كيف يواجه مزارعو ريف إب مشكلة الجفاف؟
تقارير وتحليلات
منذ 7 ساعات
مشاركة

على الرغم من برد الشتاء القارس في شهر يناير ذروة فصل الشتاء في اليمن، يعمل محمد ناجي (60 عاماً) بمزرعته في منطقة السياني جنوبي محافظة إب وسط اليمن، من أجل إصلاحها وتهيئتها قبل قدوم الموسم الزراعي الذي يبدأ في أبريل/ نيسان، تفادياً لمخاطر الجفاف خلال فترة هطول الأمطار الموسمية صيفاً.

العديد من المزارعين في ريف إب يعملون مثل “ناجي” بشكل مبكر لحماية الأراضي من الجفاف، يقضي هؤلاء معظم أوقاتهم خلال فصل الشتاء في تقليب التربة، حيث يبدؤون العمل في ديسمبر باستخدام معدات يدوية، لضمان امتصاص التربة لأول هطول مطري قبل موعد غرس البذور في موسمها المعتاد خلال أبريل/ نيسان.

تؤكد دراسة حديثة أجراها الخبير في الشؤون البيئية والمناخية، عبد الغني اليوسفي، أن محافظة إب، التي لطالما عُرفت بخصوبتها ووفرة أمطارها، تشهد تراجعًا مقلقًا في معدلات الهطول المطري خلال السنوات الأخيرة.


       مواضيع مقترحة

تتفحص هذه الدراسة الأسباب الرئيسية لتراجع هطول الأمطار الموسمية في محافظة إب، وبرغم إيرادها الممارسات البشرية السلبية التي تفاقم من حدة الجفاف وانخفاض مستوى هطول الأمطار، إلا أن الدراسة تشدد على تداخل هذه الممارسات مع العوامل المناخية التي تتسبب بتغيرات في أنماط الريح والحرارة.

أول الظواهر المناخية التي يرى اليوسفي فيها أحد أسباب الانخفاض الملحوظ في معدلات الأمطار بمحافظة إب تتمثل بتغير أنماط الرياح، حيث تهب رياح شديدة بسرعة تصل إلى 30-45 عقدة. تلعب هذه الرياح القوية دورًا حاسمًا في طرد السحب المحملة بالأمطار قبل أن تتمكن من الهطول فوق المنطقة.

يشكل ارتفاع الحرارة العامل الثاني، إذ تؤدي الزيادة في درجات الحرارة إلى زيادة معدلات التبخر من المسطحات المائية والتربة والنباتات، تقلل هذه الظاهرة من الرطوبة الكلية في الغلاف الجوي، مما يحد بشكل كبير من فرص تكوّن السحب وهطول الأمطار.

الاعتناء وتقليب التربة

لا يعرف ناجي شيئاً عن التغيرات المناخية، لكنه لاحظ تراجع هطول الأمطار في السنوات الماضية، وهو ما دفعه نحو مضاعفة الاعتناء بمزرعته باستخدام معدات يدوية تمكنه من الوصول إلى مناطق لا يمكن أن تصل عليها آلات الحراثة التي يكلف استئجارها مبالغ مالية باهظة تصل إلى نحو 10 ألف ريال في الساعة الواحدة.

عند حلول الموسم في أبريل وغرس بذور الذرة الرفيعة والذرة الشامية يحرص ناجي على مواصلة الاعتناء بمزرعته، وإنشاء المقالح الزراعية لحفظ المياه، والمقلح هو حُفرة صغيرة يقوم المزارع بحفرها بهدف الاحتفاظ بكمية كبيرة من المياه عند جذور النباتات. تختلف أحجام هذه الحُفر بحسب نوع الأشجار المزروعة؛ ففي زراعة الحبوب من الذرة الرفيعة والذرة الشامية يكون حجم المقالح متوسطة، أما في حالة الأشجار الكبيرة والمحاصيل الضخمة، يكون حجم المقلح أكبر.

كيف يتغلب مزارعو ريف إب على مشكلة الجفاف
العديد من المزارعين في ريف إب يرون، كما ناجي، في العمل المبكر حلاً لحماية الأراضي من الجفاف (ريف اليمن)

“حينما كانت تهطل الأمطار بغزارة وبشكل مستمر، كانت المياه تتغلغل إلى باطن التربة، مما يساهم في نضوج الثمار بشكل جيد، حيث كانت النباتات ترتوي تمامًا” يقول ناجي. ونتيجة لذلك، يتابع ناجي “كان المزارع يجد صعوبة في دخول مزرعته خوفًا من الانزلاق في التربة الموحلة بسبب شدة الأمطار”.

استمر الجفاف لأكثر من ثلاثة أشهر في العام الماضي “حتى ذبلت الثمار والزروع، وتراجعت المحاصيل الزراعية إلى أدنى مستوياتها. لم يحصد الكثير من المزارعين يومها سوى كميات قليلة مقارنة بسنين الخير الوفير”، بحسب ناجي.

ويتابع قائلاً لمنصة “ريف اليمن”، “بفضل الله، كانت ثمار مزرعتي جيدة، اعتنيت بالأرض وقمت بتقليب التربة في فصل الشتاء ومع هطول أول قطرة مطر، ارتوت الأرض بشكل جيد، وتمكنت من الحصول على نحو 500 كيلوغرام من الذرة البيضاء، على الرغم من شح الأمطار وتراجعها، مشيرًا إلى أنه يتطلع إلى تحقيق محصول أوفر خلال الموسم الزراعي الحالي.

على خطى ناجي، رصدنا نحو 50 مزارعاً بمديرية السياني ومديرية السبرة بمحافظة إب ممن يبذلون جهوداً مضاعفة في الاعتناء بالأرض. على الرغم من شح الأمطار مطلع الموسم الزراعي الحالي لكن ثمار مزارعهم تظهر عليها آثار العمل، وتبدو مختلفة تماماً عن بقية المزارع من حيث جودة المحصول فهم قبل قدوم موسم الحصاد يتطلعون إلى الاكتفاء الذاتي من الحبوب.

يقول المهندس والخبير الزراعي محمد الحزمي لـ “منصة ريف اليمن” إن قلب التربة والاعتناء بها، خاصةً قبل الموسم الزراعي، ينعكس إيجابًا على إنتاجية المحاصيل، ويساعد في تحسين جودة التربة وذلك “عن طريق منع انجراف الطبقات العلوية التي تحتوي على المواد العضوية والمواد المغذية الضرورية لنمو المحاصيل”.

كما ينصح الحزمي المزارعين اليمنيين في حال كانت الأرض على مجرى سيول أو مستوى الماء مرتفع بحفر مصارف للتخلص من المياه الزائدة. ويرى الحزمي أيضاً أن على المزارعين تسميد الأرض بسماد عضوي متحلل وهو ما يستخدمه مزارعين كثير في ريف إب.

يواجه المزارعون صعوبات في تقليب التربة، فهم يعتمدون على معدات قديمة، كما أنهم يعملون في البرد القارس، وفي الصيف يعملون تحت أشعة الشمس الحارقة.

وبسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية، ليس بمقدورهم استئجار معدات زراعية متطورة لحرث التربة فيضطرون إلى العمل بأيديهم. ونتيجة لارتفاع أسعار الوقود والأسمدة والمبيدات المختلفة، بالإضافة إلى انتشار الآفات الزراعية، وغياب التوعية والإرشاد وشح الأمطار، ترتفع تكاليف الإنتاج الزراعي وتتقلص هوامش الربح.

كيف يتغلب مزارعو ريف إب على مشكلة الجفاف
مزرعة ذرة رفيعة في ريف إب تعرضت للإهمال وعدم الاعتناء (ريف اليمن)

تجميع مياه الأمطار

تؤكد دراسة لمركز صنعاء أن ندرة المياه هي المشكلة البيئية الأكثر وضوحًا وتهديدًا في اليمن، إذ تفتقر البلاد إلى الأنهار دائمة الجريان، مع وجود تفاوت كبير في مستوى هطول الأمطار من منطقة إلى أخرى.

