
في قرية عقاقة بمديرية صبر الموادم بمحافظة تعز، يقف “عبدالرحمن ناجي” في دكانه (متجر صغير) الذي لا تتجاوز مساحته بضعة أمتار، لبيع الاحتياجات الأساسية لسكان قريته، إذ ساهم في تخفيف مشقة السفر إلى أسواق المدينة التي تبعد مسافات طويلة وتكلف أجور نقل مضاعفة.
يواجه سكان القرى الريفية صعوبات كبيرة في توفير الاحتياجات الأساسية؛ بسبب انعدام المحلات التجارية في القرى وبعد المسافة إلى المدينة، لا سيما النساء اللواتي يتكبدنَ معاناة مضاعفة، خصوصاً في المناسبات والأعياد حين تصبح الحاجة إلى شراء الملابس والأدوات المنزلية أمرًا لا يمكن تأجيله.
معاناة السكان هي التي دفعت بعض الأشخاص إلى افتتاح محلات تجارية في القرى، ووسط هذا الواقع، بدأت تتفتَّح قصص نجاح صغيرة، صنعت فرقًا ملموسًا، وخلقت اقتصادًا محليًا يزدهر رغم التحديات.
مواضيع مقترحة
-
دواوين الأرياف.. كيف سلبت الهواتف روحها الاجتماعية؟
-
أسعار السلع في الأرياف: إستغلال وارتفاع غير مبرر
-
تراكم النفايات.. كارثة بيئية وصحية تهدد سكان الأرياف
في البداية، لم يكن ناجي يملك سوى غرفة خشبية بجوار منزله ورأس مال متواضع لم يتجاوز 300 ألف ريال يمني (ما يعادل نحو 180 دولارا أمريكيا) لكنه بدأ ببيع الأساسيات من الأرز والسكر والزيت والدقيق، دون أن يتوقع أن يتحول متجره بعد سنوات قليلة إلى شريان حياة يغذي قريته.
شريان حياة
يقول إنه كان يبيع لِقُرابة 20 إلى 30 زبونًا يوميًا، لكن مع أول موسم دراسي أضاف أدوات بسيطة للطلاب، فارتفع الإقبال تدريجيًا. جاء التحول الأكبر مع أول عيد فطر بعد افتتاح متجره، إذ كان الأهالي يعانون من مشقة السفر إلى تعز لشراء الملابس.
ويضيف لـ “منصة ريف اليمن”: “تمكنت من جلب كمية محدودة من الملابس والأحذية من أحد تجار المدينة، لكن المفاجأة أن البضاعة نفدت خلال أسبوع، فقررتُ أن أجعل من متجري وجهة موسمية للأهالي في الأعياد”.
أسهمت المحلات الصغيرة الريفية في تخفيف معاناة المواطنين، وتقليل الاعتماد على أسواق المدن الرئيسية، وخلقت نوعًا من الاكتفاء الجزئي الذي انعكس على حياة مئات الأسر
ورغم الإقبال يواجه عبدالرحمن تحديات النقل التي تكلف مبالغ كبيرة، نتيجة وعورة الطرق في القرى اليمنية، إذ يشكل افتقار سكان الريف لشبكة الطرق تحديا كبيرا لتنمية المجتمعات هناك وتحسين ظروف الحياة.
بحسب دراسة نشرتها مبادرة إعادة تصور اقتصاد اليمن، لم تُعبّد إلا ٣٧٤٤ كم من الطرق الريفية حتى الوقت الحالي، وهذا لا يمثل سوى ٦.٤ في المائة من إجمالي شبكة الطرق و ٢١.٦ في المائة من إجمالي الطرق المُعبّدة.
تقول أم أحمد، إحدى نساء قرية عقاقة في صبر: “كنتُ أضطر للسفر إلى مدينة تعز قبل العيد بأيام، أتنقَّل في المواصلات مع أولادي لأشتري لهم ملابس العيد، وكنا نتعب كثيرًا”. وأكدت لـ “منصة ريف اليمن” أن المتجر “سهَّل علينا الكثير، حتى لو كانت الأسعار أعلى قليلًا من السوق؛ المهم أننا نرتاح ونجد ما نحتاجه قريبًا من بيوتنا”.
خدمات متنوعة
مع مرور الوقت، كوّن عبدالرحمن شبكة علاقات مع ثلاثة تجار جملة في تعز، يزوّدونه بالبضائع أسبوعيًا عبر سيارات النقل الصغيرة و توسّع متجره ليضم قسمًا للمواد الغذائية، وآخر للملابس والأحذية، وزاوية للأدوات المنزلية والتجميل، وأصبح عدد زبائنه يصل إلى 100 شخص يوميًا، ووفّر فرص عمل لشقيقه الأصغر واثنين من شباب القرية.
بحسب عبدالرحمن فإن أكثر من 70% من أسر القرية تعتمد على متجره بشكل شبه كامل، إذ ساعدهم على توفير 40% من تكاليف المواصلات الشهرية، وخفف عنهم مشقة السفر إلى المدينة لا سيما في المناسبات. ويضيف عبدالرحمن بابتسامة: “كنتُ أظن أني أفتتح مجرد بقالة عادية، لكني اكتشفت لاحقًا أني أُساهم في بناء حياة جديدة لقريتي”.
غياب الرقابة على متاجر الأرياف جعل سكان الأرياف يواجهون زيادات سعرية غير مبررة على كافة المواد الأساسية أنهكت مصادر دخلهم المحدودة، وضاعفت معاناتهم اليومية
وفي قرية الأصابح بمديرية الشماتيين افتتح أحد الشباب متجرًا صغيرًا للمواد الغذائية، ومع الوقت أضاف أدوات مدرسية وزاوية للألبسة. كذلك منطقة جبل حبشي، تحوّل متجر أسرة بسيطة إلى وجهة رئيسية للنساء لشراء مستلزمات المنازل الأساسية.
تجدر الإشارة إلى أن المحلات الصغيرة رغم بساطتها، أسهمت في تقليل الاعتماد على أسواق المدن الرئيسية، وخلقت نوعًا من الاكتفاء الجزئي الذي انعكس على حياة مئات الأسر، لكن سكان الأرياف يواجهون زيادات سعرية غير مبررة على كافة المواد الأساسية تنهك مصادر دخلهم المحدودة، وتضاعف معاناتهم اليومية.
اقتصاد ريفي
ويصف الخبير الاقتصادي الدكتور “سامي الشرعبي” ظاهرة المتاجر الريفية بأنها اقتصاد ظل إيجابي، موضحاً أن “ما يحدث في الأرياف بتعز هو مثال واضح على قدرة المجتمعات على التكيف، هذه المتاجر الصغيرة ليست مجرد مبادرات فردية، بل هي منظومة اقتصادية موازية تخفف من حدة الفقر والبطالة”.
وأوضح الشرعبي لـ “منصة ريف اليمن” أن هذه المتاجر تُعيد توزيع الحركة التجارية من المدن إلى القرى. مشيرًا إلى أنه إذا تم دعمها رسميًا وتوفير قروض صغيرة لأصحابها، فإنها قد تتحول إلى مشاريع متوسطة تخلق فرص عمل وتبني اقتصادًا ريفيًا متماسكًا.
وتقدر “حنان الشريف”، وهي موظفة في مكتب وزارة الصناعة والتجارة قسم المشاريع الصغيرة في محافظة تعز أن السنوات الأخيرة شهدت زيادة بنسبة 35% في عدد المتاجر الصغيرة بالأرياف، خاصة بعد الحرب وتراجع القدرة على التنقل. وبحسب الشريف تغطي هذه المتاجر تقريبا ما نسبته 60% من احتياجات الأسر الريفية الأساسية، كما أنها أسهمت في تقليص حجم الإنفاق الأسري على المواصلات بما يقارب 30 إلى 40% شهريًا.
The post دَكاكين الأرياف.. شريان حياة للسكان first appeared on ريف اليمن.