
عربي
أصبح الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة محركاً رئيسياً للتغيير في الأسواق العالمية، إذ يسهم في رفع الأداء المالي للشركات، ويعيد تشكيل سلوك المستثمرين، ويطرح تحديات جديدة للجهات التنظيمية. ورغم الإمكانات الهائلة لهذه التقنية، تُثير السرعة في تبنيها وتضخّم الإنفاق عليها مخاوف متزايدة من وجود فقاعة استثمارية، وتأثيرات محتملة على الشركات المثقلة بالديون، وصعوبات في مراقبة المخاطر المالية المرتبطة بها.
وتشير استطلاعات حديثة أوردتها بلومبيرغ اليوم الجمعة، إلى أن غالبية الشركات الكبرى (Mega-Cap Companies) تستثمر مبالغ طائلة في مشاريع الذكاء الاصطناعي، مع توقعات بإنفاق يصل إلى 1.6 تريليون دولار خلال السنوات القادمة، بينما يرى الكثير من المستثمرين أن العائد على هذا الاستثمار لا يوازي حجم الأموال الموجهة. وفي الوقت ذاته، يخلق الذكاء الاصطناعي موجة من القلق بين المستثمرين في الديون (Debt Investors) الذين يراقبون الشركات المعرضة للتقادم التكنولوجي، فيما تكافح الجهات التنظيمية المالية لمواكبة التطورات السريعة في السوق لضمان استقرار النظام المالي.
الذكاء الاصطناعي والفقاعة المحتملة
تشير بيانات استطلاع ماركت بالس (Markets Pulse) إلى أن الشركات الكبرى تتنافس على استثمار مبالغ ضخمة في الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك صفقات قيمتها مليارات الدولارات مع شركات مثل أوبن إيه آي (OpenAI). هذه المنافسة، التي يطلق عليها البعض "سباق التسلح" (Arms Race) في الذكاء الاصطناعي، ترفع من أسعار الأسهم وتساهم في خلق توقعات عالية حول الأرباح المستقبلية للشركات، لكن الكثير من محللي السوق يرون أن الإنفاق غير المبرر قد يؤدي إلى فقاعة تشبه تلك التي حدثت في فقاعة الإنترنت عام 1999.
رغم الأداء القوي لمؤشرات الأسهم الأميركية، مثل ستاندرد أند بورز (S&P 500)، الذي سجل ارتفاعات قياسية، يبقى التساؤل حول مدى استدامة هذا النمو مع تزايد تكاليف مشاريع الذكاء الاصطناعي، حيث يظهر أن كثيراً من الشركات تعيش مرحلة تجريبية، إذ تعتبر الإنفاق على AI تكلفة في الوقت الحالي وليس مصدراً للإيرادات المباشرة، مما قد يضغط على أرباحها مستقبلاً.
مخاطر الذكاء الاصطناعي على الشركات المدينة
في جانب آخر، أدى تبني الذكاء الاصطناعي إلى قلق بين مستثمري الديون (Debt Investors)، خصوصاً تجاه الشركات التي قد تصبح غير قادرة على المنافسة أو معرضة للتقادم التكنولوجي. بعض الشركات، مثل منصات التوظيف CareerBuilder وMonster.com، أرجعت إفلاسها جزئياً إلى تأثيرات الذكاء الاصطناعي على أعمالها، بينما واجهت شركات برمجيات أخرى ضغوطاً مماثلة على أسعار قروضها (Loans) بسبب المخاطر المتصورة من الاستبدال التكنولوجي.
وفي ما يخص شركات البرمجيات القانونية مثل LegalShield وConsilio، أدت المخاوف إلى انخفاض قيمة القروض الأولية الخاصة بها، رغم أنها تبذل جهوداً لتأكيد استفادتها من الذكاء الاصطناعي بدلاً من أن تكون ضحية له، من خلال الاستحواذ على مختبرات بحثية وإدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي في خدماتها.
الذكاء الاصطناعي يفرض تحديات تنظيمية مالية
من جهة ثانية، تشير تقارير مجلس الاستقرار المالي (Financial Stability Board – FSB) إلى أن الجهات التنظيمية العالمية ما زالت في مرحلة مبكرة لمراقبة المخاطر المالية الناتجة عن الذكاء الاصطناعي. وتعاني هذه الجهات نقص البيانات والشفافية (Data Gaps & