
عربي
في عام 2000، زار وفد صحافي جزائري تل أبيب بدعوة من جمعية متوسطية للسلام، وبرعاية من وزارة الخارجية الإسرائيلية. فوجئ الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، وكان وزيراً للاتصال، بالخطوة، ووصفها الرئيس في ذلك الحين عبد العزيز بوتفليقة بالخيانة. وكانت الزيارة اختباراً سياسياً مبكراً من طرف خارجي، ومخاتلة من جانب تيار في الداخل، يعلن عن نفسه بين الحين والآخر، كلما سمحت الظروف بذلك، للدفع نحو مسارات فيها شيء من التطبيع، تحت عنوان "البراغماتية"، التي تستدعيها تحولات العلاقات الدولية والواقعية السياسية، وبشعار "لسنا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين".
هذه المرة، وجدت الأطراف ذاتها معززة بساحة افتراضية منفلتة وسهلة التوظيف، إلى جانب تيار يتمركز في بعض الزوايا الداكنة والضاغطة، التي تتيح له التأثير في توجيه الرأي العام، في تصريح رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خليل الحية في إعلانه وقف إطلاق النار، الذي لم يأت على ذكر الجزائر ضمن الدول التي قدم لها الشكر لمشاركتها في الوساطة، فرصةً لضخ واستدعاء محمول سياسي لا يتوجه رأساً نحو القول بالتطبيع، لكنه يحاول تدريجياً الدفع إلى تطوير عكسي للموقف الجزائري، يبدأ بزحزحة تدريجية ووضع مسافة إزاء القضية الفلسطينية.
لا يبدو الفاعل المشتغل على هذا المنحى مستعجلاً للمسألة، وفي ذهنه تجارب مع دول أخرى، فهو يفهم طبيعة الحالة الجزائرية المنتفخة تاريخياً، ويدرك أن تفكيك هذا الموقف المتصلب، يحتاج إلى بعض الوقت. لقد جرت في وقت سابق إثارة جدل حول علاقة الجزائر بالسلطة الفلسطينية، عند كل إعلان عن إيفاء الجزائر بالتزاماتها المالية أو تأدية أقساط في إطار الحصص العربية لدعم السلطة، بغض النظر عن كل التحفظات القائمة عن خيارات سلطة محمود عباس. ومنذ فترة، بدأ يُسمع حديث وتساؤلات من قبيل ماذا استفادت الجزائر من موقفها المبدئي والثابت من القضية الفلسطينية؟ وإلى متى تبقى الجزائر، على قاعدة هذا الموقف، تخسر بعض المصالح الاقتصادية والسياسية.
هذه حلقة من حلقات تالية، إذ أثير لاحقاً ضمن المنظور نفسه، نقاش حول جدوى مقاطعة الرياضيين الجزائريين للرياضيين الإسرائيليين في المنافسات الرياضية، ثم حملة تشكيك في جهود جمعية البركة الخيرية الجزائرية في قطاع غزة. ولم تكد تلك الحملة تتوقف حتى صنفت واشنطن الجمعية على لوائح دعم الإرهاب. الرابط بين كل هذه الوقائع هو تحويل كل الفعاليات ذات الصلة بفلسطين إلى حقل ألغام، وتشكيل ضغط على الدولة الجزائرية، للقيام بخطوة إلى الوراء بما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بيد أن هذه المخاتلة تأكل مفرداتها وتدور في حلقة مفرغة. الرئيس الشاذلي بن جديد (1978-1992)، قال: "لو أردنا أن نحقق للجزائر مكاسب من خلال موقف لفعلنا وكنا قادرين، وكانت هناك محاولات، لكن موقف الجزائر لا يتساوم بالأموال، وهو موقف شهداء". وقبله، قال الرئيس هواري بومدين: "لسنا من الشعوب التي تقدم الخبز على الكرامة".
