إشادة يمنية بعظمة مصر… المتحف المصري الكبير إنجاز استثنائي وتجربة ملهمة
رسمي
منذ 5 أيام
مشاركة

سبتمبر نت: تقرير/ عمر أحمد 

تتنافس الامم والشعوب وتحث الخطى المتسارعة نحو المستقبل كل أمة بطريقتها وحسب خططها، في حين تتراجع عدد من الشعوب حتى كادت تنسى جذورها، وبين هذا وذاك يطلّ المتحف المصري الكبير من ضفاف الجيزة كتحفة عمرانية فريدة، تذكّر العالم بأن الحضارة لا تموت ما دام هناك من يحرس ذاكرتها، فما شاهده العالم قبل أيام ليس مجرد متحف، بل رسالة سلام وحوار حضاري، تعيد للعرب ثقتهم بتاريخهم، وتثبت أن الاستثمار في الثقافة من أعظم أشكال التنمية المستدامة.

ومن قلب القاهرة، أطلقت مصر من خلال هذا المشروع العملاق نداءً حضاريًا للعالم أجمع مفاده أن الشعوب العريقة قادرة على أن تحيا من جديد متى آمنت بتراثها وجعلته رافعة للتنمية والتنوير.

لقد عد كل قادة الدول والخبراء إعادة افتتاح المتحف المصري الكبير حدثًا استثنائيًا في تاريخ الثقافة الإنسانية، ورسالة حضارية تتجاوز حدود المكان والزمان، تؤكد أن الثقافة ليست مجرد ذاكرة للماضي، بل رافعة تنموية تفتح أبواب المستقبل وتغذي روح الإبداع والسلام.

إنها مشروع وطني عملاق أعادت مصر من خلاله صياغة العلاقة بين التراث والتنمية، وقدمت نموذجا عربيا رائدا في تحويل الموروث التاريخي إلى قوة اقتصادية وحضارية تعزز مكانتها الدولية وتُلهم شعوب العالم.

معلومات وارقام

يمتد المتحف المصري الكبير على مساحة شاسعة بجوار أهرامات الجيزة الخالدة، ليشكل لوحة فريدة تمزج بين عبق التاريخ وروعة المعمار الحديث، ويحكي للعالم قصة حضارة ضاربة في الجذور تمتد لآلاف السنين، وقد جاء افتتاحه ليؤكد أن مصر ستظل مركز إشعاع حضاري وثقافي للعالم، ووجهة أولى لعشاق التاريخ والفن والتراث الإنساني.

وفي هذا السياق، انهى فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، امس الجمعة، زيارة الى العاصمة المصرية القاهرة، بدعوة من اخيه فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي للمشاركة في افتتاح المتحف المصري الكبير.

وأعرب فخامة الرئيس، عن بالغ امتنانه لأخيه فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ولحكومة وشعب جمهورية مصر العربية الشقيقة، على حفاوة الاستقبال، وكرم الضيافة، والتنظيم المبهر لفعاليات افتتاح المتحف، مشيدا بالمستوى الرفيع لهذا الصرح التاريخي، وبما يمثله من اضافة للنهضة العمرانية والثقافية التي تشهدها جمهورية مصر العربية في مختلف المجالات.

وكان فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، قد اعرب أثناء مشاركته في حفل الافتتاح عن اعتزازه بهذا المنجز الكبير مشيدا بالرؤية المصرية الحكيمة التي جعلت من الثقافة والتنمية وجهين لعملة واحدة.

وأكد الرئيس العليمي أن اكتمال هذا المشروع العملاق يجسد الإرادة المصرية الصلبة بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، ويبرهن على أن الاستثمار في الثقافة والتراث ليس ترفا، بل قوة قادرة على صناعة التنمية وتوحيد الشعوب على قيم السلام والحوار.

وشدد فخامته على أن هذا الإنجاز ليس مكسبا لمصر وحدها، وإنما إنجاز عربي وإنساني مشترك يعيد للمنطقة مكانتها كمهد للحضارة وملتقى للثقافات.

فخر واعتزاز

كما عبّر رئيس مجلس القيادة عن اعتزاز اليمن حكومةً وشعبًا بالعلاقات التاريخية المتينة مع جمهورية مصر العربية، مثمنًا مواقف القاهرة الثابتة إلى جانب الشعب اليمني في معركته لاستعادة الدولة وتحقيق السلام والاستقرار.

من جانبه، قال خالد بحاح، سفير اليمن لدى القاهرة، إن العالم يتجه اليوم نحو محور ارتكازه في أرض الكنانة، ليشهد حدثًا حضاريًا نادرًا يجسد عبقرية المصريين في وصل الماضي بالحاضر.

وأضاف أن افتتاح المتحف المصري الكبير ليس مجرد مشروع ثقافي، بل أيقونة عربية تليق بمصر وبالأمة كلها، وقراءة عميقة في تاريخها الممتد منذ آلاف السنين تحت سقف واحد، وبأسلوب عرض معاصر يضاهي كبريات المتاحف العالمية.

وأكد السفير أن هذا الصرح العملاق يشكل مصدر فخر لكل عربي، إذ يجمع شواهد التاريخ المصري في مكان واحد بترتيب استثنائي يعكس وعيًا حضاريًا عميقًا بأهمية حفظ الذاكرة الجمعية للأمة.

كنوز الدنيا

ويضم المتحف المصري الكبير أكثر من 5000 قطعة أثرية من كنوز الملك توت عنخ آمون، تُعرض للمرة الأولى مجتمعة منذ اكتشاف مقبرته في الأقصر عام 1922، إضافة إلى عدد من التحف المرممة بعناية فائقة مثل العربات الملكية والعرش الذهبي وتابوت الدفن وقناع الذهب الشهير. كما يضم المتحف القارب الشمسي للملك خوفو الذي يعود إلى أكثر من 4600 عام، ليشكل نافذة نادرة على عبقرية المصري القديم في الفكر والهندسة والفن.

وتأمل الحكومة المصرية أن يكون المتحف نقطة جذب رئيسية ترفع عدد السياح إلى أكثر من 30 مليون زائر بحلول عام 2032، بما يعزز الاقتصاد الوطني ويؤكد أن التراث الثقافي يمكن أن يكون رافعة حقيقية للتنمية المستدامة.

حضارة اليمن ومصر

وفي مقابل هذه التجربة المصرية الملهمة، تبرز الحاجة الماسة إلى الالتفات إلى الإرث الحضاري اليمني العريق الذي لا يقل شأنًا عن حضارة مصر القديمة، بل يُعد من أقدم الحضارات التي عرفها الإنسان، فمن سبأ ومعين وقتبان وحضرموت إلى شبام ومأرب وصنعاء القديمة، ترك اليمنيون بصماتهم على صفحات التاريخ الإنساني بحكمة وإبداع، إذ استطاعوا ترويض الطبيعة القاسية، فبنوا المدرجات الزراعية والسدود والمدن الحجرية والصهاريج، وشيّدوا عمرانًا مهيبًا يعكس ذائقة فنية متفردة وروحًا إنسانية أصيلة.

لكن المفارقة المؤلمة أن هذا التراث الزاخر يعاني اليوم من الإهمال والنهب والتجريف، فقد كشفت تقارير حديثة عن تعرض آلاف القطع الأثرية اليمنية للسرقة والتهريب خلال سنوات الحرب، فيما فُقدت مقتنيات كثيرة من المتاحف الوطنية التي كانت شاهدة على عظمة اليمن القديم.

تحذيرات وصحيات

وحذّر الخبير في الآثار اليمنية عبدالله محسن من أن الموروث الأثري في اليمن يواجه خطر الزوال، مشيرًا إلى وجود أكثر من 100 ألف قطعة أثرية غير موثقة داخل المتاحف الوطنية، مما يجعلها عرضة للضياع أو التهريب، بالإضافة إلى 23 ألف قطعة أخرى خارج سيطرة الدولة، تتنوع بين تماثيل ونقوش وعملات وقطع فنية نادرة.

وأوضح محسن أن غياب نظام متكامل لتوثيق وإدارة المقتنيات الأثرية يمثل خطرًا حقيقيًا على الذاكرة الوطنية، داعيًا إلى إطلاق مشروع وطني عاجل لحصر وتوثيق الآثار، بالتعاون مع المنظمات الدولية المتخصصة.

وأكد أن إنقاذ هذا الإرث الحضاري ليس مسؤولية الحكومة وحدها، بل مسؤولية وطنية ودولية مشتركة، لأن ضياع هذا التراث يعني خسارة فصل من فصول التاريخ الإنساني كله.

دعوة لإحياء الذاكرة 

إن تجربة مصر في إنشاء المتحف المصري الكبير تمثل درسًا ملهمًا للدول العربية، وعلى رأسها اليمن، بأن الاستثمار في التراث والثقافة هو استثمار في المستقبل.

فحين يُعاد اكتشاف الموروث الوطني وتوظيفه بشكل علمي ومنهجي، يمكن أن يتحول إلى صناعة ثقافية وسياحية تدر عوائد مالية وتنموية ضخمة، وتعيد للشعب ثقته بهويته وتاريخه.

واليمن، بما تمتلكه من حضارة سبئية ومعينية وقتبانية وحضرمية غنية بالنقوش والمعمار والفن واللغة، مؤهلة لأن تكون وجهة عالمية للسياحة الثقافية لو أُحسن استثمار إرثها العظيم.

إن حماية التراث لا تعني مجرد الحفاظ على الماضي، بل صون الذاكرة وبناء المستقبل، فالأمم التي تحترم تاريخها وتستثمر في ثقافتها، هي القادرة على تحقيق التنمية الحقيقية وصناعة مكانة مؤثرة في العالم.

ولعل تجربة مصر اليوم تذكيرٌ للعرب جميعًا، بأن الأمم العظيمة تُبنى على ذاكرة لا تموت، وعلى حضارة تُستعاد لتصنع الغد.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية