ألبوم تايلور سويفت... سيرة فنانة استعراضية
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة
الألبوم الصادر مؤخراً للنجمة تايلور سويفت والمعنون "سيرة فتاة استعراضية" (The Life of a Showgirl)، هو الأول منذ أن نجحت أيقونة البوب المعاصر بلا منازع -في الشعبية والمبيعات على الأقل- في انتزاع حقوق جميع ألبوماتها السابقة من شركات الإنتاج العملاقة ووكلائها. لذلك كان من المنتظر أن يزخر المنتج الجديد بزخم النصر، وأن يبعث برسالة إلى جموع "السويفتيز" حول العالم، مفادها أن مثلهن الأعلى ما برحت ترقى من نجاح إلى آخر، وأن لا شيء ولا أحد يقف في وجهها. ومع ذلك، فهي باقية على عهدهن بها: تلك الروح الجامعة بين العزيمة الريادية الممكنة والرقة الأنثوية المحافظة. لعل سويفت قد أرادت أن تحتفي بالأصل وتعود إلى الجذور، إلى ذلك البوب الترفيهي الخفيف الممزوج بالكانتري الحيوي الذي شكل مهد ولادة نجوميتها. وكما جرت العادة البشرية بأن يعمد كل من يعيش نشوة النصر إلى تأمل مسار حياته كما لو كان سيرة ملحمية، اختارت القص (Storytelling) إطاراً عاماً يبدأ بعنوان الألبوم ويحيط بجميع تراكاته. وكما أوضحت بنفسها، حين استضافها بودكاست New Heights قبل شهر، في سياق مجهوداتها الترويجية لإصدارها الجديد، فإن الحكاية الشخصية التي أرادت سردها عبر الألبوم تنبع من عمق ذاتي لا موضوعي، يتعلق بالمخفي من حياة فتاة الاستعراض عن الفضاء الجماهيري؛ فالألبوم لا يتحدث عن سويفت التي على خشبة المسرح، بل عن تايلور التي خلفها. ولغرض سبر ذلك العمق الذاتي عبر أسلوبية القص، عقدت شراكة مع المنتج وكاتب الأغاني السويدي ماكس مارتن (Max Martin)، الذي سبق أن تعاونت معه في عدة أغانٍ ضاربة، يعد ألبوم Red الصادر عام 2012 أشهرها. وها هو اليوم ينضم إلى طاقم ألبومها المديد LP رقم 12. ومارتن قامة بالغة التأثير في الصناعة الموسيقية، وإن اختار لنفسه دوماً البقاء خارج الأضواء. يعرف عنه اتباع منهجية دقيقة في صناعة الأغنية، وهو ما جعله مفضلاً لدى كبار النجوم، الذين تخضع منتجاتهم لمعايير جودة صارمة تضمن لها الرواج والانتشار، بما يحقق عوائد كفيلة بتغطية نفقات إنتاجها وتسويقها. ومن هذا المنطلق، وفي مقابلة نادرة أجريت معه على منصة Variety عام 2019، تحدث مارتن عما يصفه بـ"الصيغة" (Formula) التي تحدد للأغنية الضاربة (Hit) مساراً تتسق عليه إحداثيات التسخين الشعوري والذرى والانفراجات على نحو مدروس ومخطط له، من دون أن يبطل ذلك مفعول الحدس نهائياً، إذ يساعد على تجنب أن تفضي الصيغ المحكمة إلى الوقوع في فخ الكليشيهات. وفي لفتة ذات دلالة تتعلق بإطار القص، دعا كل من سويفت ومارتن النجمة الصاعدة سابرينا كاربنتر (Sabrina Carpenter) -البالغة 26 عاماً- لتحل ضيفاً على الأغنية التي تحمل عنوان الألبوم، فتشكل مرآة جيلية حية تعكس حياة سويفت عند صعودها أول درجات الشهرة، وتسمح بوجود مساحة عازلة (Buffer) تفصل الراوي عن الشخصية الرئيسية. فتتشارك النجمتان في سرد حكاية فتاة الاستعراض عبر شخصية متخيلة تشير إليها حبكة النص باسم "كيتي". و"كيتي"، بحسب الحكاية، نجمة استعراضية ألهمت سويفت في صباها، حين حضرت أحد عروضها، بأن تسلك طريق الفن. وككل أغاني الألبوم، وانطلاقاً من مفهوم إنتاجي فريد، تستهل الأغنية بمقطع أشبه ببودكاست مسجل يقدم كأنه "تراك" مستقل بصوت الفنانة، تشرح فيه عن أغنيتها، مؤكدة السمة القصصية المؤطرة للألبوم. أما الشكل العام، فيتخذ لون الكانتري الحديث، حيث يسمع إيقاع ناظم يعتمد على الأكف والأقدام، تصاحبه آلة الغيتار، في ما يذكر بالرقص الشعبي الدائر في أرياف الغرب والوسط الأميركي. يقوم نص الكلمات على تقابل سردي بين المذهب واللازمة؛ فبينما يحمل المذهب افتتان سويفت ببطلتها كيتي وكيف أنها تتوق إلى لقياها في أعقاب الحفل لتبوح لها بما ألهمتها إياه من رغبة في سلوك طريق الاستعراض، تأتي اللازمة على لسان النجمة لتحذر معجبتها من أنها لا تدرك تماماً ما تعنيه حياة فتاة الاستعراض، فكلما كثرت الأماسي التي تحييها ازدادت معها الأكلاف النفسية والجسدية والعاطفية المترتبة عليها. تتولى كاربنتر أداء المذهب التالي، لتعاد اللازمة بصوتها -ولكن برفقة سويفت هذه المرة- في ما يشبه حواراً داخلياً بين الحاضرة في التجربة ومن تعيد تمثيلها على الخشبة. ومن شأن ذلك أن يعزز غنائياً الشكل السردي ثلاثي الأبعاد، القائم على شخصيات كيتي وكاربنتر وسويفت، من دون أن يخل بكون الأخيرة صاحبة الحكاية وبطلتها الرئيسية. أغنية أخرى مفصلية اختارت لها سويفت أن تكون الأولى بين أغاني الألبوم، وسمتها "مصير أوفيليا" (The Fate of Ophelia). وتكتسب مفصليتها من كونها تعزز القص بوصفه الإطار المفاهيمي للإصدار. وقد ورد ذلك على لسان الفنانة خلال التراك الإذاعي التمهيدي، حين أشارت إلى الدراما الشكسبيرية بوصفها مصدر إلهام تجسد في العنوان كما في النص؛ فشخصية أوفيليا هي المرأة النبيلة في مسرحية شكسبير "هاملت"، زوجة البطل الموعودة التي آلت ضحية لخياراته. إلا أن سويفت أرادت، من خلال أغنيتها، أن تمنح أوفيليا عناصر من التمكين النسوي تدفع بها إلى تجاوز مصير الضحية؛ كأنها تسعى إلى استلاب الشخصية الشكسبيرية عبر إخراجها من سياقها القروسطي ووضعها في سياق معاصر، ومن ثم إسقاط سيرتها الذاتية عليها. ويتجلى ذلك موسيقياً في ريفات (Riffs) البيانو ذات السمة التراجيدية في البداية، المحمولة على إيقاع مارش جنائزي يذكر بموت "أوفيليا"، تليها اندفاعة ديسكو راقصة حيوية تحمل السمة الواضحة لأغنية البوب "السويفتيّة"، يدخل فيها الغناء مباشرة من دون مقدمات إضافية، في إيحاء بالعزم والحزم واستعادة السيطرة.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية