المرأة الريفية اليمنية نواة الصمود وصناعة الحياة
تقارير وتحليلات
منذ يوم
مشاركة

مع فجر كل يوم جديد، تخرج نبيلة قاسم (37 عاما) من بيتها الواقعة في منطقة الصرم التابعة لمديرية المسراخ، جنوبي تعز، محملة على رأسها عدد من الجوالين الصغيرة المخصصة لتعبئة الماء، وأخرى على ظهر حمار اشترتها لتعينها على نقل الماء، قبل أن تبدأ نهارها الطويل في مزرعتها الصغيرة.

الأرض التي كانت يوما قاحلة تحولت إلى مصدر حياة بفضل جهدها وإصرارها المتواصل رغم التعب والمشقة، تعد نبيلة مثالا لآلاف النساء الريفيات اللواتي يصنعن الحياة من قلب الأزمات، ويواجهن الجفاف والحرب والفقر بما تبقى لهن من عزيمة.

مع حلول اليوم العالمي للمرأة الريفية الذي يصادف 15 أكتوبر من كل عام، تتجدد الدعوات إلى ضرورة دعم النساء الريفيات، وتعزيز البرامج التعليمية والتدريبية التي تتيح لهن فرصا أوسع للمشاركة في الاقتصاد المحلي، فالمرأة الريفية ليست مجرد عاملة في الحقل، بل عمود الحياة في المجتمعات الريفية، لكن تلك الدعوات سرعان ما تغيب ولا يحدث لها أثر.


     مواضيع مقترحة

تقول نبيلة وهي أم لأربعة أطفال:” استيقظ مع ساعات الفجر الأولى، وأقوم بتجهيز الطعام لأولادي حتى لا يتأخروا عن موعد الذهاب للمدرسة، وبعدها أتوجه إلى بئر القرية، وأقوم بجلب الماء الذي يكفينا لمدة يوم كامل، وتضيف لـ “منصة ريف اليمن:” أحمل جزءا من دباب الماء (جوالين صغيرة) فوق رأسي وفي يدي، والجزء الآخر على ظهر الحمار”.

معركة يومية للبقاء

بعد عودتها من جلب الماء، تبدأ نبيلة رحلة جديدة من المعاناة، إذ تتوجه نحو الوادي لرعي ثلاثة رؤوس من الأغنام اشترتها لتعينها على صعوبات الحياة، بالإضافة للعمل داخل الأرض التي يملكها زوجها، من خلال جمع الحشائش وإصلاح التربة وغيرها من الأعمال المتعلقة بالزراعة”.

لم تعد الزراعة في الأرياف اليمنية مجرد مهنة، بل معركة بقاء يومية تخوضها النساء في الحقول، حيث تؤكد تقارير البنك الدولي أن النساء يشكلن نحو 95٪ من القوى العاملة الزراعية في البلاد، وأكثر من 90% في الثروة الحيوانية ويقمن بأدوار متعددة تشمل الزراعة، والرعي، وإدارة المياه، وحفر القنوات، وتحسين أنظمة الري.

خلال السنوات الماضية، نفذت الحكومة اليمنية بالتعاون مع منظمات دولية، منها البنك الدولي ومنظمة الفاو، برنامج “الاستجابة الطارئة للأزمة”، الذي ساعد النساء على تعلم تقنيات الري الموفرة للمياه، والزراعة المقاومة للتغير المناخي. كانت هذه الخطوات بمثابة بصيص أمل في بيئة ينهشها الجفاف والتصحر، لكنها لم تكن كافية لتغطية احتياجات آلاف الأسر الريفية التي تقودها النساء.


تجبر الكثير من الفتيات على ترك التعليم مبكرا في الأرياف اليمنية  إما بسبب الفقر أو بعد المدارس أو العادات والتقاليد المجتمعية


رغم هذه المبادرات، تبقى المرأة الريفية اليمنية محاطة بجملة من التحديات اليومية التي تجعل حياتها شديدة القسوة، كما أن نقص المياه وانقطاعها المستمر يشكل عبئا إضافيا، حيث تقع على عاتق النساء مهمة جلب الماء من مسافات بعيدة، إلى جانب أعمال الطبخ والزراعة ورعاية الأطفال.

بعد عودتها قبل الظهيرة، تبدأ نبيلة عمل جديد من خلال تجهيز وجبة الغداء، ومذاكرة الدروس لأولادها، تقول:” درست إلى ثامن ابتدائي، لكنني أحاول أن اذاكر لهم الدروس التي أستطيع فهمها، والمواد الصعبة كالرياضيات والفيزياء وغيرها تبقى دون مذاكرة، لا يوجد لنا حل آخر، خاصة مع تراجع جودة التعليم”.

أنوار تضيئ عتمة الريف

تجبر الكثير من الفتيات على ترك التعليم مبكرا في الأرياف اليمنية  إما بسبب الفقر أو بعد المدارس أو العادات والتقاليد المجتمعية، مما يقلل من فرصهن في الحصول على مهارات مهنية جديدة أو المشاركة في مشاريع التنمية، ويزيد من ذلك الضغط الاجتماعي الذي يقيد حركتهن أو يحبط مبادراتهن بحجة العادات والتقاليد.

