
يقف المزارع الثلاثيني متوكل ردمان، المنحدر من محافظة ريمة غربي اليمن، هذا العام حائرا على أطلال أرضه الزراعية التي ابتلعت السيول الموسمية الجارفة جزءا كبيرا منها، تاركة خلفها مساحات واسعة غير صالحة للزراعة.
يقلب ردمان كفيه بحسرة على محصول عامه الزراعي، وسط غياب أي وسائل حماية فعالة تحد من توسع مجاري السيول وتحافظ على ما تبقى من أرضه الزراعية، أو تعيد تأهيل ما يمكن إصلاحه من الأراضي المطمورة لتزرع من جديد.
بمرارة يقول ردمان لـ”منصة ريف اليمن”: “نتقاسم السيول كل عام أرزاقنا، فتطمر أراضينا وآبارنا، ولا أحد يسأل عنا من الجهات المعنية، مشيرًا إلى محاولة سابقة نفذها الصندوق الاجتماعي للتنمية عام 2012 لإنشاء مصدّات لحماية الأراضي الزراعية، لكنها ــ بحسب قوله ــ انهارت خلال عام واحد بسبب سوء التخطيط والتنفيذ غير المتقن.
مواضيع ذات صلة
-
فيضانات اليمن: كارثة سنوية تكشف هشاشة التكيف
-
كيف يحمي المزارعون التربة الزراعية من الانجراف؟
-
مأرب.. نحو 3 آلاف أسرة تتضرر بالأمطار والسيول
وتعد محافظة ريمة الواقعة وسط السلسلة الجبلية الغربية من أكثر المحافظات وعورة، وتتميز بمدرجاتها الزراعية المهددة بالانهيار، ومع غياب الحواجز المائية وقنوات تصريف الأمطار، تتعرض الأراضي الزراعية سنويًا لخطر الطمر والانجراف، ما يفاقم معاناة المزارعين ويهدد الأمن الغذائي المحلي.
خسائر بشرية ومادية
ويضيف ردمان، مسلطًا الضوء على هشاشة البنية التحتية في منطقته: “تفتقر منطقتنا في وادي جرمة بمديرية السلفية، وكغيرها من مديريات المحافظة، لأي حواجز مائية تحفظ مياه الأمطار الموسمية أو تحد من تدفق السيول الجارفة على الأراضي الزراعية، كما لا توجد قنوات لتصريف مياه الأمطار أو مصدات فعالة لحماية التربة من الانجراف، ويجد المزارع نفسه وحيدًا في مواجهة هذه التهديدات البيئية، وسط غياب شبه تام لدور الجهات المعنية في معالجة الكارثة أو تقديم دعم وحلول مستدامة.
ولا تقتصر تداعيات الأمطار الموسمية في المحافظة على طمر الأراضي وجرفها، بل تمتد لتطال الأرواح والممتلكات، وتكشف هشاشة البنية التحتية في مختلف المديريات. ففي أواخر أغسطس من العام الجاري 2025، شهدت مديرية الجعفرية حادثة مأساوية راح ضحيتها أحد المواطنين أثناء تنقله مع نجله على دراجة نارية، وقد نجا الابن بأعجوبة، فيما عُثر على جثة والده بعد عمليات بحث استمرت أكثر من ست ساعات، وفق شهادة المواطن أحمد الواقدي.
يوضح الواقدي أن أحد المنازل انهار على ساكنيه نتيجة الانهيارات الجبلية دون تسجيل خسائر بشرية، إلا أن عددًا من المنازل بات مهددًا بالانهيار، كما تعرض أكثر من 40 حاجزًا مائيًا في المديرية للجرف أو الطمر، ما أدى إلى تفاقم الأضرار في مزارع البن والفواكه المنتشرة، بالإضافة إلى نفوق عدد من المواشي والأبقار، وقطع الطرق المؤدية إلى قرية سحمة، مما زاد من عزلة السكان وصعوبة وصول المساعدات التي قدمها المجتمع المحلي.

من جهته، وصف الشيخ علي قايد سعد ما حدث في الجعفرية بأنه “نكبة بيئية واجتماعية”، موضحًا أن الأمطار الأخيرة تسببت في انهيار حاجزين مائيين رئيسيين في قرية سحمة بشكل كامل، ما أدى إلى فقدان كميات كبيرة من المياه وتضرر الأراضي الزراعية المجاورة. كما تسببت السيول في طمر وانهيار خزانات المياه المنزلية، مما فاقم أزمة مياه الشرب والاستخدام اليومي لدى الأهالي.
استجابة غائبة
ويشير سعد إلى تضرر الطرقات الداخلية والخارجية في بعض القرى بشكل شبه كامل، ما أدى إلى عزل التجمعات السكانية عن محيطها وأعاق وصول المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية التي قدمها المغتربون ورجال الأعمال من أبناء المنطقة. كما تعرضت عشرات المنازل والمزارع لأضرار متفاوتة، بعضها مهدد بالانهيار في حال استمرار الأمطار خلال الأيام المقبلة.
يرى المهندس المدني هايل منصور أن ما تشهده مناطق محافظة ريمة من كوارث بيئية خلال مواسم الأمطار يمثل مؤشرًا صارخًا على هشاشة البنية التحتية في المناطق الريفية، وغياب منظومات الطوارئ والاستجابة السريعة لتلافي الأضرار.
ويؤكد خلال حديثه لـ”منصة ريف اليمن”، أن السيول الموسمية كشفت مجددًا عن ثغرات مزمنة في التخطيط العمراني بالمحافظة، أبرزها غياب الحواجز المائية الفعّالة، وانعدام قنوات تصريف الأمطار، وافتقار القرى الجبلية إلى وسائل مقاومة الكوارث.
لا توجد قنوات لتصريف مياه الأمطار أو مصدات فعالة لحماية التربة من الانجراف ما يجعل المزارع وحيدًا في مواجهة هذه التهديدات البيئية.
ويضيف:”تكرار هذه الكوارث البيئية في ظل تغيرات مناخية متسارعة يضع المجتمعات الريفية في مواجهة مباشرة مع مخاطر متزايدة دون امتلاك أدوات المواجهة أو شبكات الأمان، ويرى أن الحل يكمن في تبني رؤية تنموية طويلة الأمد تبدأ بإنشاء صناديق مجتمعية في مراكز المديريات، تُدار بالشراكة بين الأهالي والسلطات المحلية، وتُموّل من جهات حكومية ومنظمات دولية.
ويوضح أن هذه الصناديق يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في تمويل مشاريع حماية الأراضي الزراعية من الانجراف، وإعادة تأهيل المدرجات التي طمرتها السيول، إضافة إلى دعم المزارعين المتضررين عبر برامج جبر الضرر، وتوفير أدوات الزراعة المقاومة للمناخ، وتدريب المجتمعات المحلية على إدارة الموارد المائية. كما يشدد على ضرورة بناء قدرات فرق الاستجابة المجتمعية وتزويدها بالمعدات الأساسية، وإنشاء خرائط خطر تُحدث سنويًا لضمان التدخل المبكر والحد من الخسائر البشرية والمادية.
أهمية دعم المتضررين
ويوضح أن هذه الصناديق يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في تمويل مشاريع حماية الأراضي الزراعية من الانجراف، وإعادة تأهيل المدرجات التي طمرتها السيول، إضافة إلى دعم المزارعين المتضررين عبر برامج جبر الضرر، وتوفير أدوات الزراعة المقاومة للمناخ، وتدريب المجتمعات المحلية على إدارة الموارد المائية. كما يشدد على ضرورة بناء قدرات فرق الاستجابة المجتمعية وتزويدها بالمعدات الأساسية، وإنشاء خرائط خطر تُحدث سنويًا لضمان التدخل المبكر والحد من الخسائر البشرية والمادية.

وفي السياق ذاته، أوضح مدير مركز الدفاع المدني في مديرية الجعفرية المهندس عبدالرقيب السعيدي أن المديرية تُعد من أكثر المناطق تضررًا في محافظة ريمة جراء الأمطار والسيول الأخيرة، غير أن غياب الإمكانيات الفنية واللوجستية حال دون توثيق حجم الأضرار بدقة، نظرًا للطبيعة الجغرافية المعقدة للمديرية وتوزع السكان على قمم الجبال ومناطق يصعب الوصول إليها، ما يجعل عمليات الحصر شبه مستحيلة في ظل الإمكانيات المحدودة.
وأشار السعيدي إلى أن مركز الدفاع المدني في الجعفرية يعمل بشكل تطوعي بالكامل دون أي دعم من الجهات المختصة، مؤكدًا أن المركز يفتقر إلى المعدات الأساسية والكوادر المدربة ووسائل النقل، مما يجعل دوره في مواجهة الكوارث محدودًا للغاية، وقد يكون معدومًا في بعض الأحيان.
وكانت الأمطار والسيول التي شهدتها المحافظة خلال أغسطس من العام الماضي 2024 قد تسببت في وفاة 6 أشخاص وتهدم أكثر من 430 منزلًا في 140 قرية و56 عزلة بمديريات المحافظة، بالإضافة إلى انقطاع 45 طريقًا فرعية ورئيسية، بحسب تقرير مركز الإعلام بالمحافظة. وحتى الآن، لا تتوفر إحصائيات رسمية حديثة عن حجم الأضرار التي لحقت بالمحافظة خلال العام 2025.
يشير الدكتور مسعد عقلان، المحاضر والباحث في مركز المياه والبيئة بجامعة صنعاء، إلى أن اليمن تشهد منذ عام 2015 تصاعدًا ملحوظًا في الأحداث المناخية المتطرفة، من أمطار غزيرة وفيضانات إلى ارتفاع درجات الحرارة ودورات جفاف متكررة. ويؤكد أن المشكلة لا تكمن في كمية الأمطار، بل في غزارتها المفاجئة التي تتسبب بفيضانات واسعة خلال وقت قصير، ما يؤدي إلى خسائر بشرية ومادية جسيمة.
تسببت السيول في وفاة 6 أشخاص وتهدم أكثر من 430 منزلًا في 140 قرية و56 عزلة بمديريات المحافظة، بالإضافة إلى انقطاع 45 طريقًا فرعية ورئيسية، بحسب تقرير مركز الإعلام بالمحافظة
ويضيف عقلان أن السدود الخرسانية، رغم تقادمها ومشكلاتها، لا تمثل سوى جزء بسيط من التحديات، في ظل غياب الاستعداد المؤسسي والمجتمعي لمواجهة آثار التغير المناخي على الإنسان والحيوان والنبات. ويشدد على ضرورة صيانة مجاري السيول من أعالي المصب وحتى المناطق السكنية، وتفعيل التقنيات التقليدية لتوجيه المياه نحو الأراضي المفتوحة دون نقل المشكلة من منطقة إلى أخرى، وحماية الأراضي الزراعية والتربة من الانجراف بفعل السيول.
ويختم الدكتور عقلان بالتنبيه إلى أن المدن الأثرية والمباني التاريخية تأثرت أيضًا بالعوامل المناخية، وهي بحاجة إلى صيانة عاجلة من الجهات الرسمية والدولية، وعلى رأسها منظمة اليونيسكو. وعلى المدى البعيد، يدعو إلى وضع استراتيجية وطنية متكاملة تشمل التمويل المستدام، وشبكة إنذار مبكر واسعة النطاق، لتعزيز قدرة المجتمعات على التكيّف مع تقلبات الطقس والاستجابة لها وتجنّب مخاطرها.
The post كيف دمرت السيول المدرجات الزراعية في ريمة؟ first appeared on ريف اليمن.