
عربي
بعيداً من المقارنات بين الرئيسيَن السوريَّين، الحالي أحمد الشرع والمخلوع بشّار الأسد، في ما يتعلّق بزيارة الشرع موسكو، إلا أن دلالاتها تتجاوز مجرّد العلاقات الشخصية، سواء بين رؤساء الاتحاد السوفييتي وسورية حافظ الأسد، أو بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبشّار الأسد. تبيّن لبوتين بالذات أن من يمسك سورية هو حاجة لروسيا والمياه الدافئة في البحر المتوسط. وأظهر استقباله الشرع الأربعاء الماضي أن موسكو مستعدّة للعمل وفق مبدأ "مات الملك، عاش الملك" بما يتعلّق بسورية. كذلك، تعامل الشرع مع الروس انطلاقاً من مبدأ المصالح المتبادلة، وإن كانت الظرفية العالمية ليست في مصلحة روسيا إطلاقاً، مع تعرّضها لنكسات عسكرية فادحة، بعد استهداف القوات الأوكرانية مصافيها ومنشآتها النفطية.
انتقل بوتين من "التوجّه إلى سورية لمحاربة الجهاديين كي لا يأتوا إلى روسيا"، لتبرير تدخّله العسكري في الأراضي السورية العام 2015، إلى استقبال من كان جهادياً تقاتله روسيا في جبهات إدلب السورية. في الانقلاب الروسي محاولةٌ لاستدراك مصالح مهدورة في أوكرانيا وليبيا وإيران ودول أفريقية عدّة، وذلك عبر العودة إلى الجذور، إلى حيث أرسى تفاهم دمشق وموسكو في 1971، قاعدةً عسكرية بحرية على الساحل السوري للاتحاد السوفييتي، ورثتها روسيا. في المقابل، يفتح الشرع أبواباً مع روسيا، بضوء أخضر عربي وأميركي، متّصلة بالتشابك الاقتصادي والاجتماعي مع الروس. الفراغ الروسي في سورية لا يمكن ملؤه إلا بالروس، طالماً أن هناك أمكنةً محفوظةً للأتراك والأميركيين والعرب.
حتى يستوعب العالم حقيقة ما يحصل، يجوز إدراك أن بعض المصالح لا يمكن تخطّيها أو ملء فراغها سريعاً، بالتالي لا بدّ من طريقة تعاطٍ مختلفة، تسمح في إعادة تشكيل العلاقات، مثلما يحصل بين موسكو ودمشق. هذا ليس تبريراً. سورية الجديدة على سبيل المثال تعترف بسيادة أوكرانيا كاملةً في أراضيها، بما فيها شبه جزيرة القرم، أمّا سورية ـ الأسد فكانت أكثر ميلاً إلى الخضوع للروس وللإيرانيين، بحكم انعدام الشركاء والحلفاء الدوليين، بالتالي كانت قراراتها مطابقة لتوجّهات روسيا من دون أيّ استقلالية فعلية.
لا يعني تلاقي بوتين والشرع أن الأول بقوة ما كان عليه في 2015، ولا أن الثاني معدوم الخيارات، بل يعني حصراً أن الفوضى في العلاقات السورية ـ الروسية، أياً كان الحاكمان في البلدين، تبدو غير منسجمة مع واقع العلاقات التاريخي بينهما. في المقابل، سيزداد بوتين ضعفاً في الفترة المقبلة، ما قد يدفعه إلى اتخاذ خيارات متهوّرة فيما يتعلّق بحربه على أوكرانيا، واستطراداً أوروبا. أمّا الشرع فأمامه تساؤلٌ محدّد: هل سيزور إيران بعد روسيا؟ وإذا فعل ذلك، فعلى أيّ أساس؟ وما انعكاس هذه الزيارة على الفصائل المسلّحة الموالية لإيران في المنطقة، تحديداً حزب الله، الذي ترفض دمشق التواصل معه، بل تواظب على إظهار عملياتها في سبيل وقف تهريب الأسلحة من سورية إلى حزب الله في لبنان، ببيانات رسمية؟
يجوز هنا فهم أن العلاقة بين إيران وسورية مختلفة عن التي بين سورية وروسيا. ما جمع الإيرانيين والسوريين كان عراق صدّام حسين، وليس مفهوماً جيوبوليتيكياً جوهرياً. وأثبتت إيران من خلال وجودها المباشر وعبر حلفائها في الحرب السورية، أنها تعمل على تعميم عقيدتها على السوريين، وأن حربها هناك ذات بعد أيديولوجي متعلّق بها، لا ضمن مبدأ المصالح المباشرة بين طهران ودمشق. وهو ما يجعل الروس أكثر قبولاً لدى الشعب السوري من الإيرانيين. كذلك، فإن أيَّ علاقة سوريّة مع إيران ستستجلب جسّ نبض عدة دول عربية وتركيا، والأهم الولايات المتحدة، الداعم الأساس للشرع وحكومته. حتى الآن، يُمكن فهم زيارة الشرع إلى موسكو أنها محاولة لتحديد مسار العلاقات السورية ـ الروسية مستقبلاً، لكن مع إيران، مثل هذه العلاقة ستكون طرفاً يأخذ ولا يعطي.

أخبار ذات صلة.

تحدّيات لا بد من مواجهتها
العربي الجديد
منذ 19 دقيقة

اللاتواصل في زمن التواصل
العربي الجديد
منذ 20 دقيقة

أيام الجوع العالمية في غزّة والسودان
العربي الجديد
منذ 20 دقيقة