
عربي
قد يُشكّل عرضٌ مشتركٌ بقيمة 17 مليار يورو (19.72 مليار دولار) من جانب شركات بويغ تيليكوم (BOUY.PA) وفري وأورنج المملوكة لمجموعة إلياد، للاستحواذ على معظم أصول شركة SFR، ثاني أكبر شركة اتصالات في فرنسا، اختباراً حاسماً لسوق الاتصالات الأوروبية. ورفضت شركة ألتيس، الشركة الأم لـSFR، العرض غير المُلزم، والذي كان سيُؤدي إلى تقليص عدد شركات الاتصالات الفرنسية إلى ثلاث شركات، وفقاً لوكالة رويترز.
ومع ذلك، يسعى مقدّمو العروض إلى إجراء محادثات مع المساهمين، ومن بينهم الملياردير باتريك دراهي، في محاولة لإبرام صفقة. غير أن الجهات التنظيمية لطالما وضعت خطاً أحمر للحفاظ على أربع شركات اتصالات في كل دولة، مقاومةً بذلك ضغوط الاندماج الرامية إلى منافسة الشركات الأميركية والآسيوية الأكثر هيمنة.
ما هي مخاطر هذا العرض؟
فرضت هيئات مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي إجراءات صارمة، وحظرت صفقات الاتصالات التي تُقلّص عدد مشغّلي شبكات الهاتف المحمول من أربعة إلى ثلاثة في سوق دولة واحدة، بهدف حماية المنافسة وتجنّب ارتفاع الأسعار. لكن تقريراً للاتحاد الأوروبي حول القدرة التنافسية، صدر العام الماضي، حثّ الهيئات التنظيمية على تخفيف موقفها المتشدد الذي أدّى إلى تجزئة القطاع، داعياً إلى التركيز على مساعدة الشركات في توسيع نطاق أعمالها ومنافسة نظيراتها الأميركية والصينية. وقد عبّر التقرير عن دعوات أطلقها رؤساء تنفيذيون في قطاعات مختلفة للاتحاد الأوروبي لتسهيل عمليات الاندماج من خلال تقييم الصفقات على المستوى الإقليمي بدلاً من الوطني، مع مراعاة خطط الاستثمار طويلة الأجل.
ومن المرجّح أن تخضع صفقة الاستحواذ على أصول "ألتيس" فرنسا لمراجعة من المفوضية الأوروبية، التي تملك مهلة 25 يوم عمل بعد تقديم الصفقة لإجراء المراجعة الأولية. وقد تمدّد المفوضية المهلة إلى 35 يوم عمل للنظر في الحلول المقترحة أو بناءً على طلب دولة عضو بمعالجة القضية. تحصل معظم عمليات الاندماج على الموافقة، إلا أن المفوضية قد تفتح تحقيقاً مفصّلاً في المرحلة الثانية لمدة تصل إلى 90 يوم عمل إضافيا، وقد تمتد المدة إلى 105 أيام.
وقال يان فريدريك سليكرمان، المحلل في بنك ING لوكالة رويترز، إنّ المفوضية ستركّز على الأرجح على الحفاظ على المنافسة في قطاعات الاتصالات الرئيسية في فرنسا، وضمان بقاء البنية التحتية متاحة للشركات الجديدة. وأضاف محللون في "بيرينبرغ"، أنه في حال التوصل إلى اتفاق، فسيكشف ذلك عن أي تغيّر في تفكير سلطات مكافحة الاحتكار الأوروبية. وستلعب باريس دوراً محورياً في حال إبرام الصفقة، إذ تُعدّ الحكومة الفرنسية أكبر مستثمر في شركة أورنج. وبصفتها عضواً في مجلس إدارة الشركة، يُمكن أن يمتد تأثيرها ليشمل المحادثات التي قد تتركّز على حماية الوظائف والمصلحة الوطنية. وقال وزير المالية رولان ليسكور إنه سيكون "في غاية اليقظة"، لا سيما في ما يتعلّق بالأسعار وجودة الخدمات.
الوضع الحالي لقطاع الاتصالات الفرنسي
تمتلك فرنسا حالياً أربع شركات اتصالات، وتُعدّ "أورنج" الشركة الرائدة في السوق. وهذا يعني أنها لن تتمكن إلا من الاستحواذ على أصغر حصة في شركة SFR، التي تضم نحو 19 مليون مشترك في الهاتف المحمول وأكثر من 6 ملايين مشترك في الألياف الضوئية. وشهد السوق الفرنسي تحولات عديدة، أبرزها عندما استحوذت "فرانس تيليكوم" على "أورنج" نفسها عام 2000. وفي عام 2014، باعت "فيفندي" شركة SFR إلى شركة "Numeri cable"، التابعة لـ"درّاهي"، مقابل 13.4 مليار يورو نقداً إضافة إلى حصة 20% في الكيان المُدمج، لتُشكّل بذلك شركة ألتيس فرنسا، التي تُعدّ اليوم هدفاً للعروض الجديدة.
وقد أتمّت "ألتيس" هذا الشهر عملية إعادة هيكلة ديونها، ما ترك "درّاهي" مسيطرة على 55% من "ألتيس" فرنسا، مقابل 45% للدائنين. في الوقت نفسه، توسّعت "بويغ تيليكوم"، التي تسعى للحصول على أكبر حصة من أعمال "ألتيس"، من خلال استحواذها على شركة La Poste Telecom، مضيفةً نحو 2.3 مليون عميل في عام 2024. أما شركة إلياد، فدخلت السوق الفرنسية عام 2012 تحت علامتها التجارية الاقتصادية Free، ما أثار منافسة شرسة في الأسعار. واقترحت شركات الاتصالات الثلاث الاستحواذ على معظم أنشطة SFR، مع استثناء حصصها في أصول الألياف الضوئية وتلك الموجودة في المقاطعات والمناطق الفرنسية الخارجية.
يأتي هذا العرض في وقتٍ يشهد قطاع الاتصالات الأوروبي تباطؤاً في الاستثمار وضعفاً في الهوامش الربحية نتيجة المنافسة الحادة، وارتفاع تكاليف تطوير شبكات الجيل الخامس والألياف الضوئية. في المقابل، تُسيطر شركات أميركية وآسيوية كبرى على حصة متزايدة من السوق العالمية بفضل الاندماجات الواسعة والنطاق التشغيلي الضخم، ما دفع الأوروبيين إلى إعادة التفكير في صرامة سياسات مكافحة الاحتكار التي حالت دون تكوين كيانات قادرة على المنافسة. وتُقدَّر قيمة سوق الاتصالات في الاتحاد الأوروبي بنحو 1.2 تريليون يورو، إلا أن تشتّت الشركات وضعف العائد على الاستثمار جعلا من الاندماجات وسيلة محتملة لتعزيز الكفاءة وتقليص التكاليف، شرط ألا تؤدي إلى احتكار أو رفع للأسعار على المستهلكين.
تكشف الصفقة المحتملة بين "بويغ" و"أورنج" و"فري"، عن مفترق طرق اقتصادي وتنظيمي في أوروبا؛ فإما أن يواصل الاتحاد الأوروبي تمسّكه بتعدد الشركات الصغيرة لحماية المستهلكين، أو أن يتجه نحو نموذج أكثر مرونة يسمح بتكوين كيانات كبرى قادرة على المنافسة عالمياً. ففي ظل التحولات الرقمية السريعة وسباق الاستثمار في البنية التحتية الذكية، قد يشكّل هذا العرض الفرنسي اختباراً فعلياً لمدى استعداد بروكسل لتحديث سياساتها الاقتصادية بما يتناسب مع المشهد التكنولوجي العالمي الجديد، الذي لا يرحم المتأخرين في الاندماج أو التطور.

أخبار ذات صلة.

تحدّيات لا بد من مواجهتها
العربي الجديد
منذ 20 دقيقة

اللاتواصل في زمن التواصل
العربي الجديد
منذ 21 دقيقة

أيام الجوع العالمية في غزّة والسودان
العربي الجديد
منذ 21 دقيقة