أسباب السمنة: معركة معقدة بعوامل متداخلة
عربي
منذ 4 أيام
مشاركة
لا تقتصر السمنة على مسألة تناول كميات زائدة من الطعام أو قلة الحركة، كما يُروّج في الخطاب الصحي الشائع، بل هي حالة معقدة تتقاطع فيها عوامل وراثية وبيئية وهرمونية وسلوكية، تجعل فقدان الوزن مسألةً تتجاوز الإرادة الفردية أو الانضباط الشخصي. فخلف كل زيادة في الوزن، هناك شبكة من الأسباب التي تتفاعل داخل الجسم وخارجه، تبدأ من الجينات قبل الولادة وتمتد إلى نمط الحياة الحديث وما يفرضه من إغراءات وضغوط. العوامل الوراثية وما قبل الولادة تُعد العوامل الوراثية من أبرز الأسباب التي تحدد القابلية للإصابة بالسمنة. فالجينات التي يرثها الإنسان عن والديه وأجداده تتحكم في كيفية تخزين الدهون وفي حساسية الجسم لهرمونات الجوع والشبع. وتشير الأبحاث إلى أن الأطفال الذين يعاني آباؤهم أو أجدادهم السمنة أكثر عرضة للإصابة بها بنسبة مضاعفة مقارنة بغيرهم. ولا يتوقف الأمر عند الوراثة المباشرة، بل يمتد إلى مرحلة ما قبل الولادة؛ إذ تؤثر عادات الأم الغذائية ونمط حياتها أثناء الحمل على سلوك الطفل وتكوينه الجسدي في المستقبل. وقد أثبتت الدراسات أن النساء اللواتي يكتسبن وزناً زائداً أثناء الحمل أكثر عرضة لإنجاب أطفال بدينين في سن الثالثة، ما يربط بين صحة الأم الجسدية والعاطفية وبين صحة أطفالها لاحقاً. طريقة الولادة والرضاعة وتأثيرهما على الوزن تلعب طريقة الولادة والرضاعة دوراً طويلاً في تشكيل الجسم. فقد وجدت الدراسات أن الأطفال المولودين بعملية قيصرية، وكذلك الذين يعتمدون على الحليب الصناعي، أكثر عرضة لزيادة الوزن في مراحل لاحقة من حياتهم. ويُعتقد أن السبب يعود إلى اختلاف بكتيريا الأمعاء بين المجموعتين، إذ تلعب هذه البكتيريا دوراً مهماً في تنظيم عملية الأيض وتخزين الدهون. هرمونات الجوع على المستوى الهرموني، تلعب هرمونات الجوع والشبع دوراً محورياً في تنظيم الشهية. فالشعور بالجوع ليس ضعف إرادة، بل استجابة بيولوجية يتحكم فيها الدماغ. فعندما نتناول الطعام، يُفرز مركز المكافأة في الدماغ مادة الدوبامين التي تمنح إحساساً مؤقتاً بالسعادة. وتزيد الأطعمة السريعة الغنية بالدهون والسكريات من إفراز هذه المادة، فتخلق حلقة مفرغة من الرغبة المتكررة في تناولها. هذا النمط يشبه الإدمان، إذ يسعى الدماغ إلى تكرار اللذة التي سببتها الوجبة السابقة، ما يجعل مقاومة هذه الرغبة أمراً بالغ الصعوبة. سوء التثقيف الغذائي وخطر الإعلانات ولا يقلّ سوء التثقيف الغذائي خطراً عن العوامل البيولوجية. فالأطفال والمراهقون يتعرضون يومياً لسيل من الإعلانات التي تروّج الوجبات السريعة والمشروبات الغازية وتربطها بالنجاح والمتعة، في حين تغيب التربية الغذائية عن المدارس. وقد أثبتت التجارب أن تعليم الأطفال منذ الصغر مبادئ التغذية السليمة، مثل اختيار الأطعمة الطبيعية وتجنب الأغذية المعالجة، يساهم بفاعلية في الحد من السمنة لاحقاً. مقاومة اللبتين يُعد هرمون اللبتين أحد المفاتيح الأساسية في تنظيم الشهية، فهو الهرمون المسؤول عن إرسال إشارات الشبع إلى الدماغ. لكن الأشخاص المصابين بالسمنة يعانون ما يسمى "مقاومة اللبتين"، إذ يفقد الدماغ قدرته على الاستجابة له، فيظن الجسم أنه جائع رغم وفرة الطاقة داخله. يؤدي ذلك إلى زيادة الشهية وتفاقم تخزين الدهون في دورة يصعب كسرها من دون تدخل طبي. بكتيريا الأمعاء: لاعب غير مرئي تُظهر الأبحاث الحديثة أن بكتيريا الأمعاء أو "الميكروبيوم" تسهم في إدارة الوزن وتنظيم المناعة. وقد تبين أن تركيبة هذه البكتيريا تختلف لدى الأشخاص البدينين عنها لدى أصحاب الوزن الطبيعي. فبعض الأنواع البكتيرية لدى المصابين بالسمنة أكثر كفاءة في استخراج الطاقة من الطعام، ما يؤدي إلى تخزين مزيد من الدهون حتى عند تناول الكمية الغذائية نفسها. البيئة الحديثة والضوء الاصطناعي تؤثر البيئة المحيطة على الوزن بطرق غير مباشرة. ففي كثير من المناطق، يصعب الحصول على الطعام الصحي بسبب نقص المتاجر أو ارتفاع الأسعار، فيلجأ الناس إلى الأغذية السريعة. كما أن التعرض المستمر للضوء الصناعي ليلاً من الأجهزة والشاشات يربك الساعة البيولوجية للجسم ويؤثر على عملية الأيض، ما يزيد من احتمالات السمنة واضطراب النوم. الأدوية والحالات الطبية تؤدي بعض الأدوية مثل مضادات الاكتئاب وأدوية السكري والذهان إلى زيادة الوزن بسبب تحفيز الشهية أو إبطاء الأيض. كذلك تؤدي حالات طبية مثل قصور الغدة الدرقية ومتلازمة تكيس المبايض واضطرابات النوم إلى خلل في التوازن الهرموني واحتباس الدهون.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية