ديكستر يعود إلى الجذور... قاتل تدرّبه الشرطة
عربي
منذ 6 أيام
مشاركة
ما زالت موجة مسلسلات ووثائقيات "القتلة المتسلسلين" تجتاح منصات البث، وتُغري الشركات الكبرى بإعادة إحياء الشخصيات التي صنعت نجاحها السابق. في هذا السياق، تعود شركة "باراماونت" إلى عالم القاتل الأشهر ديكستر من خلال مسلسل جديد بعنوان "ديكستر: الخطيئة الأصلية" الذي يُعرض حالياً على شبكة "أمازون برايم" في محاولة لاستثمار الشعبية الكبيرة التي حققها العمل الأصلي خلال العقدين الماضيين. ديكستر الجديد هو ذاته بطل السلسلة القديمة، لكننا هذه المرة أمام قصة النشأة، حيث يعود المسلسل إلى البدايات الأولى للقاتل المتسلسل الذي "درّبه" والده الشرطي على توجيه نزعاته العنيفة نحو المجرمين فقط، لا الأبرياء. وكما يوحي العنوان، فإن الحكاية تحاول الإجابة عن سؤال الخطيئة الأولى: كيف تولد الوحشية في إنسان عادي؟ ورغم أن المسلسل يسعى إلى تقديم قراءة أعمق في ماضي الشخصية، إلا أن الحكاية لا تخلو من التكرار. فالمشاهد يعرف مسبقاً الكثير من تفاصيل ديكستر، التي يعيد العمل تفسيرها الآن بأسلوب بطيء لا يخلو من الرتابة. تكشف الحلقات أن القاتل لم يكن مريضاً نفسياً بالفطرة، بل صُدم طفلاً بمأساة قاسية أفقدته التوازن، وغرست فيه رغبة دفينة في القتل. هذه الرغبة التي لاحظها والده بالتبني، فحاول ضبطها وتطويعها لتصبح "أداة عدالة" على طريقته الخاصة، فيخلّص المجتمع من المجرمين الذين يفلتون من العقاب. لكن ما يبدو درامياً في القصة يحمل أيضاً نقداً مبطناً لعمل الشرطة، إذ يُظهر المسلسل كمّ الفساد والعنف داخل المؤسسة الأمنية نفسها، إلى حد أن رجل الشرطة يصبح راعياً ومربّياً لقاتل متسلسل. فديكستر، في نهاية المطاف، هو نتاج نظام يُفترض أنه يحمي العدالة، لكنه يصنع أدواتها الملتوية. هذه المفارقة تجعل المشاهد يتساءل: من الأخطر، المجرم أم من يصنعه؟ من ناحية أخرى، يعيد المسلسل طرح سؤال السلطة الذكورية داخل العالم البوليسي، إذ تتوزع الأدوار بين رجال يتحكمون في مصائر الجميع ونساءٍ غالباً ما يكنّ الضحايا أو الشاهدات الصامتات. فحتى في بيت ديكستر نفسه، تظل النساء محاصرات بعنف العالم الذكوري، حيث تُعرَّف الجريمة لا بحسب الفعل بل بحسب هوية من ارتكبها. ومع كل هذه الطبقات السردية، يرى كثير من النقاد أن العمل لا يقدم جديداً يذكر. فكما قالت مجلة فرايتي في مراجعتها، هو أشبه بـ"من يضرب حصاناً ميتاً". فالمسلسل يكرر فكرة استنزفتها عشرات الأعمال السابقة عن القتلة المتسلسلين، ولا يضيف سوى بعد نوستالجي لجمهور متعطش لعودة بطله القديم. صحيح أن هناك متعة في متابعة ديكستر الشاب وهو يتخبط في بداياته، لكنه لا يملك العمق الكافي لتبرير عودته، ولا يقدم تفسيراً نفسياً واضحاً لسبب تحوله إلى قاتل، بل يترك المشاهد معلقاً بين فرضية الصدمة الطفولية والخلل النفسي الوراثي. الأكثر إثارة في المسلسل ليس جرائم ديكستر بحد ذاتها، بل الخلفية التي صنعتها: شرطة فاسدة، وعدالة مشوهة، وطفل لم يتلقَ علاجاً نفسياً رغم صدمة فقدان عائلته. هذه التفاصيل تمنح القصة ملمحاً اجتماعياً وسياسياً يتجاوز الجريمة إلى نقد النظام بأكمله، لكنه نقد يظل هامشياً في مقابل التركيز على مشاهد الدم والعنف التي تغرق فيها الحلقات. ورغم محاولات المسلسل أن يبدو واقعياً، إلا أنه يحتفظ بمسافة كافية من "المتخيّل"، فلا يسقط في فخ الواقعية المفرطة التي تطبع أعمال القتلة المتسلسلين المعاصرة. فديكستر، رغم دمويته، لا يُقدَّم كشخصية مرعبة بقدر ما هو بطل ساخر أحياناً، يملك قدراً من الطرافة والحمق، ما يمنحه جانباً إنسانياً يخفف من سوداوية الحكاية. وربما في هذا التناقض يكمن سرّ استمرار جاذبيته؛ فهو قاتل نحب أن نراه، لأن خياله يبقينا في منطقة الأمان بعيداً عن فظاعة الواقع. في النهاية، "ديكستر: الخطيئة الأصلية" ليس إلا محاولة جديدة لإحياء أيقونة تلفزيونية من الماضي، توازن بين دماء الجريمة ونوستالجيا المعجبين، وتؤكد مرة أخرى أن ما يُبقي القتلة المتسلسلين أحياء في الدراما ليس فقط جرائمهم، بل قدرتهم على تمثيل تناقضات الإنسان بين الخير والشر، والعقل والجنون، والعدالة والانتقام.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية