
عربي
واصل مصرف ليبيا المركزي الاعتماد على عوائد الذهب والاستثمارات الخارجية لتغطية عجز النقد الأجنبي، في وقت بدت فيه أسواق الذهب المحلية أسيرة ركود واضح، إذ اقتصر الطلب على المناسبات الاجتماعية وسط توجه متزايد نحو الدولار ملاذاً للمدخرات. حتى نهاية أغسطس/آب 2025، سجلت إيرادات النقد الأجنبي نحو 15.8 مليار دولار، مقابل استخدامات بلغت 21.7 مليار دولار، ليسجل الميزان عجزاً قدر بـ 5.9 مليارات دولار. وبحسب بيانات رسمية، جرت تغطيته من عوائد استثمارات المركزي في الودائع والذهب، إضافة إلى 400 مليون دولار من الاحتياطيات.
الذهب، الذي ارتفع عالمياً من متوسط راوح بين 1700 دولار و1850 دولاراً للأونصة في عام 2022 إلى نحو 2,350 دولاراً في منتصف 2025، ثم إلي 3,700 دولار للأونصة الأسبوع الماضي، وفر متنفساً للمصرف الليبي عبر زيادة عوائده، لكنه لم ينعكس على السوق المحلية، حيث تراجعت الأسعار بنسبة 0.40% بعد انخفاض الدولار، من دون أن تنشط حركة البيع والشراء.
في منطقة أبو سليم، طرابلس، يقول تاجر الذهب رمضان التومي لـ "العربي الجديد" إن حركة شراء الذهب محصورة حالياً في المناسبات الاجتماعية فقط، مثل حفلات الزواج والخطوبة، مشيراً إلى أنّ "الطلب على المعدن النفيس انخفض بشكل كبير مقارنة بالأعوام السابقة، ولم تعد هناك حركة تجارية طبيعية كما كانت في الماضي". ويضيف التومي أنّ ارتفاع أسعار الذهب عالمياً لم يكن له أثر إيجابي على السوق المحلي، فالتراجع الطفيف في أسعار الغرام بعد انخفاض الدولار لم ينشط حركة البيع، بل اكتفى المواطنون بالمشتريات الضرورية فقط، مؤكداً أن "الذهب أصبح رمزاً للمناسبات الاجتماعية وليس للاستثمار أو الادخار كما كان الحال في السنوات الماضية".
شراء الدولار كبديل للذهب
أما محمد شلابي من سوق المدينة القديمة فيوضح أن "المواطنين اتجهوا إلى شراء الدولار كبديل للذهب، وبعض المحال صارت تبيع العملة لتعويض خسائرها". ويضيف شلابي لـ "العربي الجديد" أن الركود الحالي يعكس ضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين، فضلاً عن ميل الكثيرين إلى الاستثمار في الدولار أو العملات الأجنبية بوصفها ملاذاً آمناً للمدخرات بدلاً من الذهب، خاصة بعد تراجع الدينار أمام العملات الرئيسية. ويشير إلى أن "الذهب أصبح سلعة تقليدية أكثر منها استثمارية، يشتريه الناس فقط لمقتضيات العادات الاجتماعية، وليس لأغراض الادخار أو المضاربة".
ويعتبر شلابي أن هذا التوجه نحو الدولار أدى أيضاً إلى قيام بعض المحال ببيع العملات الأجنبية لتعويض الخسائر الناجمة عن ضعف المبيعات، موضحاً أن "المحال التي كانت تعتمد على التداول اليومي في الذهب لم تعد تجد زبائن ثابتين، وأصبحت المبيعات موسمية ومحدودة جداً". أما المواطن فتحي فنير (25 عاماً)، فيرى أن الأسعار "مرتفعة جداً"، لكنه يضيف لـ "العربي الجديد" أن "العادات الاجتماعية تجبر الأسر على شراء الذهب رغم الظروف". ويبلغ سعر الغرام حالياً نحو 737 ديناراً (بسعر صرف يبلغ 5.5 دنانير للدولار) لعيار 21، و631 ديناراً لعيار 18.
ازدواجية المشهد
يقول المحلل الاقتصادي محمد التركي لـ "العربي الجديد" إن هذه المفارقة تعكس ازدواجية المشهد، "فبينما يراكم المصرف المركزي الليبي مكاسب من ارتفاع الذهب عالمياً لتغطية عجز المدفوعات، تبقى محال الذهب في الداخل شاهدة على مفارقة اقتصادية: ذهب ينعش الاحتياطيات من الخارج، لكنه يركد في واجهات المحلات". ويضيف أنّ الذهب "لا يزال يعتمد كملاذ آمن للمدخرات، إذ تحتفظ العديد من الأسر به سواء للاستعمال الشخصي أو للتخزين، باعتباره عرفاً ليبياً قديماً يسمى ذهب لعازة الزمان".
وفي شهادة اجتماعية، تقول الأربعينية سلمة الرقيق إن الذهب "يعتبر مدخرات آمنة، وقد استفادت النساء من ارتفاع سعر الدولار خلال أعوام 2017 ببيع ما يملكن من ذهب". لكنها تستدرك أن "الإقبال اليوم ضعيف بسبب الغلاء وتراجع القوة الشرائية للدينار، ما دفع الكثيرين إلى اللجوء إلى الفضة في المناسبات". يذكر أن مصرف ليبيا المركزي يحتفظ باحتياطيات ذهبية كبيرة تبلغ 146.65 طناً في الربع الثاني من عام 2025، وفقاً لبيانات المجلس العالمي للذهب.
