
عربي
في وقت يرتقب المجتمع الدولي جلسة حاسمة في مجلس الأمن، نهاية الشهر الجاري، للتصويت على مشروع قرار يخص تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء "مينورسو"، برز الجمع، تطور لافت في مسار ملف الصحراء الذي عمر نصف قرن، بعد أن أعلن المستشار الخاص للرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية والشرق الأوسطية مسعد بولس أن بلاده تعتزم قريباً افتتاح قنصلية في الصحراء.
وقال بولس، اليوم الجمعة، في مقابلة خاصة على قناة "الشرق" الإخبارية، أن الإدارة الأميركية ماضية في تنفيذ خطوة افتتاح قنصليتها في إقليم الصحراء خلال الولاية الثانية للرئيس دونالد ترامب. وأضاف رداً على سؤال حول استعداد أميركا لافتتاح قنصلية في الصحراء: "أكيد، فهذه الصحراء هي صحراء مغربية وكما نعلم جميعاً، فالرئيس ترامب أكد سيادة المغرب على الصحراء وضرورة التوصل إلى حل دائم لهذا النزاع".
ومع بداية ولايته الثانية في يناير/كانون الثاني الماضي، عادت السياسة الخارجية الأميركية تجاه قضية الصحراء إلى واجهة النقاش في المغرب، حيث أثيرت تساؤلات عدة حول السياسات المحتملة لإدارة ترامب بشأن إحدى أبرز القضايا ذات الأولوية على المستويين الرسمي والشعبي في البلاد. وتركزت التساؤلات حول ما إذا كان ترامب سيحسم خلال ولايته الثانية مسألة فتح القنصلية الأميركية في مدينة الداخلة، كما ورد في المرسوم الرئاسي الذي وقّعه في ديسمبر/كانون الأول 2020، أم أنه سيسير على نهج إدارة الرئيس السابق جو بايدن التي أبقت هذا الالتزام خارج أولوياتها طيلة السنوات الأربع الماضية.
وتعوّل الرباط على الخطوة الأميركية لما لها من آثار سياسية واقتصادية على مستقبل النزاع المستمر منذ نحو نصف قرن، إذ من شأنها تشجيع مزيد من الدول على الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، وتعزيز الاستثمارات الأجنبية في المنطقة، فضلاً عن ترسيخ مكانة المغرب شريكاً موثوقاً للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وفي ضوء ذلك، تراهن السلطات المغربية على الخروج من نهج "اللاحسم" الذي تبنته الإدارة السابقة، وتحويل القنصلية الأميركية في الداخلة من مجرد وجود افتراضي إلى حضور دبلوماسي فعلي، لا سيما في ظل المرحلة الحرجة التي يمر بها الملف، وما يشهده من تنامٍ للدعم الدولي لسيادة المغرب، وارتفاع عدد القنصليات في مدينتي العيون والداخلة.
وفي السياق، رأى الباحث في تاريخ العلاقات الدولية بوبكر أنغير أن إعلان بولس "عزم بلاده فتح قنصلية لها في الأقاليم الجنوبية المغربية له دلالاتين رئيسيتين: أولهما أن واشنطن عازمة كل العزم على إنهاء هذا الصراع المفتعل حول مغربية الصحراء في إطار الرؤية الأميركية الجديدة للرئيس ترامب التي تسعى إلى حل كل الصراعات في العالم"، معتبراً أن ذلك "أمر مشجع جداً للمغرب الذي كسب رهان الموقف الأميركي الداعم للسيادة المغربية والضاغط على الجزائر محتضنة "البوليساريو" للانخراط الجدي والمسؤول في حل قضية الصحراء وفق مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب".
ولفت أنغير إلى أن الدلالة الثانية تكمن في أن "الولايات المتحدة الأميركية تراهن بقوة على الدولة المغربية القوية الموحدة باعتبارها بوابةً للسياسات الأميركية في المجال الدبلوماسي والاقتصادي في القارة الأفريقية خصوصاً دول الساحل والصحراء. وهذا ما يجعل المغرب بلداً مرغوباً فيه ومنسجماً مع السياسة الأميركية الجديدة التي تراهن على أفريقيا الغربية، خصوصاً في إطار المنافسة الأميركية الصينية والروسية على النفوذ في أفريقيا بوصفها قارة المستقبل التي تختزن طاقات خلاقة وموارد كبرى تخدم أهداف وسياسات واشنطن في المستقبل".
من جهته، رأى الخبير في القانون الدولي صبري الحو أن إعلان مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية والشرق الأوسطية يحمل أكثر من دلالة، فهو يؤشر على حقيقة القناعة الأميركية بسيادة المغرب على الصحراء، وتأكيد للقرار السابق للإدارة الأميركية والتزامها يإيجاد حل للنزاع في إطار مبادرة المغرب التي تقضي بمنح الصحراء حكماً ذاتياً. وقال الحو في حديث مع "العربي الجديد": "ما أعلن عنه بولس توجيه صريح وقاطع وواضح بأن الإدارة الأميركية مصممة على تغيير الأمور التي كانت لا تتحرك من قبل، وبأنه آن الأوان لإجراء تغيير جذري وحلحلة الأمور، والتعجيل والإسراع لبلوغ الحل".
واعتبر الحو أن تصريحات مستشار ترامب تؤكد أنه "لا مكان للغموض أو إعادة تفسير أو تقديم تأويلات خاصة، فالإدارة الأميركية واضحة في موقفها ولم تغيره، وأنها تنتقل حالياً إلى ترسيخ قناعتها على أرض الواقع". وتابع موضحاً: "الإدارة الأميركية انتقلت من مجرد الموقف المساند لسيادة المغرب والالتزام بالسعي عبر مفاوضات إلى إيجاد حل للنزاع في إطار المبادرة المغربية للحكم الذاتي، إلى مرحلة تنفيذ وتطبيق قرار اعترافها بمغربية الصحراء وإعطائه الصبغة التنفيذية على أرض الواقع من خلال فتح قنصلية". وقال إن إدارة ترامب "تسعى بخطى حثيثة وسريعة من أجل حل ملف الصحراء، وهو ما يؤكده الشق الثاني من تصريح بولس الذي يعني أنه لا سبيل للتأخير والمماطلة والتسويف في ظل قناعة أميركا الراسخة، وأن أية عراقيل أو عروض أو إغراءات لن تثنيها عن تنفيذ قرار فتح قنصلية في الصحراء".
