المرأة الريفية والرقمنة: من العزلة إلى فضاء التمكين والتنمية
تقارير وتحليلات
منذ يوم
مشاركة

تتميز الحياة الريفية في اليمن بطابعها البسيط والمعتمد على الزراعة والرعي والحرف اليدوية، في ظل ضعف الخدمات الأساسية وغياب البنية التحتية الحديثة، ومع ذلك، بدأت ملامح التحول الرقمي تتسلل تدريجيا إلى هذه القرى، عبر انتشار الهواتف الذكية وشبكات الإنترنت؛ مما فتح آفاقا جديدة أمام السكان، خصوصا الشباب والنساء، للتعلم والتواصل والعمل عن بعد.

في اليوم العالمي للمرأة الريفية، تبرز الرقمنة كأحد أهم مسارات التحول التي أعادت تشكيل حياة نساء القرى اليمنيات، وجعلتهن فاعلات في التنمية رغم الأزمات الممتدة منذ سنوات الحرب، فالمرأة الريفية اليمنية، لم تعد تلك التي تكتفي بالمعول وسعف النخيل، بل أصبح العديد منهن يحملن هواتف ذكية متطورة.

تقول “انتصار الفقيه”، رئيسة تنمية المرأة بمحافظة الضالع: “إن الريف اليمني يشهد تحولا رقميا متسارعا خلال السنوات الأخيرة، إذ لم تعد الهواتف وسيلة للتواصل فقط، بل أصبحت نافذة للتعليم، والخدمات، والتجارة، والتمكين الاجتماعي، خصوصا في أوساط الفتيات؛ إذ أتاح لهن فرص التعليم عن بعد وتسويق المنتجات الحرفية والزراعية عبر الإنترنت؛ ما منحهن استقلالية اقتصادية وقدرة على مواجهة القيود الاجتماعية”.


      مواضيع مقترحة

وأوضحت الفقيه خلال حديثها لـ”منصة ريف اليمن”، أن هذا التحول مر بعدة مراحل، بدأت بدخول الهواتف البسيطة التي خففت من عزلة القرى، مرورا بتحسن تغطية شبكات الاتصالات وانتشار الإنترنت، ووصولا إلى استخدام الهواتف الذكية، والتطبيقات التعليمية، والتجارية، والخدمية.

المرأة الريفية والرقمنة: من العزلة إلى فضاء التمكين والتنمية
تبرز الرقمنة كأحد أهم مسارات التحول التي أعادت تشكيل حياة نساء القرى اليمنيات (ريف اليمن)

من العزلة إلى الاتصال

لكنها تشير أيضا إلى وجود تحديات تواجه هذا التحول، منها ضعف البنية التحتية للاتصالات، وارتفاع تكلفة الإنترنت، والأمية الرقمية، بالإضافة إلى المخاوف الثقافية المرتبطة باستخدام الفتيات للتقنية، ومخاطر التعرض للمضايقات الإلكترونية.

وأكدت الفقيه أن التحول الرقمي ليس مجرد اقتناء هاتف ذكي، بل هو عملية تنموية متكاملة، مشددة على أهمية بناء قدرات الفتيات في مجال المهارات الرقمية والسلامة الإلكترونية، وإنشاء مراكز رقمية مجتمعية في القرى، وتطوير تطبيقات محلية تراعي اللغة والثقافة اليمنية، إلى جانب تبني سياسات حماية وتشريعات لمكافحة الجرائم الإلكترونية.

بدورها تقول الإعلامية “سميرة عبداللطيف” إن الريف اليمني ظل لفترة طويلة رمزا للعزلة، سواء كانت عزلة جغرافية تحول دون الوصول إلى الأسواق، أو عزلة معلوماتية تحرم سكانه من الوصول إلى المعرفة والفرص. لكن اليوم غيرت التكنولوجيا هذه المعادلة جذريا؛ إذ لم تفتح الرقمنة آفاقًا جديدة أمام المرأة الريفية فحسب، بل أعادت تعريف دورها الاقتصادي والاجتماعي، وسهّلت عليها الكثير من جوانب الحياة اليومية.


سميرة عبداللطيف: الريف اليمني ظل لفترة طويلة رمزا للعزلة سواء كانت عزلة جغرافية تحول دون الوصول إلى الأسواق، أو عزلة معلوماتية تحرم سكانه من الوصول إلى المعرفة والفرص


وتضيف عبداللطيف خلال حديثها لـ”منصة ريف اليمن”: الإنترنت أصبح بمثابة جسر عبور للمرأة الريفية من سوق القرية المحدود إلى نافذة تجارية مفتوحة على العالم، حيث تحولت الحسابات البسيطة على “إنستغرام” و“فيسبوك” إلى منافذ بيع تتجاوز حدود المحافظات والدول.فالنساء اللواتي كنّ ينتظرن الأسواق الأسبوعية أو تجار الجملة لبيع منتجاتهن من الزيوت أو المنسوجات، أصبحن اليوم يتلقين طلبات شراء من خارج اليمن.

وأشارت إلى أن الأمر لا يقتصر على التسويق فقط، بل يمتد إلى المعرفة والتمكين؛ إذ وفّر الإنترنت للنساء في الريف فرصا للتدريب والتعليم عن بعد لم يكن يحلمن بها من قبل، وتختم بقولها إن التكنولوجيا لم تمنح المرأة الريفية أدوات بيع فحسب، بل منحتها المعرفة والقدرة على التطوير، لتصبح قادرة على تحسين جودة منتجها وتسويقه من منزلها، “وذلك هو التمكين الحقيقي الذي قدمه العالم الرقمي لنساء الريف اليمني”.

تغير العادات

إلى جانب خدمتها للمرأة الريفية، أحدثت الرقمنة نقلة نوعية في أنماط التواصل داخل القرى؛ إذ لم تعد المجالس واللقاءات الأسبوعية هي المصدر الوحيد لتبادل الأخبار، بل انتقلت العلاقات الاجتماعية والتعليم والتسوق إلى الفضاء الرقمي.

ويقول الباحث الاجتماعي “فضل الربيعي” إن تأثير الهواتف الذكية والإنترنت على الحياة الريفية يحمل بُعدين، إيجابيا وسلبيا في آن واحد؛ من حيث الإيجابي أسهمت الهواتف الذكية في تسهيل التواصل بين أفراد الأسر الريفية المشتتة، خصوصا في ظل واقع اجتماعي تتوزع فيه العائلات بين القرى والمدن أو في دول الاغتراب.

أما من الجانب السلبي، فأشار الربيعي إلى أن الاستخدام المفرط أو الخاطئ للتقنيات الرقمية قد يؤدي إلى العزلة الاجتماعية والإدمان الإلكتروني؛ مما ينعكس سلبا على العلاقات الأسرية والتفاعل المجتمعي في البيئة الريفية، ، داعيًا إلى توجيه استخدام التكنولوجيا بما يخدم الترابط الاجتماعي والتنمية، لا أن يبددها.

كما أحدث التحول الرقمي أثراً اقتصادياً ملموساً في الحياة الريفية، حيث بدأت التكنولوجيا تدخل مجالات الزراعة والتجارة المحلية، وساهمت في تحسين الإنتاج والتسويق، واستخدم المزارعون الهواتف الذكية للحصول على معلومات حول الطقس والأسعار والأسمدة، فيما فتح الإنترنت آفاقًا جديدة أمام الشباب والنساء لإطلاق مشاريع منزلية صغيرة، وتسويق منتجاتهم إلكترونيًا.

أثر اقتصادي

ويقول المستشار الاقتصادي في مكتب رئاسة الجمهورية “فارس النجار”، لـ”منصة ريف اليمن” إن الحديث عن مستقبل الاقتصاد الريفي في اليمن لا يمكن أن يتم دون التطرق إلى الدور المتزايد للتكنولوجيا، التي لم تعد مجرد أدوات رفاهية، بل أصبحت وسيلة بقاء في ظل تراجع البنية التحتية وارتفاع تكاليف الإنتاج.

وأوضح أن التحول نحو الطاقة الشمسية في الزراعة يمثل أبرز مظاهر الرقمنة الاقتصادية في الأرياف؛ إذ غيّر من بنية الإنتاج الزراعي بشكل ملموس. وأكد النجار أن هذه التحولات وفّرت على المزارعين ما بين 35% إلى 45% من كلفة التشغيل، وساعدتهم على الاستمرار بالإنتاج رغم أزمات الوقود.

المرأة الريفية والرقمنة: من العزلة إلى فضاء التمكين والتنمية
خلق الانترنت فرص تجارية للنساء لتسويق منتجاتهن من المشاريع الصغيرة

وأضاف أن التكنولوجيا أسهمت أيضًا في خلق فرص اقتصادية جديدة عبر التجارة الرقمية والمشاريع الصغيرة، مستندًا إلى تقرير DataReportal (مارس 2025) الذي أشار إلى وجود 7.29 مليون مستخدم للإنترنت في اليمن بنسبة 17.7% من السكان، بينهم 4.4 مليون مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي.

وبرغم أن النسبة لا تزال منخفضة، إلا أنها فاعلة في المدن والمناطق شبه الحضرية، حيث نشأت مئات المشاريع المنزلية التي تديرها النساء، معتمدات على التسويق الإلكتروني. ووفقًا لتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) لعام 2024، فقد شهدت تلك المشاريع زيادة في المبيعات بأكثر من 30% خلال عام واحد، خاصة في مجالات العسل والبن والمشغولات اليدوية.

وبيّن النجار أن برامج التدريب الرقمي التي نفذتها منظمة SMEPS في محافظات حضرموت وتعز وعدن وفّرت أكثر من 2000 فرصة عمل غير مباشرة في مجالات التسويق الإلكتروني والتغليف والتوصيل المحلي. لكنه في المقابل، أشار إلى تحديات كبيرة تواجه الريفيين في الوصول إلى الأسواق الرقمية، منها ارتفاع تكلفة الإنترنت وضعف سرعته، كما أن انقطاع الكهرباء وضعف الشمول المالي يشكلان عقبات إضافية، حيث لا يمتلك سوى 7% من اليمنيين حسابات مصرفية رسمية.

فجوة كبيرة

ولفت النجار إلى أن نقص المهارات الرقمية يمثل تحديًا آخر، حيث أظهرت دراسة لليونسكو عام 2023 أن 60% من سكان الريف لا يمتلكون المهارات الكافية لاستخدام الأدوات التقنية الحديثة.

وأضاف: “إذا تم توفير الإنترنت بأسعار عادلة، ودُعمت مبادرات التدريب الرقمي، وتم توسيع أنظمة الدفع المحلية، يمكن للتكنولوجيا أن تفتح آفاقًا جديدة لآلاف اليمنيين في القرى، وتحوّل الريف من منطقة استهلاك إلى منطقة إنتاج ونمو اقتصادي حقيقي”.


إنتصار الفقية: الريف اليمني يشهد تحولا رقميا متسارعا خلال السنوات الأخيرة إذ لم تعد الهواتف وسيلة للتواصل فقط بل  نافذة للتعليم والخدمات والتجارة والتمكين الاجتماعي


رغم ما أحدثته الرقمنة من فرص وتغييرات إيجابية في الأرياف اليمنية، إلا أن الطريق لا يزال مليئا بالتحديات والعوائق، فضعف البنية التحتية للاتصالات وانعدام الكهرباء يعرقلان استفادة الريفيين من التكنولوجيا بشكل فعّال.

كما تمثل الأمية الرقمية وغياب برامج التدريب والتأهيل عقبة أمام الكثيرين، خاصة النساء والشباب، في التعامل مع الأدوات الحديثة وإدارة المشاريع عبر الإنترنت، إلى جانب ذلك ما تزال هناك فجوة واضحة بين الريف والمدينة، في الوصول إلى الخدمات الرقمية، ما يجعل فرص التعليم والعمل والابتكار في الريف محدودة مقارنة بالمناطق الحضرية.

وتؤكد الحقوقية إسراء النجار أن الرقمنة في الأرياف اليمنية ما زالت تعاني من فجوة واضحة في العدالة الرقمية بين الريف والمدينة، مؤكدة أن غياب البنية التحتية وضعف التدريب يشكلان حرمانًا من حق أساسي هو الوصول إلى المعرفة.

وأوضحت خلال حديثها لـ”منصة ريف اليمن”، أن الإنترنت لم يعد ترفًا، بل حقًّا من حقوق التنمية، مشيرة إلى أن النساء في القرى أكثر تأثرًا بهذه الفجوة بسبب الأمية الرقمية وغياب المبادرات التي تراعي احتياجاتهن.

وتشير النجار إلى أن النساء في القرى أكثر تضررا بسبب الأمية الرقمية وغياب برامج التدريب، مؤكدة أن تحقيق شمول رقمي حقيقي يتطلب دمج الريف في خطط التحول الرقمي الوطني وتوفير برامج تدريب تراعي الفوارق التعليمية والجغرافية.


* تم إنتاج هذه المادة من قبل منصة ريف اليمن ضمن مشروع سينما الأربعاء بالشراكة مع بيت الصحافة ومؤسسة أرنيادا للتنمية الثقافية.

The post المرأة الريفية والرقمنة: من العزلة إلى فضاء التمكين والتنمية first appeared on ريف اليمن.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية