كيف كافحت المرأة الريفية في اليمن لأجل العيش؟
تقارير وتحليلات
منذ يوم
مشاركة

في بلدٍ أنهكته حربٌ مستمرة منذ أكثر من عقد، وتحوّل فيه تأمين المعيشة معركة يومية في ظل تبدّد فرص العمل، وتتهاوى الخدمات الأساسية، لم تنكسر إرادة المرأة اليمنية، بل أعادت صياغة حضورها لتصبح في كثير من الأحيان عماد الأسرة وسندها الأول، وفاعلة في المجتمع المحلي بالعمل.

ومن رحم قسوة الحرب ولدت محاولات شجاعة، حيت اتجهت النساء في المناطق الريفية إلى الأرض للزراعة وتربية الماشية، والبعض منهن انخرطن في مشاريع وأعمال صغيرة متواضعة، مثل الخياطة وصناعة منتجات تغليفية وحرفية بسيطة، وفتحن المحلات لتتحول تلك الجهود الصغيرة إلى جدار يحمي أسرهن من السقوط الكامل في هوة الحاجة.

وخلال السنوات الماضية أخذت هذه المحاولات في التبلور على شكل مبادرات فردية وأخرى جماعية، ظهرت في محافظات عدة، ولم تكن مجرد أعمال للرزق، بل رسائل مقاومة هادئة في وجه واقع ثقيل، ودليلاً حيّاً على أن النساء، رغم كل الانكسارات التي شملت الجميع، قادرات على الوقوف والبقاء في وجه أزمات معقدة، ومتداخلة ومتراكمة منذ ما قبل الصراع.


        مواضيع ذات صلة

وبالتزامن مع اليوم العالمي للمرأة الريفية، نبرز كيف صنعت النساء في اليمن فارقاً في المشاريع الصغيرة، التي وفرت سبل العيش وتحقيق الاكتفاء الذاتي، والاعتماد على الذات في توليد الدخل، على الرغم من التحديات.

مبادرات مزدوجة للنساء

في واحدة من أكثر مناطق اليمن هشاشة، مديرية القبيطة بمحافظة لحج، عملت عشرات النساء في مبادرة غير مألوفة؛ تقوم بتصنيع منتجات تعمل بالطاقة الشمسية، في مسعى لتأمين دخل ثابت، وتحسين أوضاع أسرهن وتوفير موارد قيّمة لمجتمعاتهن في مهمة مزدوجة توفر مصدراً معيشياً للنساء، وتوفر خدمة للمجتمع.

وتدعم الطاقة الشمسية النساء لتعزيز سبل عيشهن وتوفير موارد قيّمة لمجتمعاتهن، حيث تم تدريب 175 امرأة على استخدام وتجميع وتسويق منتجات الطاقة الشمسية، مثل الفوانيس والأفران الشمسية، مع توفير إرشادات عملية ودعم مالي وعيني لإنشاء مشاريع دخل خاصة بهن؛ وفق تقرير البرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة في اليمن.

وأشار في تقرير له إلى أنه تم إنتاج نحو 3000 فانوس شمسي و18000 فرن شمسي، تم توزيعها على الأسر المحتاجة، بما في ذلك أسر النازحين داخلياً، مؤكدة أن أثر هذا المشروع لا يقتصر على تلبية الاحتياجات الفورية للطاقة فحسب، بل يمتد أيضاً إلى تعزيز الاقتصادات المحلية المستدامة.

وقالت أماني، إحدى المبادرات: “منحت فرصة عمل وأصبحتُ أمتلك الآن مهارات أستطيع استخدامها لإعالة نفسي ومساعدة الآخرين في منطقتي”، مشيرة إلى أن ذلك “سيُحسّن حياة الأسر المحتاجة في المجتمع المحلي”.

نساء يعملن على إنتاج الأدوات الشمسية في مديرية القبطية – لحج (UNDP)

بدورها تعتزم “رندة”، استغلال المعرفة  لبناء مشروعها الخاص، ورأت أن هذا “لا يعود بالنفع عليّها وعلى عائلتها فحسب، بل يوفر أيضاً منتجات طاقة شمسية آمنة وبأسعار معقولة في مديرية القبيطة وخارجها.

وتُبرز المبادرة -وفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي- تركيزها على الاستدامة والشمولية على المدى الطويل، إذ تُعزّز قدرة النساء، وتُرسي الأساس لمجتمعات أكثر اعتماداً على الذات.

وفي مديرية القطن بمحافظة حضرموت، انطلقت تجربة مشابهة ضمن ذات المشروع. “دلال” -إحدى المتدربات- قالت إنها تعلمت فهم كيفية بدء مشروع من الصفر وتحسين الدخل. وقالت: “يحتاج سوق العمل في اليمن بشدة إلى مثل هذه المبادرات لمعالجة صعوباتنا المعيشية، مثل الدخل المحدود”.

