
عربي
أعلن مركز الأبحاث التابع للبرلمان الإيراني أنّ معدل النمو الاقتصادي للبلاد خلال النصف الأول من العام الإيراني الجاري في الفترة من مارس/آذار حتى سبتمبر/أيلول 2025، بلغ سالب 0.3%، ما يعكس تراجعًا حادًا مقارنة بالعام السابق. وأوضح المركز في تقريره أنّ أبرز العوامل التي أدّت إلى هذا الانخفاض الحاد تتمثل في اختلال ميزان الطاقة، والعقوبات الاقتصادية، وخروج رؤوس الأموال، وارتفاع معدلات التضخم، والتسعير القسري الحكومي.
ويبدأ العام المالي في إيران في 21 مارس/آذار من كل عام وينتهي في 20 مارس من العام التالي. وأشار التقرير إلى أنّ تحقيق معدّل النمو المستهدف في البرنامج السابع للتنمية يتطلب تمويلا بنحو 8 آلاف تريليون تومان (نحو 72 مليار دولار حسب سعر الصرف في السوق الموازي)، مؤكدا أن تقديرات الموارد المتاحة لا تتجاوز 5.3 آلاف تريليون تومان (نحو 50 مليار دولار)، ما يشكّل عجزًا ماليًا يبلغ أكثر من 20 مليارا.
وصرح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان العام الماضي، بأن بلوغ نسبة النمو الاقتصادي المستهدفة عند 8% يستلزم استثمارات تتراوح بين 200 و250 مليار دولار، مشيرا إلى أنّ ما تملكه البلاد من موارد لا يتعدّى 100 مليار دولار، ما يعني الحاجة إلى 100 مليار دولار إضافية من الاستثمارات الأجنبية لتحقيق الهدف المنشود. وتطرّق تقرير مركز الأبحاث أيضًا إلى العجز في الموازنة العامة، مبينا أنّ وزارة الاقتصاد في حكومة بزشكيان اقترحت حلولًا منها زيادة رؤوس أموال الشركات، والطرح الأولي للأسهم، والاستفادة من أدوات جديدة كسندات الدين، إضافة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، لكنه أكد أن فرص تنفيذ هذه الحلول "محدودة وغير واقعية".
وأشار التقرير، إلى قيام الترويكا الأوروبية فرنسا وبريطانيا وألمانيا خلال الشهر الماضي بتفعيل آلية الزناد في الاتفاق النووي لإعادة فرض عقوبات مجلس الأمن الدولي على إيران الأمر الذي يُنذر بمزيد من التدهور في أداء الاقتصاد الإيراني خلال النصف الثاني من العام. كان مركز الإحصاء الإيراني قد أعلن أنّ النمو الاقتصادي المسجّل في العام الماضي بلغ 3.1%، وهو ما يظلّ بعيدًا جدًا عن نسبة النمو المستهدفة في برنامج التنمية السابع (8%)، مشيرا إلى أنّ الجزء الأكبر من النمو خلال العام الماضي جاء نتيجة ارتفاع إنتاج النفط بنسبة 6% وزيادة الصادرات النفطية.
وأعلن المركز أن الاقتصاد الإيراني نما في الربع الأول من العام المالي الحالي بنسبة سالب 0.1%. أما صندوق النقد الدولي فقد توقّع في أحدث تقرير سنوي له، دخول الاقتصاد الإيراني في مرحلة تراجع مطول حتى عام 2029، فيما أشار البنك الدولي إلى أن معدل التضخم في إيران سيتجاوز 50% بنهاية العام المقبل، وأنّ حجم الاقتصاد الإيراني سيواصل الانكماش. وبحسب التقرير الجديد للبنك الدولي، جاءت مؤشرات الاقتصاد الإيراني أكثر تشاؤمًا مقارنة بالتقارير السابقة، ووصفت الآفاق المقبلة بأنها ركود مصحوب بتضخم مرتفع واستمرار ضغط العقوبات.
وقدر البنك الدولي نمو الاقتصاد الإيراني في العام الماضي بنسبة 3.7%، محذرًا من تقلّصه في العامين الحالي والمقبل ليبلغ، وفق التقديرات الجديدة، سالب 1.7% خلال العام الحالي، وسالب 2.8% في العام المقبل، بعد أن كانت تقديرات التقرير السابق تشير إلى نمو إيجابي محدود 1.6% و0.6% على التوالي.
وعزا البنك الدولي أسباب الركود إلى انخفاض صادرات النفط، وتراجع النشاطات غير النفطية، وعودة عقوبات الأمم المتحدة، مؤكدا أنّ إيران باعتبارها أكبر اقتصاد بين الدول النامية المصدّرة للنفط إلى جانب الجزائر والعراق وليبيا تُشكّل أكثر من نصف إنتاج هذه المجموعة، وكانت العامل الرئيسي وراء انخفاض نموها الإجمالي.
كما أكّد التقرير أنه خلافا لمعظم دول المنطقة التي تشهد تراجعًا في معدلات التضخم، فإن التضخم في إيران ارتفع من 35.8% عند نهاية العام المنصرم إلى أكثر من 40% خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الإيراني الحالي، مرجعا ذلك إلى انخفاض قيمة الريال الإيراني على خلفية التوترات الأخيرة، وتصاعد التوقعات التضخمية، وتمويل عجز الموازنة عبر التوسّع النقدي. وفي التقديرات النهائية، توقّع البنك الدولي أن تصل نسبة التضخم إلى 49% في نهاية العام الحالي في 20 مارس/آذار المقبل، وأن تبلغ مستوى 56% بحلول نهاية العام الإيراني المقبل 2026-2027، في ظلّ تراجع مستمر في القدرة الشرائية وازدياد الغموض حول مستقبل الاقتصاد الإيراني.
وذكرت صحيفة "دنياي اقتصاد" الإيرانية في عددها الصادر اليوم الأربعاء، أنّ عوامل انكماش الاقتصاد الإيراني لا تقتصر فقط على الضغوط الخارجية مثل العقوبات الدولية وتراجع الصادرات النفطية، بل تمتد إلى أسباب داخلية بنيوية كان لها أثر بالغ في تفاقم الأزمة الاقتصادية. وقالت الصحيفة إن ضعف الإدارة داخل الهيكل الاقتصادي الإيراني هو أحد أهم أسباب النمو السلبي، مشيرة إلى أن سوء الإدارة هذا يظهر على مستويات مختلفة من صنع القرار، والتنفيذ، والرقابة.
وأضافت الصحيفة أن غياب البرامج المستهدفة طويلة الأمد، واعتماد قرارات مترددة ومؤقتة، وانعدام التنسيق بين المؤسسات الاقتصادية، كلّ ذلك أدّى إلى حالة من الارتباك الهيكلي، بحيث لم تُستثمر القدرات الداخلية للبلاد بصورة صحيحة، وانحرف الاقتصاد عن مساره الطبيعي. وبحسب ما نقلته "دنياي اقتصاد"، فإنّ الضعف في الحوكمة الاقتصادية يمثّل عاملًا إضافيًا في استمرار الركود، إذ يعيش الاقتصاد الإيراني ضمن إطارٍ مغلقٍ تهيمن عليه الدولة، في ظلّ غياب استقلالية الأجهزة الرقابية وتداخل الصلاحيات بين المؤسسات التنفيذية وانعدام تقييم الأداء العام، ما أدّى إلى تنفيذ سياسات اقتصادية "دون أساسٍ علمي ومن دون رقابةٍ فعالة".
وأشارت الصحيفة، وهي أكبر صحيفة اقتصادية في القطاع الخاص الإيراني، إلى أنّ الخروج من الركود الاقتصادي يتطلّب التحول من التركيز الحصري على العوامل الخارجية إلى تنفيذ إصلاحات داخلية شاملة، تبدأ من إعادة بناء البنية الإدارية والهيكل المؤسسي وتمرّ عبر تحسين الحوكمة الاقتصادية ومكافحة الفساد وتشجيع الاستثمارات الإنتاجية، معتبرة أنّ هذه الخطوات وحدها يمكن أن تضع الاقتصاد الإيراني على طريق التعافي المستدام.
