
عربي
عمّت أجواء الفرح مجمّع ناصر الطبي في مدينة خانيونس، جنوبي قطاع غزة، مع وصول أكثر من 1700 أسير فلسطيني محرّر، بعد الإفراج عنهم من سجون الاحتلال في إطار صفقة تبادل الأسرى بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيّز التنفيذ يوم الجمعة الماضي. وعلى جانبَي الطريق المؤدّي إلى المستشفى، تجمّع مئات الفلسطينيين وراحوا يهتفون بالحرية للأسرى، فيما كانت الحافلات التي تقلّ المحرّرين تمرّ بين المتجمهرين.
ووصلت إلى مجمّع ناصر الطبي 38 حافلة على متنها الأسرى الذين سبق أن اعتقلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي من مناطق مختلفة من قطاع غزة، وذلك منذ بدايات الحرب عليه في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وبالتزامن، راح مقاومون يطلقون الرصاص في الهواء ابتهاجاً بوصول الأسرى المحرّرين من سجون الاحتلال، في حين حمل الأهالي المشاركون في عملية الاستقبال الأعلام الفلسطينية وأعلام عدد من فصائل المقاومة الفلسطينية.
ووسط الفرحة الغامرة، انفجر كثيرون، من الأسرى المحرّرين والأهالي، بالبكاء فور اللقاء. فقد غاب هؤلاء الأسرى عن عائلاتهم مدداً تخطّت العام ونصف العام، ومن البديهي أن تأتي لحظة التلاقي على هذه الحال، لا سيّما وسط الظروف الصعبة والأليمة التي عصفت بقطاع غزة وبالأسرى أنفسهم.
إلى جانب ذلك، بدت الأوضاع الصحية لعدد كبير من الأسرى الفلسطينيين صعبة من جرّاء الاعتداءات الإسرائيلية التي تعرّضوا لها، وظروف الاحتجاز غير الإنسانية؛ هم عانوا من تنكيل مستمرّ طوال فترة احتجازهم، فيما غابت الرعاية الصحية اللازمة، الأمر الذي أدّى إلى تدهور صحتهم. كذلك فقد كثيرون من هؤلاء الأسرى كيلوغرامات عديدة من أوزانهم بسبب حرمانهم من الطعام الكافي في خلال فترة اعتقالهم.
وقد نقلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عدداً من الأسرى إلى مجمّع ناصر الطبي، وقد بُترت أطراف لهم في سجون الاحتلال، من دون أن تعلم عائلاتهم بما حلّ بهم، وبالتالي بدا هؤلاء أنّهم في حاجة إلى رعاية صحية عاجلة. كذلك عجز عشرات من الأسرى المحرّرين عن الوقوف على أقدامهم، وذلك ليس بسبب خسارتهم أعضاء، فراحت الطواقم الصحية تساعدهم لدخول المستشفى من أجل الخضوع لفحوصات طبية لازمة قبل أن تصطحبهم عائلاتهم.
ومن بين المشاهد الأكثر تأثيراً في محيط مجمّع ناصر الطبي بمدينة خانيونس، مفاجأة عائلات عدّة بوصول أبنائها من ضمن المفرج عنهم في إطار الصفقة الأخيرة، وذلك بعدما كانت قد وصلت إليها أنباء في السابق تفيد باستشهادهم. يُذكر أنّ تلك العائلات كانت قد أقامت بيوت عزاء لأبنائها الذين ما زالوا على قيد الحياة.
الفلسطيني محمد العمور من بين الذين شاركوا في استقبال الأسرى المحرّرين، فقد أُفرج عن أحد أبناء عمومته، ومن جهته، حرص على أن يكون اليوم باكراً في ساحة مجمّع ناصر الطبي من أجل استقباله. وأشار لـ"العربي الجديد" إلى أنّ ابن عمّه فقد عدداً من أهله خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، وهو معتقل في سجون الاحتلال منذ أكثر من عام، مؤكداً أنّ "لحظة الاستقبال من أصعب المشاهد وسط غياب أفراد العائلة".
وكانت الهيئات الحكومية المعنية في قطاع غزة قد أعدّت التجهيزات لاستقبال الأسرى المحرّرين في ساحة مجمّع ناصر الطبي بمدينة خانيونس الجنوبية، حيث تجمّعت عائلاتهم منذ صباح اليوم. وراحت الأمهات تُطلق الزغاريد حيناً، فيما يعلو التصفيق أحياناً أخرى. فعلى الرغم من المعاناة الكبيرة وآلام الفقد التي تسبّبت فيها حرب الإبادة الإسرائيلية على مدى أكثر من عامَين، يأتي تحرير الأسرى ليمنح الفلسطينيين في قطاع غزة لحظات من الفرح الحقيقي.
عند الظهر، وصل 96 أسيراً محرّراً من الذين صدرت بحقّهم أحكام بالمؤبّد وأخرى بسنوات طويلة، بحسب ما نقلت وكالة الأناضول، بعدما أفرجت عنهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي من سجن عوفر إلى قصر رام الله الثقافي في الضفة الغربية المحتلة، في حين نُقل آخرون من سجن النقب إلى قطاع غزة، بالتنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وذلك في إطار المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. ووفقاً لما أفادت به مؤسسات فلسطينية معنيّة بشؤون الأسرى، فإنّ على قوائم الاحتلال الإسرائيلي 250 أسيراً فلسطينياً محكومين بالسجن المؤبّد، من بينهم 154 تقرّر إبعادهم إلى خارج الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس المحتلة، إلى جانب 1,718 آخرين اعتقلتهم قوات الاحتلال من قطاع غزة بعد الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وصباح اليوم، في الموقع المخصّص لاستقبال الأسرى المحرّرين في جنوب قطاع غزة، كانت والدة الأسير يوسف الناعوق تجلس منتظرة بشوق الإفراج عن ابنها الذي اعتقلته القوات الإسرائيلية قبل نحو عامَين. وقالت لوكالة الأناضول: "اعتقلوا يوسف وعمره 25 عاماً، فيما يبلغ عمره اليوم 27 عاماً"، معبّرةً عن شعورها بفرحة كبيرة إزاء خروجه من السجون الإسرائيلية. وتقرّ: "أشعر بفرحة وتوتّر كبيرَين"، معبّرةً عن أملها بالإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين الذين لم يشملهم اتفاق وقف إطلاق النار، فيما تمنّت انتهاء الحرب بالكامل وبلا رجعة.
في ساحة مجمّع ناصر الطبي، كانت والدة الأسير خليل شقفة تنتظره. وبعدما أطلقت زغاريدها ابتهاجاً بالإفراج عن ابنها، أكدت: "أشعر بفرحة كبيرة لخروج الأسرى". أضافت لوكالة الأناضول: "بهذه الخطوة، غاب الوجع وغاب الجوع (...) وكلّ ما عشناه على مدى عامَين ذهب". وإذ عبّرت بدورها عن أمنيتها بالإفراج عن جميع الأسرى الذين لم يشملهم الاتفاق من السجون الإسرائيلية، كشفت عن أملها بقيام دولة فلسطين مستقلة قريباً، وبأن يحقّق وقف إطلاق النار الحالي انتهاء الحرب الإسرائيلية كلياً.
بدوره، كان الطفل محمد أبو طه ينتظر وصول ابن عمّه فايز من بين الأسرى المحرّرين أخيراً من سجون الاحتلال. وقال لوكالة الأناضول: "شعوري لا يوصف من الفرحة (...) والنصر لنا". من جهتها، قالت والدة الأسير خميس عبد الرحمن، وهي تذرف دموع ألم وفرح، إنّ "زوجي وابني في السجون الإسرائيلية. سوف يُفرَج عن زوجي، فيما يبقى ابني أسيراً". أضافت، في تسجيل فيديو نشره مكتب إعلام الأسرى، وهي تتذكّر ستّة من أقاربها فقدتهم في خلال الحرب الأخيرة على غزة: "فرحتنا لم تكتمل ببقاء ابني في السجن"، وأقرّت أنّ آمالها تبدّدت بعد انتظار قضته "على أحرّ من الجمر".
ومنذ ساعات الصباح، شهد مجمّع ناصر الطبي استعدادات مكثّفة لاستقبال الأسرى المحرّرين، شملت تزيين الساحات وتجهيز نقاط مخصّصة لذلك. ونقلت وكالة الأناضول أنّ كوادر الأجهزة الحكومية في قطاع غزة، لا سيّما تلك التابعة لوزارة الصحة، إلى جانب كوادر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، موجودة في المستشفى لإتمام كلّ ترتيبات والإشراف على الفحوصات الطبية.
وقال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إسماعيل الثوابتة في تصريح لوكالة الأناضول، صباح اليوم، إنّ "الوزارات والهيئات الحكومية تعمل، منذ أمس الأحد، على قدم وساق لإتمام كلّ الترتيبات اللازمة لاستقبال الأسرى الفلسطينيين". وأشار إلى أنّ "فرق عمل ميدانية ولجان تنسيق شُكّلت لضمان توفير كلّ ما يلزم من خدمات لوجستية وإنسانية وطبية" للأسرى المفرج عنهم.
وكانت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار قد دخلت حيّز التنفيذ عند الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم الجمعة الماضي بتوقيت القدس، بعدما أقرّت الحكومة الإسرائيل الاتفاق فجراً. ويستند الاتّفاق إلى خطّة طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تقوم على وقف الحرب، وانسحاب تدريجي لقوات الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة، وإطلاق متبادل للأسرى، ودخول فوري للمساعدات إلى القطاع المحاصر، بالإضافة إلى نزع سلاح حركة حماس.