وبحسب الدراسة فإن المصدرين الرئيسيين للحصول على المياه لتلبية الاحتياجات المنزلية والزراعية والصناعية في اليمن يتمثلان في استخراج المياه من الآبار الجوفية، وحصاد وتجميع مياه الأمطار بالاعتماد على الطرق والممارسات التقليدية.

في ظل شح المياه لجأ العديد من المزارعين بريف إب إلى حفر وبناء الخزانات الأرضية وبناء السدود والحواجز المائية الصغيرة لحفظ المياه، حيث رصدنا نحو 20 مزارعاً بمديرية جبلة والسياني ممن يستخدمون الخزانات لتجميع مياه الأمطار الموسمية والاستفادة منها في ري المحاصيل.

عبده حزام، (55 عاماً) كان من بين أوائل المزارعين ممن خطرت لهم هذه الفكرة، فعمل بنفسه منذ سنوات على حفر خزان أرضي لتجميع مياه الأمطار الموسمية من سطح منزله، والاستفادة منها في ري محاصيله فهو يزرع الطماطم والبطاط والبامية وغيرها من الخضروات.

يقول حزام لـ “منصة ريف اليمن”: “خطرت على بالي فكرة الاستفادة من مياه الأمطار، لا سيما وأنها أصبحت تهطل بكميات قليلة، فكان قرار الاستفادة منها مهمًا خلال فترة الجفاف الطويلة”، مشيرًا إلى أن فترة الجفاف في هذا الصيف استمرت ثلاثة أشهر.

ويضيف: “عملتُ أنا وأبنائي على حفر الخزان الذي استمر العمل فيه عدة شهور حتى أتممناه، والحمد لله، أستفيد منه لري المحاصيل الزراعية خلال فترة الجفاف، كما أنني أزرع بعض الخضروات حتى في أيام الشتاء، مثل الطماطم والكزبرة”.

واجه حزام صعوبات وتحديات خلال العمل على تجهيز خزان الماء، من بينها ارتفاع أسعار الإسمنت والحديد، وارتفاع تكاليف نقل المواد حيث كلفه العمل في الخزان مبالغ مالية باهظة تجاوزت مليون ريال يمني، أي ما يعادل نحو 1900 دولار أمريكي بسعر الصرف في إب. ولكن حزام تمكن من التغلب على كل تلك المعوقات من خلال العمل مع أولاده، واقتراض مبالغ مالية من أحد أقاربه كي يتمكن من إكمال مشروعه الذي يرى فيها خطوة للتغلب على مشكلة تراجع هطول الأمطار والجفاف.

كيف يتغلب مزارعو ريف إب على مشكلة الجفاف
رصدنا نحو 50 مزارعاً بمديرية السياني ومديرية السبرة بمحافظة إب ممن يبذلون جهوداً مضاعفة في الاعتناء بالأرض (ريف اليمن)

محاصيل بديلة

إثر تفاقم حدة الجفاف وتراجع هطول الأمطار الموسمية التي شهدتها محافظة إب، وبقية المحافظات اليمنية مؤخراً وانعكست سلباً على محاصيل الذرة الرفيعة والذرة الشامية، حوّل حسن قاسم (67 عامًا) إحدى مزارعه من زراعة الحبوب إلى البقوليات، فاستبدل زراعة الذرة الرفيعة بزراعة الفاصوليا.

يقول قاسم: “في الموسم الزراعي الماضي، قمت بزراعة ما يقارب 10 لبن، أي ما يعادل نحو 70 مترًا مربعًا، وسط استغراب كبير من المزارعين الذين انتقدوا مغامرتي بزراعة الفاصوليا وحدها دون محاصيل أخرى”، لأن غالبية الأراضي الزراعية في الوادي التي تقع فيها مزرعته يزرعون الذرة الرفيعة.

كما أن الذرة تعد من أهم المحاصيل التي يعتمد عليها السكان في تأمين الغذاء إذ يصنعون منها الخبز، وتوفر عليهم شراء القمح الذي يتجاوز سعر 50 كيلو منه نحو 14 ألف ريال يمني.

ولكن الفاصوليا، بحسب قاسم، لا تتطلب كمية كبيرة من الأمطار مقارنة بما تحتاجه زراعة القمح والذرة. زرع قاسم الفاصوليا مرتين في الموسم الزراعي الذي يستمر ستة أشهر، حيث إن مدة زراعة الفاصوليا هي ثلاثة أشهر فقط. وعلى الرغم من تراجع هطول الأمطار الموسمية في العام الماضي، حقق محصولًا وفيرًا مكّنه من بيع كميات كبيرة ساهمت في شراء الاحتياجات اليومية لأسرته من سكر ودقيق.

يؤكد قاسم أن شح الأمطار هو ما حفزه على تغيير نوع المحصول الذي يزرعه كي يتغلب على مشكلة الجفاف التي تؤدي إلى هلاك محاصيل الحبوب التي تتطلب كمية كبيرة من الأمطار طوال فصل الصيف.

بالمقارنة مع المحاصيل الأخرى، تتطلب البقوليات كميات أقل من المياه للنمو، بحسب ما يورده موقع The Grains and Legumes Nutrition Council في أستراليا التي تعاني أيضاً من شح الموارد المائية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للبقوليات تثبيت النيتروجين الجوي في التربة، مما يقلل الحاجة إلى الأسمدة النيتروجينية المصنّعة التي تتطلب كميات كبيرة من المياه لإنتاجها بحسب الموقع ذاته.

كيف يتغلب مزارعو ريف إب على مشكلة الجفاف
بالمقارنة مع المحاصيل الأخرى، تتطلب البقوليات كميات أقل من المياه للنمو (ريف اليمن)

وبحسب شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، في مقالة منشورة على موقع الأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي للبقول، تتميز البقوليات بأنها متعددة الاستخدامات ويمكن أن تنمو في التربة شديدة الفقر، وهذا يعني إمكانية زراعتها في المناطق التي لا يمكن زراعة محاصيل أخرى فيها كما تمكنها جذورها الأعمق والأكثر وفرة بالصمود في وجه الجفاف بشكل أفضل. وهذا أمر مهم بشكل خاص في الأماكن التي يستمر فيها الجفاف.

كما تشير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) بأنه يمكن للبقوليات أن توفر المغذيات الأساسية للتربة، وتساعد على حفظ التنوع البيولوجي، وتحسّن بنية التربة، وتساعد على التخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه.

واجه قاسم لدى تغيير محصوله لأول مرة صعوبة شراء البذور، إذ يكلف شراء كيلو جرام واحد من الفاصوليا نحو 1200 ريال يمني. وهي تكلفة كان يمكن تفاديها لو استمر في زراعة الذرة حيث يمكن للمزارعين الحصول على البذور من محصول الموسم السابق. وهو ما سوف يستطيع فعله الآن في مواسم الفاصوليا اللاحقة.

تجربة قاسم هي واحدة من بين العديد من التجارب الزراعية بريف إب، حيث رصدنا نحو 25 مزارعاً بمديرية جبلة والسياني قاموا باستبدال زراعة محاصيل أخرى، لمواجهة التحديات المناخية المتمثلة بتراجع هطول الأمطار الموسمية جراء تداعيات التغيرات المناخية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية.


*ُإنتجت هذه المادة في إطار برنامج تدريبي بالتعاون مع “أوان” ومنظمة “دعم الإعلام الدولي” International Media Support ( lMS)

The post كيف يواجه مزارعو ريف إب مشكلة الجفاف؟ first appeared on ريف اليمن.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية