
عربي
في عودةٍ فنية مفعمة بالحنين إلى زمن الأصوات التي صنعت هوية الأغنية العربية الحديثة، يفتتح متحف سرسق في بيروت (مساء الجمعة المقبل) معرضاً بعنوان "ديفا: من أم كلثوم إلى فيروز إلى داليدا – أيقونات الفن العربي"، في الصالة الكبرى للمتحف، بتنظيم معهد العالم العربي في باريس وبرعاية وزارة الثقافة اللبنانية.
يأتي هذا المعرض إلى بيروت بعد جولات ناجحة في باريس وأمستردام وعمّان، حاملاً معه تحية فنية إلى نجمات عربيات رائدات قدّمن نموذجاً جديداً للمرأة في الغناء والتمثيل والرقص، من القاهرة إلى بيروت، ومن المغرب العربي إلى باريس.
يسلط المعرض الضوء على الدور الاجتماعي والسياسي لهؤلاء النجمات بين عشرينيات القرن الماضي وسبعينياته، وعلى جرأتهن في مواجهة السلطة الأبوية والدعوة إلى حرية المرأة ومساواتها بالرجل.
تقول كارينا الحلو، مديرة متحف سرسق، لـ"العربي الجديد": "يقدّم المعرض رحلة ثقافية وفنية مع 'الديفاز' – وهو جمع كلمة ديفا بالإنكليزية – جامعاً بين أسماء مثل أم كلثوم، وردة الجزائرية، أسمهان، فيروز، ليلى مراد، سامية جمال، سعاد حسني، فاتن حمامة، صباح، داليدا".
وتضيف أن "المعرض لا يكتفي باستعادة الماضي، بل يقدّم رؤية حديثة للفن العربي في عصره الذهبي، حين بلغت الاحترافية والحداثة ذروتهما في الصوت والرقص والتمثيل".
تؤكد الحلو أن المعرض "يحيي دور بيروت والقاهرة كونهما عاصمتين للفن العربي في الموسيقى والمسرح والسينما والغناء، بدءاً من أم كلثوم في القاهرة وصولاً إلى فيروز في لبنان، مروراً بأسمهان ووردة الجزائرية". وتشير إلى أن الهدف هو تعريف الجيل الجديد بهذه الظاهرة الفنية التي شكّلت هوية المنطقة، واستعادة حضور بيروت في تلك المرحلة التي وصفتها بـ"الزمن الجميل".
وتوضح الحلو أن "النسخة البيروتية من 'ديفاز' تختلف عن تلك التي عُرضت في باريس وأمستردام وعمّان، من حيث طريقة العرض وتوسعة المساحات الأرشيفية، وإضافة أزياء وأفلام وصور وفيديوهات جديدة في ركن الديفاز الرئيسي، وأيضاً في قسم الفنانين المعاصرين".
وتسرد تفاصيل عن النجمات اللواتي يرسّخ المعرض ذاكرتهن، من منيرة المهدية، أول مطربة وممثلة على خشبة المسرح، إلى آسيا داغر، رائدة السينما المصرية، وبديعة مصابني، الراقصة الشرقية الأولى. كما يكشف عن مشاركة المصمم العالمي إيلي صعب بفيديو قصير بعنوان "تحية إلى الديفا" من إخراج إيلي فهد، يقدّم فيه شهادته عن تأثير النجمات الخالدات في الأناقة والحضور والأداء الفني.
يضم المعرض أجنحة مخصصة لخمس نجمات رئيسيات: فيروز، أم كلثوم، وردة، أسمهان، داليدا. في ركن وردة تُعرض آلة العود الخاصة بها وملابسها الأصلية، وفي جناح أم كلثوم تُعاد خياطة فساتينها الشهيرة بتصميمات قريبة من الأصل، بينما يقدّم ركن داليدا مقتنيات حقيقية من أرشيف شقيقها أورلاندو.
وتبين الحلو أن المعرض يضم أيضاً صوراً نادرة من حياة فيروز العائلية والفنية، وفساتين صممها جان بيير ديليفر لمسرحية "قصيدة حب" في مهرجانات بعلبك عام 1973، وفساتين من تصميم مارسيل ربيز وسامية صعب ارتدتها في مسرحية "أيام فخر الدين" عام 1966. كما يُعرض فيديو نادر يوثق استعدادات فيروز لجولتها في أميركا الجنوبية عام 1961، وآخر من فيلم وثائقي عن جولتها في الولايات المتحدة عام 1972.
ولم ينسَ المعرض تخصيص ركن لتكريم صباح، عبر عرض صورها وعدد من فساتينها التي صممها وليم خوري وبابو لحود سعادة، ومنها تلك التي ارتدتها في مسرحية "وتضلّو بخير" بإخراج صبري الشريف.
في القسم المعاصر، يعرض المعرض فيلم "اختفاءات سعاد حسني الثلاثة" للمخرجة اللبنانية رانيا إسطفان، الذي يمزج بين الواقع والخيال في محاولة لرثاء سعاد حسني واستحضار حضورها السينمائي، بوصفها رمزاً فنياً وشعبياً ترك رحيله صدمة في الوجدان العربي. كما يضم المعرض لوحتين للفنان التشكيلي المصري شانت أفيديسيان، الأولى لسعاد حسني (من مجموعة رانيا إسطفان) والثانية لأم كلثوم (من مجموعة كارلا وكارلوس غصن).
ويُقدَّم أيضاً عمل فوتوغرافي للمخرج اللبناني محمد عبدوني بعنوان "ديفا في دور صباح" (2023)، تُجسَّد فيه شخصية صباح بوصفها رمزاً ثقافياً عربياً يجمع بين موسيقى البوب العالمية والطابع المحلي.
في ختام حديثها، تعبّر كارينا الحلو عن أملها في أن يستقطب المعرض "الجيل الجديد من المدارس والجامعات وكل الزوار، ليكتشفوا من خلاله الأصالة في الفنون العربية، والدور الريادي لكل من بيروت والقاهرة في صياغة الذاكرة الثقافية الراقية التي ما زالت تلهم حاضرنا الفني اليوم".
