
عربي
يخشى التركي بولات (58 سنة) المقيم في حي الفاتح بإسطنبول، من شبح التقاعد الزاحف بسرعة، والذي سيغير حياته بالكامل، فدخله سيتراجع من نحو 50 إلى 17 ألف ليرة (الدولار يساوي 41 ليرة)، ما سينعكس على طبيعة حياته وعلاقاته الاجتماعية مطالباً برفع سن التقاعد للهرب من الوحدة والحاجة.
ويقول الموظف بوزارة السياحة والثقافة لـ"العربي الجديد"، إن "الإنسان في عمر الستين يكون قد كوّن خبرة وعلاقات، وفهم التعامل المؤسسي بشكل كامل، وليس من العدالة إبعاده عن العمل والتنكر لقدراته. ينبغي رفع سن التقاعد إلى 65 سنة على الأقل، أسوة بالدول الأوروبية التي تراوح سن التقاعد فيها بين 65 و67 سنة".
بيد أن الأمر مختلف عند العاملين في القطاع الخاص، والذين يجدون في التقاعد انعتاقاً من العمل اليومي، ويحصلون على حريتهم ودخل إضافي. من بين هؤلاء عبد الله (64سنة)، والذي بدأ بعد التقاعد قبل أربع سنوات، العمل مدبراً لشؤون بناية في حي "بيلك دوزو"، وهو يحصل من ذلك على دخل جيد. وحول رأيه برفع سن التقاعد، يؤكد أن "سن الستين مناسبة لأصحاب الأعمال العضلية، فالعمل لأربعين سنة بمنشأة نسيج وخياطة أتعب جسدي، وخلف عندي مشكلات في الرقبة وأمراضاً، لكنها قد تكون غير مناسبة في ما يخص العاملين في المكاتب، ولهم الحق في المطالبة برفعها".
وتتعالى المطالبات في تركيا برفع سن التقاعد، ويقول نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم، نهاد زيبكجي، إن سن التقاعد منخفضة، ويطالب برفعها عبر تعديل الدستور بعد التوصل إلى توافق وطني بشأنه. ويضيف: "يمكن القول إن هذا الأمر يعتبر خيانة للأجيال القادمة. لكن هل يجب أن يتم ذلك؟ نعم، يجب أن يتم بالتأكيد، ويجب ألا يتم المساس به مرة أخرى".
وبدأت تركيا تدخل في طور "الدولة العجوز" بعد تراجع نسبة الولادات والعزوف النسبي عن الزواج، ما يملي رفع سن التقاعد لتماثل الدول الأوروبية، فضلاً عن الاستفادة من الطاقات والخبرات لدى من هم في سن الستين، وغالبيتهم قادرون بعد تطور الطب وتحسن الغذاء وأنماط الحياة على العطاء والعمل.
وتشير بيانات معهد الإحصاء التركي إلى انخفاض عدد الأطفال وارتفاع أعداد كبار السن، فمن هم دون أربع سنوات يبلغون 4.945 ملايين طفل، في حين وصل عدد من هم فوق الخامسة والستين إلى نحو 9.4 ملايين، بزيادة 520 ألفاً عن عام 2024، أي ما نسبته 11% من إجمالي عدد السكان.
ويقول مدير مركز فكر للدراسات الاستراتيجية بإسطنبول، باكير أتاجان، لـ"العربي الجديد"، إن "سن تقاعد المرأة في تركيا هي 58 سنة، والرجال 60 سنة، في حين من يخدم لمدة 25 عاماً في الجيش، يمكنه للتقاعد في سن 45 للرجال و41 للنساء. هناك ضرورة لرفع سن التقاعد، لأن نسبة السكان في سن العمل، بحال ارتفع التقاعد إلى 65 سنة، ستصل إلى 68.4% من إجمالي السكان".
ويضيف أتاجان، وهو عضو في الحزب الحاكم، أن "النقاشات حول رفع سن التقاعد محتدمة، وأرجح رفع السن لدى النساء والرجال، وغير مستبعد أن يتضمن الدستور هذا التغيير. كنت أستاذاً في جامعة آيدن، وبعيداً عن المبلغ الذي كنت أتقاضاه، فإنني اليوم أتقاضى نحو 17 ألف ليرة، ما يعني نحو 420 دولاراً. كانت حياتي أكثر تنظيماً، وأشعر بالعطاء والصخب الاجتماعي، لكن بعد التقاعد تبدل الحال كثيراً، ولو لم أجتمع مع بعض الأصدقاء، ونؤسس مركز أبحاث، وأشغل نفسي بالقضايا السياسية، لكنت أعيش حياة تعيسة، كما التي يعاني منها كثير من المتقاعدين".
ولا تنحضر معاناة المتقاعدين في تركيا على منظور الدخل وتراجع مستوى المعيشة، على اعتبار أن راتب المتقاعد، سواء كان يعمل في القطاع العام أم الخاص، لا يزيد عن 17 ألف ليرة، وذلك بعد الزيادة في هذا العام، إذ إن هناك انعكاسات اجتماعية ونفسية، وشعور من هم في سن الستين بأنهم قادرون على العمل، بينما باتوا خارج حسابات الدولة وقواها الإنتاجية.
وتؤثر تركيا على سبيل التكفل بالمعيشة وتحسين الدخل المحافظة على حياة كريمة لكبار السن، فإلى جانب مبالغ مباشرة تدفع للمتقاعدين كل حين، كان آخرها الشهر الماضي بقيمة 1500 ليرة، تقدم برامج الرعاية الصحية المجانية للمسنّين، وترسل سيارة إسعاف تضم طبيباً وممرضة لتقديم الخدمات الطبية للمسنين في منازلهم بالمجان.
