر الصحي والبيئي الذي يهدد الجميع.
وفي تموز/ يوليو 2016، نشر باحثون يمنيون دراسة فيJournal of Applied Science and Environmental Management (مجلة العلوم التطبيقية وإدارة البيئة)، قدّروا فيها أن أربعة مستشفيات رئيسية في صنعاء تنتج نحو 5,615 كيلوغراماً يومياً من النفايات، منها حوالي 26% نفايات خطرة.
وفي مدينة إب التي تبعد حوالي 193 كيلومتراً جنوب صنعاء، كشفت دراسة أجرتها سميرة حامد حنش (أستاذة مشاركة في قسم الميكروبيولوجيا بكلية الطب والعلوم الصحية في جامعة تعز)، بالتعاون مع آخرين ونشرت في Journal of Clinical and Diagnostic Research (مجلة البحوث السريرية والتشخيصية)
عام 2021، أن مستوى المعرفة بالممارسات الخاصة بإدارة هذه النفايات لا يزال محدوداً رغم حجم التوليد المرتفع. أما في الحديدة التي تبعد حوالي 226 كيلومتراً غرب العاصمة صنعاء، فقد قدّرت دراسة ميدانية أعدتها جامعة الحديدة عام 2022 أن مستشفى الثورة وحده ينتج نحو 303 كيلوغراماً يومياً من النفايات الطبية، بينما ينتج مركز غسيل الكلى حوالي 155 كيلوغراماً.
وإن كانت الأزمة الصحية والبيئية المرتبطة بالنفايات الطبية تعود إلى ما قبل الأزمة، إلا أن الأمم المتحدة أظهرت في تقرير نشرته في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، أن الصراع أثّر بشدة على القطاع الصحي، ولم يكن سوى 45% من المرافق الصحية تعمل بكامل طاقتها، و38% تعمل جزئياً، بينما توقفت 17% تماماً.
وبعد سنوات، في كانون الثاني/ يناير 2021، أكد تقرير صادر عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في صنعاء أن مكب الأزرقين لا يراعي خصوصية المخلفات الطبية الخطرة ولا الصناعية أو الكيميائية السامة، ما يفاقم المخاطر الصحية والبيئية.

وفي نيسان/ إبريل 2024، أوضحت منظمة الصحة العالمية أن حوالي 46% من المرافق الصحية تعمل جزئياً فقط أو متوقفة كلياً بسبب نقص الكوادر والتمويل والمعدات. أما الدراسة التي أجراها الباحثان محمد طلحي وهشام ناجي في سبتمبر 2024 ونشرت في مجلة جامعة صنعاء للعلوم التطبيقية والتقنية حول عشرة مستشفيات في الحديدة، فقد كشفت أن إنتاجها السنوي بلغ نحو 599,038 كيلوغراماً من النفايات، أكثر من ثلثها (33%) نفايات خطرة، ما يعكس استمرار تفاقم الأزمة بعد عقد من الحرب.
كوارث صحية وبيئية
الأرقام أعلاه تُنذر بكوارث صحية وبيئية قد تمتد طويلاً في حال الاستمرار في عدم المعالجة. وحاولنا التواصل مع عدد من الجهات المعنية في صنعاء للحصول على معلومات حول إدارة النفايات الطبية، شملت صندوق النظافة والتحسين، وإدارة النفايات الطبية التابعة وزارة الصحة والبيئة، بالإضافة إلى مستشفيين حكوميين، من دون الحصول على أي رد.
صحياً، يُوضح طبيب الطوارئ محمد عبدالله أن النفايات الطبية، وبخاصة الأدوات الحادة، تُشكّل مصدراً رئيسياً للعدوى المهنية والمجتمعية، إذ يمكن أن تسبّب إصابات في الجهاز التنفسي والهضمي والتناسلي، فضلاً عن العيون والجلد.
وتشمل الأمراض المحتملة التهاب الكبد الفيروسي بأنواعه (أ وب وسي)، فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، التهاب السحايا، وبعض الحميات النزفية، بالإضافة إلى الجمرة الخبيثة. وتحدث العدوى عادة من خلال وخز الإبر والأدوات الحادة، أو الاستنشاق، أو البلع العرضي، أو ملامسة الجلد الممزق أو الأغشية المخاطية.
ويشدد محمد على أن سوء إدارة هذه النفايات لا يقتصر على المخاطر المباشرة فحسب، بل يمتد ليشمل مخاطر غير مباشرة، مثل تكاثر الحشرات والقوارض الناقلة للأمراض، تلوث الهواء جراء الحرق العشوائي، الروائح الكريهة، تلوث التربة والمياه بعصارة النفايات، وانتشار الحيوانات الضالة.
وفي ما يتعلق بالوقاية، يشير إلى أن ضعف الالتزام بارتداء الملابس الواقية واستخدام أدوات السلامة المهنية يزيد من خطورة الإصابات، وهو ما بدا أكثر وضوحاً خلال فترات تفشّي الأوبئة مثل جائحة كورونا، التي أودت بحياة عدد من العاملين في القطاع الصحي.
عام 2021، جددت منظمة الصحة العالمية الإشارة إلى أن قدرات المستشفيات أو منظومة الرعاية الصحية في كافة أنحاء البلاد محدودة في مجال إدارة النفايات الطبية بالشكل المناسب، مشيرة إلى أنه رغم بعض الإجراءات الأساسية لتحسين الوضع، إلا أنه لا يزال يشكل خطراً صحياً كبيراً على الطاقم الطبي والجمهور العام.
وتتحدّث عن غياب معايير موحدة لفصل النفايات عند المصدر، أو صناديق جمع أو معدات مخصصة للتخلص منها داخل معظم منشآت الرعاية الصحية. وتوضح أن 35 من بين 63 منشأة صحية شملها المسح تمتلك محارق عاملة (56%)، بينما اليمن 14 منشأة (22%) لا تمتلك محارق، و14 منشأة أخرى (22%) تمتلك محارق لكنها لا تستخدمها بسبب الموقع غير المناسب أو متطلبات الوقود والطاقة أو سوء البناء أو عدم التزام الطاقم.

على المستوى البيئي، يؤدي سوء إدارة النفايات الطبية إلى تسرب المواد الخطرة إلى الأراضي الزراعية وتلوث التربة والمياه الجوفية. كما أن “الحرق المكشوف أو الحرق عند درجات حرارة منخفضة (< 800 درجة) بدون أجهزة تحكّم في التلوث يؤدي إلى انبعاث ملوثات مثل الجسيمات الدقيقة، والمعادن الثقيلة، والديوكسينات والفورانات”، بحسب منظمة الصحة العالمية.
كما تواجه إدارة النفايات الطبية في اليمن تحديات متعددة ومعقدة ومتداخلة تشمل الأطر القانونية المحدودة النطاق مثل السياسات واللوائح والمبادئ التوجيهية من السلطات. ويقول مواطنون وموظفون لموقع “…” إن الفساد المالي والإداري يعتبر أحد أبرز العوامل التي تؤثر على فعالية إدارة النفايات.
ويشرح الرئيس التنفيذي لمنظمة البيئة والتنمية في اليمن، عهد الرفيد، أن “إدارة النفايات الطبية في اليمن تشكل تحدياً بيئياً وصحياً خطيراً نظراً للظروف الراهنة ومحدودية البنية التحتية”.
مشيراً إلى أن المخاطر البيئية والصحية للنفايات الطبية تنجم غالباً عن ممارسات غير آمنة مثل الخلط والحرق المفتوح والتخلص غير السليم كالدفن العشوائي. يضيف أنه “ينتج الحرق المفتوح للنفايات الطبية والنفايات العامة خليط سام من الديوكسينات والفيورانات والمعادن الثقيلة كالزئبق والرصاص، وأول أكسيد الكربون، والجسيمات المعلقة. وهذه الملوثات تضر بالجهاز التنفسي وتزيد من خطر الإصابة بالسرطان”.
وفي ما يتعلق بتلوث التربة والمياه الجوفية، فيحدث عند تسرب السوائل الملوثة من النفايات المدفونة أو الملقاة عشوائياً، خاصة النفايات الصيدلانية (الأدوية منتهية الصلاحية أو غير المستخدمة، واللقاحات، والمضادات الحيوية، والمواد السامة)، والكيميائية (المطهّرات، المذيبات، الفورمالين، الزئبق، والبطاريات)، ومسببات الأمراض (الضمادات الملوثة، الدم، الإفرازات، العينات المخبرية، والأدوات المستخدمة مع المرضى)، ما يؤثر بشكل مباشر على الزراعة ومصادر المياه الصالحة للشرب.
يتابع: “تُعد منطقة الضباب في تعز أحد أهم مصادر المياه والزراعة، إلا أن وجود مكب للنفايات تُحرق فيه النفايات يؤدي إلى تسرب الملوثات الكيميائية والبيولوجية مع مياه الأمطار إلى الخزانات الجوفية، كما يلوث الهواء المحيط بالغبار والغازات السامة.
هذه الملوثات تمثل خطراً على صحة الإنسان والحيوان والبيئة الزراعية، وترتبط بزيادة احتمالية الإصابة بأمراض تنفسية وأمراض مزمنة، بما في ذلك بعض أنواع السرطان”.
يضيف أن التخلص غير السليم من الأدوية والمضادات الحيوية قد يؤدي إلى تسربها إلى البيئة، وهو ما يسهم في تطور سلالات بكتيرية مقاومة للعلاج، بما يشكل تهديداً متنامياً للصحة العامة على المستوى المحلي والعالمي.
وعن المخاطر طويلة المدى للحرق المفتوح، يشير الخبير البيئي إلى أنها تشمل التراكم الحيوي للسموم في البيئة، ويوضح أن “مركبات الديوكسينات والفيورانات في البيئة تبقى لفترات طويلة وتتراكم في السلسلة الغذائية، ما يزيد من خطر الإصابة بالسرطان وتلف الجهاز العصبي والمناعي والاضطرابات الهرمونية على المدى الطويل”.
التخلص غير السليم من الأدوية والمضادات الحيوية قد يؤدي إلى تسربها إلى البيئة، وهو ما يسهم في تطور سلالات بكتيرية مقاومة، بما يشكل تهديداً متنامياً للصحة العامة
وبحسب الرفيد، فإن تلوث المياه الجوفية والتربة يؤثر على المحاصيل الزراعية ويقلل من جودتها وسلامتها، ويمكن أن تنتقل هذه الملوثات إلى الإنسان عبر الغذاء. كما أن استهلاك المياه الملوثة أو المحاصيل المروية بها يمثل المسبب الرئيسي لأمراض الجهاز الهضمي والعدوى، إلى جانب الآثار الصحية المزمنة الناتجة عن التعرض المستمر للسموم.
حلول
في 2 كانون الثاني/ يناير، أعلنت منظمة الصحة العالمية بدعم من البنك الدولي عن تحقيق تحول ملموس في إدارة النفايات الطبية في اليمن. فمنذ عام 2022، جرى تركيب 60 وحدة منخفضة التكلفة للمعالجة والدفن الآمن، ما حسّن أنظمة إدارة النفايات في 139 مرفقاً صحياً ضمن برنامج رأس المال البشري الطارئ. وارتفعت نسبة المرافق المجهزة لإدارة النفايات بأمان من 20% قبل ثماني سنوات إلى أكثر من 80% اليوم.
كما خضع أكثر من 8,000 عامل صحي لتدريبات على دمج المعايير البيئية والاجتماعية في عملهم اليومي، فيما تواصل المنظمة توسيع نطاق الدعم والمراقبة وتعزيز القدرات المحلية لتحقيق التخلص الآمن والمستدام من النفايات الطبية في مختلف المحافظات.
من جهته، زود برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في حزيران/ يونيو 2022 مستشفى 22 مايو في عدن بمحرقة طبية حديثة بدعم من بنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي. وبحسب البرنامج، تتميز هذه المحرقة بقدرتها على معالجة حوالي 25 كيلوغراما من النفايات خلال أربع ساعات، مع إمكانية الوصول إلى درجات حرارة تصل إلى 850 درجة مئوية لضمان التخلص الآمن من المخلفات الطبية الخطرة.
وفي سياق موازٍ، أنشأت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” عام 2024، مائة محرقة طبية في مختلف مناطق اليمن بدعم من البنك الدولي، كما دربت أكثر من 1300 عامل صحي على أسس الإدارة المستدامة للنفايات، ووزّعت معدات حماية شخصية على نحو 2400 منشأة صحية.
وفي سياق أفضل الممارسات في إدارة النفايات الطبية، يبرز مبدأ “من المنبع إلى المدفن” الذي يقوم على البدء بفرز النفايات فور إنتاجها باستخدام حاويات ملوّنة وفق نوعها؛ حيث يُخصَّص اللون الأصفر للنفايات المعدية، واللون الأحمر أو الأصفر في صناديق صلبة مقاومة للثقب للنفايات الحادة كالإبر والمشارط، بينما يُستخدم اللون الأسود أو الأزرق للنفايات العامة غير الخطرة، كما يقول الرفيد.
ويوضح أن التخزين يجب أن يكون مؤقتاً في منطقة مغلقة وآمنة داخل المنشأة الصحية، وأن يتم النقل عبر مركبات مغطاة ومخصصة لنقل النفايات المفرزة إلى منشأة المعالجة.
كما يشدد على أهمية المعالجة عبر التطهير والتعقيم باستخدام الأوتوكلاف (جهاز تعقيم يعمل بالبخار المضغوط، ويُستخدم على نطاق واسع في المستشفيات والمختبرات للتخلص الآمن من النفايات الطبية المعدية) أو الحرق الآمن في محارق عالية الكفاءة، قبل التخلص النهائي من النفايات المعالجة في مدافن صحية مصممة هندسياً.
مطالبة بإصدار تشريع وطني واضح يحدد المسؤوليات ومعايير الفصل وطرق المعالجة المقبولة، وتطبيق مبدأ “المُلوّث يدفع”، وربط ترخيص المستشفيات بخطط إدارة النفايات المعتمدة.
يؤكد الرفيد أن تكييف هذه الممارسات مع الظروف المحدودة في اليمن يتطلب حلولاً عملية واقتصادية، مثل استخدام وحدات معالجة بالتعقيم بدل المحارق المركزية باهظة الثمن، والاستعاضة عن حاويات الفرز المموّلة ضعيفة التمويل ببراميل بلاستيكية مع وضع ملصقات واضحة، بالإضافة إلى برامج تدريبية إلزامية للفئات المستهدفة في المستشفيات وعمال النظافة، وحملات توعية للمواطنين، كما أشار إلى ضرورة إنشاء مدافن آمنة للنفايات في ظل غياب المدافن الصحية.
وفي الوقت نفسه، فإن المحارق منخفضة التكلفة التي تدعمها بعض المشاريع مثل اليونيسف تقدم حلاً أفضل من الحرق المفتوح، لكنها غالباً لا تحقق درجات الحرارة الكافية لتدمير الديوكسينات والفيورانات بشكل كامل، مع الحفاظ على سهولة التركيب والتشغيل.
وعن السياسات والقوانين، يشدد الرفيد على أهمية إصدار تشريع وطني واضح يحدد المسؤوليات ومعايير الفصل وطرق المعالجة المقبولة، وتطبيق مبدأ “المُلوّث يدفع”، وربط ترخيص المستشفيات بخطط إدارة النفايات المعتمدة.