كما اعتبرت “مريم”، أن مشروع الطاقة الشمسية يهدف إلى “حماية البيئة والحد من معاناة الناس خلال فترة نقص الغاز من خلال الترويج للطاقة الشمسية المتجددة، وهو يُحسّن حياة الجميع هنا”، بدورها قالت سارة: “لقد تبنى مجتمعنا هذه المنتجات لأنها صديقة للبيئة وآمنة للاستخدام”.

وفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي “حصلت نحو 375 امرأة على تدريبات متقدمة في تقنيات الطاقة الشمسية ومهارات ريادة الأعمال، وتمكنت بعضهن من إنشاء مشاريع صغيرة لإنتاج وتسويق المنتجات الشمسية، كما جرى توزيع آلاف الفوانيس والأفران على الأسر المحتاجة، بما عزز الأمن الطاقي وخفّض الاعتماد على الوقود التقليدي”.

نساء الريف

“بالنسبة للنساء في ريف اليمن، لا يعد الحصول على الطاقة مسألة ممتلكات منزلية فحسب، بل يتجاوز ذلك كونه تعبيرا عن الكرامة والأمان، وصوتًا مسموعًا في مستقبل مجتمعاتهن”. وفق تقرير الأمم المتحدة.

تواجه المرأة في اليمن محدودية العبء اليومي الناجم عن انعدام الطاقة، يفتقر أكثر من 70% من سكان اليمن إلى كهرباء دائمة، مما يجبر النساء بصفتهن الأكثر تضررا من الفقر على قضاء ساعات في جمع الوقود، وهي معاناة مضاعفة.

عن التحديات التي تواجهها النساء، قالت “بشرى سلامة”، رئيسة جمعية المرأة للتنمية في حضرموت “تواجه النساء عوائق كبيرة في مجال الطاقة المتجددة، وتحتاج المجتمعات الريفية إلى مزيد من الوعي بالإمكانيات التي توفرها الطاقة الشمسية بالحصول على الطاقة والدخل معاً”.

وتواجه اليمن أزمة كهرباء مزمنة تفاقمت مع الصراع المستمر منذ أكثر من 11 عاماً؛ ما جعل معظم السكان في مختلف المحافظات محرومين من هذه الخدمة الأساسية التي يفترض على الجهات المعنية أن توفرها.

وحتى في المناطق الحضرية التي ما تزال تتوفر فيها الكهرباء، فإن تكلفتها باتت تزيد بأكثر من 25 ضعفاً عمّا كانت عليه قبل الحرب، الأمر الذي دفع كثيراً من الأسر إلى الاعتماد على الألواح الشمسية المستوردة من الخارج، ومع ذلك، يظل سكان المناطق النائية يواجهون هذه الأزمة بصورة مستدامة دون حلول عملية تلبي احتياجاتهم لاسيما في ظل ضعف قدرتهم الشرائية.

واقع الأزمة الإنسانية

وتشير بيانات رسمية وأخرى تابعة للأمم المتحدة، إلى أن الحرب المستمرة منذ أكثر من عشر سنوات أدت إلى أزمة اقتصادية خانقة انعكست على مختلف المؤشرات التنموية والمعيشية، حيث ارتفعت معدلات البطالة إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل اندلاع الصراع، لتصل إلى نحو 35 في المائة مقارنة بـ14 في المائة سابقاً، فيما فقد مئات آلاف العمال وظائفهم نتيجة توقف الأنشطة الإنتاجية وانكماش الاقتصاد، حسب ما سبق ونشرته صحيفة الشرق الأوسط.

وذكرت تقارير حكومية أن ما يقرب من 66 في المائة من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، في وقت تجاوزت فيه نسبة الفقر 78 إلى 80 في المائة من إجمالي السكان البالغ عددهم 32.6 مليون نسمة، يشكّل الشباب نحو 70 في المائة منهم، ما يجعل هذه الفئة أمام مستقبل غامض، وخيارات شبه مسدودة.

وأوضحت البيانات أن الاقتصاد اليمني انكمش بنحو 50 في المائة من الناتج المحلي، وتراجعت الإيرادات العامة، وارتفعت المديونية الخارجية، في حين وصلت نسبة التضخم إلى نحو 40 في المائة، وفق الصحيفة.

وتزامن ذلك مع تفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي التي طالت نحو 60 في المائة من السكان، فضلاً عن نزوح أكثر من 4.3 إلى 4.5 مليون شخص داخلياً، يفتقر معظمهم إلى الخدمات الأساسية.

وتتكبد المرأة الريفية في اليمن العناء الأكبر في ظل الأزمة الإنسانية في البلاد وانعدام الأمن الغذائي، وتتحمل مشاق كبيرة في توفير المياه والعمل بالزراعة، وتتفاقم معاناتها بالنزوح المستمر، لكنها في ذات الوقت تمثل قوة ملهمة في الكفاح والحفاظ على تماسك أسرتها وخدمة المجتمع بتفاني.

The post كيف كافحت المرأة الريفية في اليمن لأجل العيش؟ first appeared on ريف اليمن.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية