
عربي
مع تراجع القدرة الشرائية للمواطنين السوريين وارتفاع مستويات التضخم بشكل غير مسبوق، يواجه الاقتصاد السوري تحديات وجودية تتطلب بحثاً عاجلاً عن شراكات واستثمارات خارجية. في هذا السياق، تأتي زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى موسكو لتعيد الملف الاقتصادي إلى صدارة الأجندة، وسط توقعات بأن تسفر اللقاءات مع المسؤولين الروس عن صفقات استثمارية جديدة ومشاريع إعادة إعمار ضخمة.
أكدت التجربة أن اقتصادات الدول التي تعاني من أزمات مماثلة، تسعى إلى التحالفات الاستراتيجية مع شركاء دوليين، وهو ما قد يوفر دفعة مالية وتكنولوجية ضرورية لتعزيز الإنتاج المحلي وتحسين مؤشرات النمو، لكن في الوقت ذاته تحمل هذه التحالفات مخاطر التبعية والضغط السياسي. وعلى مدى العقدين الماضيين، حافظت سورية وروسيا على شراكة اقتصادية متنامية، حيث كانت روسيا من أبرز الداعمين لنظام الأسد المخلوع. وتأتي زيارة الشرع الحالية لموسكو في سياق نهج جديد لتعزيز التعاون القائم واستكشاف فرص جديدة للاستثمار الروسي في مرحلة إعادة الإعمار الاقتصادية لسورية.
تفاؤل أم مخاوف من زيارة الشرع لروسيا
يرى الخبير الاقتصادي الدكتور زياد عربش أن زيارة الشرع تشكل فرصة لإعادة دمج سورية في الاقتصاد الدولي عبر روسيا. وقال عربش لـ" العربي الجديد"، إن "روسيا تمتلك قدرة تمويلية كبيرة وعلاقات دولية واسعة، وهذا يعني أن الاتفاقيات المحتملة قد توفر تمويلات لمشاريع إعادة الإعمار، خصوصاً في البنى التحتية والطاقة، التي تحتاج إلى استثمارات عاجلة".
وأضاف أن تدفق الاستثمارات الروسية قد يساهم في استقرار سعر الصرف وتحفيز النمو الصناعي والزراعي وخلق فرص عمل جديدة، وبالتالي تحسين المستوى المعيشي للطبقة الوسطى، وأشار إلى أن الأرقام قد تعكس هذا التفاؤل إذا نجحت الاتفاقيات الروسية، حيث "يمكن توقع زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة تراوح بين 15% و20% خلال السنة الأولى، وخفض معدل التضخم السنوي بمقدار ما بين خمس وسبع نقاط مئوية، وتحقيق نمو اقتصادي يراوح بين 3% و4% في الناتج المحلي الإجمالي".
في المقابل، يرى الاقتصادي مالك عبد القادر أن الاعتماد على موسكو يحمل مخاطر عميقة قد تفاقم تعقيدات الاقتصاد السوري. وأوضح الخبير الاقتصادي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التمويل والاستثمارات الروسية غالباً ما تأتي ضمن شروط سياسية محددة، وقد تركز على مشاريع استراتيجية كبيرة، بينما تُترك القطاعات الصغيرة والمتوسطة في وضع هش دون دعم حقيقي".
وحذر عبد القادر من أن أي اعتماد مفرط على روسيا قد يؤدي إلى تبعية اقتصادية طويلة الأمد، ويقلل قدرة الحكومة السورية على اتخاذ قرارات مالية مستقلة، مشيرًا إلى أن التأثير على التضخم قد يكون محدودًا، وربما لا يتجاوز خفضاً طفيفًا بمقدار ما بين نقطتين وثلاث نقاط مئوية، بينما يبقى النمو الاقتصادي ضعيفًا عند ما بين 1% و2%، مع استمرار البطالة في مستويات مرتفعة، خصوصًا بين الشباب والخريجين الجدد.
وتحمل زيارة الشرع لموسكو تأثيراً متفاوتاً على مختلف القطاعات الاقتصادية في سورية، ففي قطاع الطاقة والنقل من المتوقع أن تستفيد المشاريع الكبرى من التمويل الروسي، مثل إعادة تأهيل محطات الكهرباء وشبكات النقل، ما قد يعزز قدرة الصناعة والخدمات على العمل بكفاءة أكبر. في المقابل، تواجه الزراعة والصناعات الصغيرة تحديات أكبر، إذ إن التمويل الروسي غالباً ما يركز على المشاريع الاستراتيجية الكبيرة، تاركاً القطاعات الصغيرة والمتوسطة في وضع هش دون دعم ملموس، وهو ما قد يزيد الفجوة الاقتصادية ويحد من قدرة الاقتصاد على تحقيق نمو شامل ومستدام.
أما مشاريع إعادة الإعمار الكبرى، فهي على الأرجح ستستفيد مباشرة من التمويل الروسي، لكنها قد تظل بعيدة عن تحسين معيشة المواطنين بشكل ملموس إذا لم تصاحبها برامج لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي تمثل النواة الحقيقية للنمو الاقتصادي المحلي وخلق فرص العمل.