قصة نبيلة ليست استثناء، فهناك مئات القصص المضيئة في عتمة الريف، في قرية رحبان، التابعة لمديرية خدير، تحولت حياة أم محمد إلى معاناة بعد وفاة زوجها، لكنها بدأت رحلة كفاح طويلة، تتمثل في تربية أبناءها والعمل على توفير لقمة عيش كريمة لهم. وتقول:” تركني زوجي وحيدة بعد وفاته، لدى خمس أولاد، اثنان منهم مصابون بمرض فقر الدم، حاولت أن أتغلب على صعوبات الحياة، قمت ببيع ذهب كنت امتلكه واشتريت مكينة خياطة وسجلت ضمن دورات لتعليم الخياطة”.

تضيف لـ “منصة ريف اليمن: “بدأت العمل وعند البداية كان العمل متحركا، والنساء قمن بتشجيعي لكن العمل تراجع والحركة قلت نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة للمواطنين، فاضطريت لشراء بقرة وعدد من الأغنام، وحاليا أقوم برعايتها مع العمل في الوادي، وتؤكد:”نحن نقاوم لكننا لم ننكسر”.

بحسب استطلاع أجرته منصة “WINDAP”، أشار أكثر من 92٪ من المشاركين إلى أن النساء اليمنيات يسهمن بشكل فعال في تمكين الاقتصاد المحلي، من خلال خلق فرص عمل وتقليل البطالة وتحسين معيشة أسرهن.

رغم هذه الأرقام الإيجابية، تبقى العقبات كثيرة، فالوصول إلى التمويل يمثل تحديا كبيرا، كما أن وعورة الطرق الريفية وبعدها عن مراكز المدن يجعل من عملية التسويق عبئا إضافيا يزيد من كلفة الإنتاج ويضاف إلى ذلك ضعف البنية التحتية ما يجعل الاستدامة في المشاريع أمراً بالغ الصعوبة، كما أن العادات والتقاليد تعد من العوائق أيضا، إذ تواجه كثير من النساء نظرة مجتمعية تقلل من شأن العمل النسوي خارج المنزل، مما يحد من مشاركتهن.

رئيسه مؤسسة خطوات للتنمية أنيسة اليوسفي قالت إن المرأة الريفية في اليمن تواجه واقعا صعبا لا يختلف كثيرا عن نظيرتها في المدينة، إذ إن الخدمات في كلا البيئتين تكاد تكون معدومة، مؤكدة أن انهيار التعليم يمثل السبب الجوهري لتراجع وضع المرأة.

وأضافت خلال حديثها لـ”منصة ريف اليمن” قائلة: “طالما أن التعليم منهار، فإن المرأة الريفية لن تحصل على حقوقها، لأن غياب الوعي والدورات والفعاليات التي تنشر التثقيف في الريف يؤدي إلى انهيار منظومة القيم بأكملها، مؤكدة أن المرأة الريفية تعاني من الظلم وحرمان الحقوق والمواريث والإقصاء في مختلف المجالات.

رعاية وتمكين

مشيرة إلى أن المرأة الريفية تتحمل أعباء جسيمة داخل المنزل وخارجه، حيث تعمل في الحقل وتعد الطعام وتربي الأطفال وتوفر المياه تعمل كآلة لا تتوقف دون أي دعم أو تقدير ودون أن تنال أبسط حقوقها، لكن أكدت أن  التعليم هو المفتاح الحقيقي لتمكين المرأة الريفية، لافتة إلى أن كثيرا من الفتيات في الأرياف يحرمن من مواصلة تعليمهن بعد المرحلة الابتدائية، بينما لا يسمح للبعض حتى بالالتحاق بالمدرسة، وإن حرمت الفتاة من التعليم، حرمت من الوعي والمعرفة بحقوقها، وبالتالي من القدرة على الدفاع عنها”.


داليا محمد: واجب الدولة أن تنظر إلى المرأة الريفية كشريك أساسي في المجتمع فهي تتحمل مسؤوليات كبيرة جدا، في ظل ظروف صعبة وانعدام كثير من الخدمات


كما تناولت الناشطة المجتمعية الوضع الصحي قائلة إن الجهل وغياب التوعية الصحية يتسببان في فقدان كثير من النساء والفتيات حياتهن نتيجة أمراض بسيطة يمكن علاجها لو وجدت الرعاية الصحية اللازمة أو التوعية الكافية، واختتمت بالتأكيد على أن المرأة المتعلمة الواعية قادرة على النهوض بنفسها ومجتمعها، سواء كانت تعمل في الزراعة أو في أي مجال آخر، موضحة أن التعليم والتمكين يوفران للمرأة الأدوات والأساليب التي تجعلها أكثر إنتاجًا وإبداعا.

في حين أكدت الناشطة الحقوقية داليا محمد، أن من واجب الدولة أن تنظر إلى المرأة الريفية كشريك أساسي في المجتمع وليس كمجرد فئة مهمشة، فالمرأة الريفية في اليمن تتحمل مسؤوليات كبيرة جدا، في ظل ظروف صعبة وانعدام كثير من الخدمات.

ودعت محمد خلال حديثها لـ “منصة ريف اليمن”، الحكومة إلى أن تضمن للمرأة الريفية حقوقها الأساسية في التعليم، والصحة، والمشاركة الاقتصادية، وأن توفر بيئة آمنة تساعدها على العيش بكرامة، وتشرك في اللجان المحلية واتخاذ القرار على مستوى القرى والمديريات، لأنها الأعرف باحتياجات مجتمعها، مؤكدة أن تخفيف معاناة المرأة الريفية لن يتحقق بالمساعدات المؤقتة، بل من خلال سياسات عادلة وتنمية مستدامة تضعها في قلب الخطط الحكومية.

The post المرأة الريفية اليمنية نواة الصمود وصناعة الحياة first appeared on ريف اليمن.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية