فوضى أسواق الجزائر..التجار النظاميون يتمددون إلى الأرصفة
عربي
منذ 23 ساعة
مشاركة
تتجاوز تأثيرات السوق الموازية في الجزائر حدود ضعف الرقابة وتحصيل المستحقات الضريبية لصالح الخزينة العمومية، فحجم الظاهرة يفوق 8000 مليار دينار، أي ما يعادل 60 مليار دولار، ما يجعلها بمثابة المنافس القوي للنشاط التجاري النظامي. وبينما يفضل بعض التجار الخروج من الدائرة الرسمية لمزاولة نشاطهم "خارج القانون"، بهدف الاستفادة من "ميزة" التخلص من تسديد أعباء الضريبة، يلجأ آخرون إلى استلهام طريقة عمل التجار الفوضويين، بانتقال عدوى عرض منتوجاتهم المختلفة وفرشها على الرصيف والطريق العمومي رغم امتلاكهم محلات تتمتع بسجل تجاري. وفي هذا الاتجاه، أرجع رئيس جمعية حماية المستهلك مصطفى زبدي انتشار هذه الظاهرة إلى التنافس بين التجار لتحقيق أكبر قدر ممكن من الربح، على الرغم من أنها تمس بصحة المستهلك وسلامته، لاسيما إذا تعلّق الأمر ببيع المواد الغذائية أو المشروبات، من منطلق أن هذا الأمر يعرضها للغبار والأتربة، فضلًا عن أشعة الشمس. وأشار المتحدث، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، إلى أن جمعية حماية المستهلك تلقت العديد من الشكاوى حول حالات "استيلاء" التجار النظاميين على الأرصفة والطريق العام. ودعا إلى ضرورة التطبيق الصارم للقانون لمواجهة هذه الظاهرة، خاصة أن هؤلاء التجار مسجلون، وبالتالي فإن إمكانية الوصول إليهم ومراقبتهم متاحة، على خلاف التجار الفوضويين. ورأى زبدي أن هذه الظاهرة أضحت تشكل صورة جديدة للتجارة الموازية، بين منطقة "رمادية" تتوسط نشاط السوق السوداء البعيد عن الرقابة من جهة، والنشاط التجاري الرسمي من الجهة المقابلة، ما يستدعي اتخاذ إجراءات لمواجهتها والحد من انتشارها. فالقانون الجزائري واللوائح البلدية، كما قال، يمنعان احتلال الأرصفة بدون ترخيص، ويفرضان على المخالفين عقوبات وغرامات مالية، لكن غالبًا ما يكون التنفيذ ضعيفًا أو موسميًا. ينص القانون الجزائري على توقيع عقوبات صارمة ضد المخالفين لتنظيم ممارسة النشاط التجاري، فالقانون رقم 90ـ29 المتعلق بالتهيئة والتعمير يُجرِّم الاحتلال غير الشرعي للأملاك العمومية، ويمنح صلاحية إزالة أي تعدٍّ للبلديات بصفتها مسؤولة عن التهيئة الحضرية، بالإضافة إلى قانون البلدية رقم 11ـ10 الذي يمنع أي شخص طبيعي أو معنوي من شغل الرصيف أو الطريق العمومي بدون رخصة. كما يعاقب القانون 01ـ19 المتعلق بتنظيم السير وحماية مستعملي الطرق كل من يعيق حركة المرور أو يعرض المارة للخطر. أما الغرامات المالية فتتراوح بين 5000 و20 ألف دينار جزائري (38.63 دولارًا إلى 154.53 دولارًا)، بالإضافة إلى الحجز الإداري للسلع المعروضة على الأرصفة، وإجراءات الغلق المؤقت أو النهائي للمحل إذا تكررت مثل هذه المخالفات. القوانين موجودة لكن التطبيق غائب، فأغلب البلديات تتساهل في تفعيل القانون أو لا تملك الوسائل الكافية للرقابة اليومية خاصة فيما يتعلق بظاهرة استيلاء الباعة النظاميين على الأرصفة وعرض السلع في الأماكن غير المخصصة للبيع. خلال الجولة الميدانية التي قادت "العربي الجديد" إلى بعض أسواق الجزائر العاصمة، برّر التجار النظاميون استعمال هذا الأسلوب في عرض السلع على الأرصفة بمجموعة من الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تنبع من واقعهم اليومي وتحدياتهم المستمرة. فغالبًا ما تكون الأسواق الرسمية والفضاءات المخصصة للبيع محدودة السعة وغير قادرة على استيعاب جميع التجار الذين يسعون إلى عرض منتجاتهم بشكل قانوني ومنظم، ما يترك العديد منهم بدون مكان ملائم للعرض. هذا النقص في الأماكن الرسمية يدفع الكثير منهم إلى استغلال الأرصفة والمساحات العامة كبدائل مؤقتة أو دائمة لضمان استمرار نشاطهم التجاري. كما تشكل التكاليف المالية التي تفرضها الأسواق الرسمية عبئًا كبيرًا على هؤلاء التجار، حيث تتطلب هذه الأماكن دفع إيجارات ورسوم إدارية قد تكون مرتفعة مقارنة بإمكاناتهم المالية المحدودة. ونتيجة لذلك، فإن البيع على الأرصفة يمثل خيارًا اقتصاديًا أكثر مرونة، إذ يمكنهم عرض بضائعهم دون تحمّل أعباء مالية إضافية تُثقل كاهلهم. ولم ينفِ بعض التجار اعتبارهم الأرصفة أماكن استراتيجية لعرض السلع، حيث تتميز بمرور عدد كبير من المارة يوميًا، مما يعزز فرص الوصول إلى زبائن محتملين وزيادة المبيعات. هذا الموقع القريب من الشارع يتيح للتجار التفاعل المباشر مع الزبائن بطريقة أكثر ديناميكية وفعالية مقارنة بالأسواق التقليدية التي قد تكون محاطة بجدران وقيود تحد من حركة الناس، خاصة بالنسبة للمنتجات التي تُخفض أسعارها في مواسم "التخفيضات". ولا يمكن إغفال، بشكل عام، تأثير الظروف الاقتصادية العامة التي تمر بها البلاد، والتي تتميز بارتفاع معدلات البطالة وتدهور القدرة الشرائية للكثير من المواطنين، ليصبح البيع على الأرصفة بالنسبة للكثير من التجار وسيلة ضرورية للبقاء على "قيد الحياة" والاستمرار في النشاط لتأمين لقمة العيش، خاصة لأولئك الذين لا يملكون بدائل أخرى أو فرص عمل مستقرة، وفق تعبير التجار.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية