
عربي
تشير أحدث الأرقام الصادرة في بريطانيا إلى أن الاقتصاد قد استأنف نموه ولكن بمعدل متواضع للغاية خلال الربع الثالث من الجاري. وحسب ما أعلنه مكتب الإحصاءات الوطنية فقد سجل الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعا نسبته 0.1% في أغسطس/آب الماضي، معززا بالتعافي في قطاع التصنيع الذي عوض الركود الذي شهده قطاع الخدمات، أكبر مكون في الاقتصاد البريطاني.
وحسب الأرقام فإن الناتج الصناعي كان الأكثر نموا وبنسبة 0.7% في حين بقي قطاع الخدمات دون تغيير للشهر الثاني على التوالي، فيما انكمش قطاع البناء. ورغم انخفاض نسبة النمو المسجلة في أغسطس فإنها تعد تحسنا عن الأداء الاقتصادي في يوليو/تموز الذي سجل انكماشا بنسبة 0.1%. وقد أشار مكتب الإحصاءات إلى أن بيانات النمو الشهرية متقلبة، لكنه أشار إلى أن الشهور الثلاثة المنتهية في أغسطس قد شهدت نموا بنسبة 0.3% وهو ما يعني تحسنا طفيفا مقارنة بالفترة السابقة.
ونقلت "بي بي سي " عن ليز ماكيون، مديرة الإحصاءات في المكتب قولها: "زاد النمو الاقتصادي قليلًا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، بينما ظل نمو قطاع الخدمات مستقرًا، وكان الأثر السلبي للإنتاج أقل من السابق".
أما يائيل سيلفن، كبيرة الاقتصاديين في KPMG المملكة المتحدة، فقالت إن الاقتصاد "عاد إلى النمو في أغسطس، لكن الآفاق لا تزال ضعيفة"، مشيرة إلى أن الأسر تواجه تكاليف أعلى للسلع الأساسية مثل الغذاء، وأن القلق من الزيادات الضريبية المحتملة في الميزانية "من المتوقع أن يثقل كاهل النشاط الاقتصادي لكل من الأسر والشركات".
توقعات متباينة
ويعيش الاقتصاد البريطاني حالة من الركود في أعقاب جائحة كوفيد رغم مراهنة الحكومات المختلفة قبل الجائحة وبعدها على دفعه في مسار النمو المنتظم. وتوقع صندوق النقد الدولي الثلاثاء الماضي أن تعاني بريطانيا من أسرع معدل تضخم بين الاقتصادات الكبرى خلال العامين المقبلين. وقبل ذلك بساعات، أظهرت البيانات ارتفاعًا غير متوقع في معدل البطالة، ما دفع محافظ بنك إنكلترا أندرو بيلي إلى التحذير من أن الاقتصاد يعمل أقل من إمكاناته. وفي الوقت نفسه، حذر العضو الخارجي في لجنة السياسة النقدية آلان تايلور من أن بريطانيا تواجه خطرًا متزايدًا للهبوط الحاد.
وعلق متحدث باسم وزارة الخزانة على الأرقام الصادرة عن مكتب الإحصاءات بالقول: "لقد شهدنا أسرع نمو في مجموعة السبع منذ بداية العام، لكن بالنسبة لكثير من الناس، يبدو اقتصادنا متوقفًا الوزيرة (راتشيل ريفز) مصممة على تغيير ذلك من خلال دعم نمو الأعمال في كل المدن والشوارع الرئيسية، والاستثمار في البنية التحتية، وتقليص القيود البيروقراطية لدفع بريطانيا نحو البناء والإنتاج".
لكن مِل سترايد، وزير الخزانة في حكومة الظل (المحافظين)، قال إن الأرقام الأخيرة "تُظهر أن النمو لا يزال ضعيفًا، وأن ريتشيل ريفز تعترف الآن بأنها سترفع الضرائب مرة أخرى رغم وعودها السابقة".
مخاوف الموازنة
في غضون ذلك قدر، معهد الدراسات المالية IFS في دارسة حديثة نشرها اليوم الخميس أن وزيرة الخزانة تحتاج لزيادة هامشها المالي في الموازنة بمقدار خمسة أضعاف حتى تتمكن من تجنب زيادات ضريبية جديدة أو خفض النفقات خلال السنوات المقبلة. وقالت الدارسة إن ريفز قد تضطر لتوفير نحو 22 مليار جنيه إسترليني (29.4 مليار دولار) في الميزانية التي ستعلنها في السادس والعشرين من الشهر المقبل، فقط لاستعادة الهامش الضئيل البالغ 9.9 مليارات جنيه الذي كانت تملكه في مارس/آذار الماضي. وقد تآكل هذا الهامش الذي كان يوفر للخزانة البريطانية الاقتراض بأسعار ميسرة بسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض والتراجع عن تخفيضات الرعاية الاجتماعية والتوقعات المتشائمة للإنتاجية.
وقالت هيلين ميلر، مديرة المعهد، إن غياب احتياطي مالي أكبر يؤدي إلى عدم استقرار، ويمكن أن يجعل الوزيرة "تنتقل من توقع اقتصادي إلى آخر وهي تترنح". وأضافت: "التحدي الرئيسي هو التأكد من أن ما يشبه يوم الحساب المالي المتكرر لا يتحول إلى طقس نصف سنوي دائم". وأشارت إلى أن الوضع الذي تجد الوزيرة نفسها فيه هو إلى حد كبير من صنعها هي، قائلة: "حين اختارت ريفز تطبيق قواعدها المالية بهامش ضئيل للغاية، كان من الواضح أن أي تغير طفيف في التوقعات الاقتصادية المعتادة يمكن أن يخرجها بسهولة عن مسارها".
وقد شددت ريفز عندما تولت حقيبة الخزانة في حكومة العمال على أن سياساتها ستسير على قاعدتين لن تحيد عنهما، الأولى هي عدم الاقتراض لتمويل الإنفاق العام اليومي بحلول نهاية هذه الدورة البرلمانية والثانية هي خفض نسبة الدين الحكومي إلى الدخل القومي بحلول نهاية هذه الدورة البرلمانية.
وأضافت ميلر أن "الهوس المستمر بمسألة الهامش المالي" يصرف الانتباه عن النقاشات الجوهرية حول كيفية تحفيز النمو الاقتصادي وإصلاح النظام الضريبي.
وخلال تصريحاتها الأخيرة أمس الأربعاء، قدمت ريفز أوضح إشارة حتى الآن إلى أنها تخطط لزيادة الضرائب في الميزانية، وقالت إنها تدرس اتخاذ مزيد من الإجراءات المتعلقة بالإنفاق العام، في محاولة لوضع المالية العامة للمملكة المتحدة على أسس أكثر استقرارًا.
ومن المتوقع على نطاق واسع أن تزيد الوزيرة الضرائب في الميزانية، وذلك بعد صدور توقعات اقتصادية متشائمة وسلسلة من التراجعات عن قرارات خفض الإنفاق الاجتماعي، ما جعل من الصعب عليها الوفاء بقواعدها الخاصة المتعلقة بالضرائب والإنفاق.
