
عربي
تتصاعد الضغوط الأوروبية على شركة إنديتكس، المالكة لعلامة الأزياء الشهيرة "زارا"، في ظلّ حملة نقابية متزايدة تدعوها إلى إنهاء أنشطتها التجارية في إسرائيل بسبب حربها على غزة. وتأتي هذه الدعوات في لحظة حساسة تشهد فيها الشركات متعددة الجنسيات تدقيقًا غير مسبوق في مسؤولياتها الأخلاقية والاجتماعية، خصوصًا تجاه القضايا الإنسانية التي تشغل الرأي العام العالمي.
فمنذ اندلاع الحرب في غزة، تواجه الشركات الغربية الكبرى تحديات تتعلق بمواقفها من الصراع، وسط تنامي مطالب المجتمعات المدنية في أوروبا بمحاسبة المؤسسات التي تُواصل تعاملاتها التجارية مع إسرائيل. وتشير التحركات النقابية الأخيرة إلى تزاوج متزايد بين البعد الإنساني والسياسي والاقتصادي في الضغط على الشركات العابرة للحدود، إذ لم يعد الحياد خيارًا مقبولًا في الأسواق التي تتفاعل بعمق مع الرأي العام الرقمي والإعلامي.
في هذا السياق، حثّ مجلس العمال الأوروبي (EWC)، الذي يمثل موظفي شركة إنديتكس – الشركة الأم لعلامات الأزياء الكبرى مثل "زارا"، و"بول آند بير"، و"ماسيمو دوتي"، و"بيرشكا"، وغيرها – الشركة على إلغاء اتفاقيات الامتياز الخاصة بها في إسرائيل استجابةً للأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة، وفقًا لتقارير إعلامية إسبانية. تأتي هذه الدعوة عقب بيان مشترك صدر في أواخر سبتمبر/ أيلول عن الاتحاد الأوروبي لنقابات العمال (ETUC) وعدد من الاتحادات العمالية الأوروبية الأخرى بعد اجتماع مع السفير الفلسطيني في بروكسل. وفي بيانها، جددت النقابات دعوتها للاتحاد الأوروبي لاتخاذ "إجراءات أكثر حسمًا" تجاه ما يجري في غزة.
وفي رسالة وُجهت إلى مقرّ شركة "إنديتكس"، ردّد الاتحاد الأوروبي لعمال التجزئة الموقف نفسه، مطالبًا الشركة بإنهاء علاقاتها التجارية مع شركائها الإسرائيليين في الامتياز. وردًا على استفسار من صحيفة إيكونوميا ديجيتال غاليسيا الإسبانية، أفاد الاتحاد بأنه ينتظر حاليًا ردًا رسميًا من عملاق الأزياء الإسباني. وبحسب بيانات "إنديتكس"، فإن الشركة كانت تُدير 82 متجرًا في إسرائيل حتى نهاية عام 2024، جميعها تعمل بموجب اتفاقيات امتياز.
نقل موقع "واي نت غلوبال" البيان الرسمي الذي جاء فيه: "في ضوء الوضع الإنساني الكارثي في غزّة، ينضمّ الاتحاد الأوروبي لعمّال غزة إلى البيان المشترك الصادر عن الاتحاد الأوروبي للنقابات العمالية والاتحادات النقابية الأوروبية بتاريخ 24 سبتمبر، ويدعم مختلف الإجراءات التي تتخذها النقابات التابعة له على المستوى الوطني دعمًا للشعب الفلسطيني".
وفي تصريح لصحيفة إيكونوميا ديجيتال غاليسيا، قال خوليو ألغازار، رئيس اتحاد عمّال غزة الأوروبي، إن شركة "إنديتكس" أكدت إحالة الطلب إلى إدارتها العليا، إلا أن المجلس لم يتلقَّ أي رد حتى الآن. وأضاف متحدّث باسم الاتحاد موضحًا: "لقد أوضحنا موقفنا بجلاء: يجب على الشركة قطع علاقاتها التجارية مع أصحاب الامتياز في إسرائيل. يمكنها فسخ العقود – صحيح أن ذلك سيكلّفها ماليًا – لكن من واجبها الأخلاقي القيام بذلك."
وتُعدّ إنديتكس واحدة من أكبر مجموعات الأزياء في العالم، إذ تمتلك علامات تجارية كبرى مثل "زارا"، و"ماسيمو دوتي"، و"بول آند بير"، و"بيرشكا"، وتدير شبكة ضخمة من المتاجر في أكثر من 200 سوق حول العالم. ووفقًا لبياناتها المالية الأخيرة، حققت الشركة إيرادات تجاوزت 36 مليار يورو في عام 2024، مع توسع استراتيجي في الأسواق الناشئة التي تمثل نحو 35% من مبيعاتها.
لكن وجودها في إسرائيل – من خلال 82 متجرًا تعمل بنظام الامتياز التجاري (Franchise) – بات مصدر قلق متزايد داخل الأوساط النقابية الأوروبية، التي ترى في استمرار النشاط التجاري هناك تناقضًا مع مبادئ المسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR)، خصوصًا في ظلّ ما تصفه الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بـ"الوضع الإنساني الكارثي في غزة".
ودعوات الانسحاب من إسرائيل تمثل اختبارًا لمعادلة حساسة تجمع بين السمعة العالمية والعوائد التجارية. فالانسحاب قد يوجّه رسالة قوية للرأي العام الأوروبي، لكنه في الوقت ذاته يهدّد بعواقب مالية وقانونية نتيجة فسخ عقود الامتياز. كما أن خطوة مماثلة قد تشجّع شركات أزياء أخرى على إعادة تقييم وجودها في الأسواق المرتبطة بالصراعات الجيوسياسية، مما قد يفتح نقاشًا أوسع حول العلاقة بين الأخلاق والأرباح في الاقتصاد العالمي.
وتشير التحليلات إلى أن الضغوط النقابية تأتي أيضًا في إطار سياق أوروبي أوسع، حيث تتزايد الدعوات لمراجعة علاقات الاتحاد الأوروبي التجارية مع إسرائيل. وقد لعبت النقابات العمالية دورًا متقدمًا في هذا الاتجاه، بعد لقائها بالسفير الفلسطيني في بروكسل في سبتمبر/أيلول الماضي، وهو ما أسفر عن بيان مشترك دعا إلى "إجراءات أكثر حسمًا" من مؤسسات الاتحاد الأوروبي تجاه الحرب على غزة.
تضع هذه التطورات شركة "إنديتكس" أمام مفترق طرق حساس بين الربح والمسؤولية. فبينما تسعى للحفاظ على مصالحها التجارية وشبكة امتيازاتها العالمية، تواجه ضغطًا أخلاقيًا متزايدًا من النقابات والشارع الأوروبي المطالب بمواقف أكثر وضوحًا من الشركات الكبرى إزاء النزاعات الإنسانية. وفي حال رضخت الشركة لهذه الضغوط، فقد يشكّل القرار سابقة عالمية في التزام الشركات متعددة الجنسيات بمبادئ العدالة الاجتماعية في سياساتها التجارية، ويعيد رسم ملامح العلاقة بين الرأسمالية الأوروبية وحقوق الإنسان في ساحات النزاع.
