
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من عبدالله العطار:
على وقع مرور اليوم العالمي للصحة النفسية (10 أكتوبر/تشرين الأول)، تتكشف أبعاد أزمة إنسانية صامتة في محافظة مأرب (شرقي اليمن)، التي تحولت على مدى أكثر من عقد من الحرب إلى مأوى لأكبر تجمعات النازحين في اليمن. فإلى جانب الدمار المادي وتحديات النزوح، تعيش المحافظة تحت ضغط نفسي هائل يهدد سلامة ما يزيد عن مليوني نازح والمجتمع المضيف، نتيجة الخوف المستمر، صدمات الفقد، وانعدام الاستقرار.
وتبرز تحديات الصحة النفسية كواحدة من أكثر تداعيات الحرب تعقيداً وإهمالاً، حيث تتعامل الجهات الصحية مع أمراض الجسد والأوبئة، فيما تبقى الأمراض النفسية في الظل. وتشير تقارير المختصين إلى ارتفاع مقلق في حالات الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، لا سيما بين الأطفال والنساء الذين تعرضوا لأقسى أشكال الصدمات بسبب النزوح وفقدان المعيل وتردي الأوضاع المعيشية.
ورغم الجهود التي تبذلها مكاتب الصحة العامة ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية لتحسين خدمات الدعم النفسي، إلا أن تلك الجهود ما تزال محدودة أمام حجم الاحتياج الكبير. فعدد الأخصائيين النفسيين في المحافظة لا يتناسب مع عدد الحالات، كما أن خدمات الرعاية النفسية لا تتوفر إلا في نطاق ضيق داخل المستشفيات العامة أو عبر برامج مؤقتة تنفذها منظمات إنسانية.
35 ألف حالة
وكشف مدير عام مكتب الصحة العامة والسكان بمحافظة مأرب، الدكتور أحمد العبادي، في تصريح خاص لـ “يمن مونيتور”، أن “التقارير الميدانية سجلت نحو 35 ألف حالة نفسية” في المحافظة.
تقدر الأمم المتحدة ومنظمات دولية أن ما يصل إلى 20% من سكان مناطق النزاع في اليمن قد يعانون من اضطرابات نفسية خفيفة إلى متوسطة، وحوالي 3-4% قد يعانون من اضطرابات حادة. وبما أن عدد سكان مأرب يفوق المليونين، فإن رقم الـ 35 ألف حالة المسجلة يمثل “قمة جبل الجليد” ولا يعكس الحجم الحقيقي للاحتياج.
وشدد العبادي على أن هذا الواقع يستوجب تحركاً عاجلاً لتوفير الدعم اللازم للأخصائيين النفسيين والاجتماعيين في المستشفيات والمدارس، إضافة إلى مقترحات استراتيجية تشمل “افتتاح تخصص جامعي للطب النفسي في جامعة إقليم سبأ، وإنشاء مستشفى متخصص يقدم خدمات الرعاية النفسية المتكاملة”.
الحاجة إلى مستشفى وتخصصات
وعلى الرغم من الهدوء النسبي في بعض الفترات، تظل مأرب هدفاً متكرراً للهجمات الباليستية والطائرات المسيرة الحوثية. هذا التهديد المستمر يغذي “اليقظة المفرطة” و”اضطراب ما بعد الصدمة المعقد” لدى السكان، مما يمنع التعافي النفسي ويجعل البيئة غير آمنة ذهنياً.
في السياق ذاته، أكد الطبيب النفسي بمأرب، الدكتور مهيوب المخلافي، لـ”يمن مونيتور” أن الصدمات الناتجة عن الحرب والنزوح “خلفت آثاراً نفسية عميقة”، تتطلب تدخلاً مهنياً متوازناً يركز على الدعم النفسي والاجتماعي.
ودعا المخلافي إلى “نشر ثقافة الوعي النفسي، وتدريب الكوادر المحلية على آليات التدخل في الطوارئ”، مشدداً على ضرورة “مكافحة الوصمة المجتمعية” المرتبطة بالاضطرابات النفسية، لتعزيز التماسك الاجتماعي وقدرة المجتمع على التكيف.
وشدد المخلافي: على أهمية إنشاء أكثر من مستشفى ومركز متخصص بمأرب نظرا لكثافة الحالات فيها.
لا يقتصر الضغط النفسي على الصدمة المباشرة للحرب، بل يتفاقم بسبب التدهور الاقتصادي الحاد. ففقدان سبل العيش، البطالة، وارتفاع الأسعار، تمثل ضغوطاً يومية مستمرة تزيد من مستويات القلق والاكتئاب لدى الأسر، خصوصاً بين فئة المعيلين والأمهات.
عزوف المصابين عن المساعدة
من جهته يشير “عبدالحق”، أحد العاملين في مجال الدعم النفسي الاجتماعي، إلى أن “الاهتمام بالصحة النفسية في مأرب ما يزال ضعيفاً بسبب نقص الوعي المجتمعي وندرة الكوادر المتخصصة”. ويُفاقم من الأزمة عزوف الكثير من المصابين عن طلب المساعدة خوفاً من الوصم، ما يجعل حالاتهم “أكثر تعقيداً بمرور الوقت”.
الإشارة إلى أن مأرب، التي كانت مدينة صغيرة نسبياً، شهدت تضخماً سكانياً هائلاً فاق طاقتها الخدمية بأكثر من 400%، مما أدى إلى ضغط غير مسبوق على البنى التحتية المنهكة (مياه، كهرباء، صحة، تعليم) وهذا الضغط البيئي والخدمي ينعكس مباشرة على الصحة النفسية للسكان.
وفي ظل استمرار التهديدات التي تشكلها الحرب، تبقى الصحة النفسية إحدى الجبهات المنسية، التي لا تقل خطورة عن أي جبهة عسكرية، حيث تمثل سلامة العقل والنفس حجر الزاوية لأي تعافٍ فردي أو مجتمعي مستقبلي واستقرار لليمن.
The post جراح الحرب غير المرئية: 35 ألف حالة نفسية في مأرب شرقي اليمن appeared first on يمن مونيتور.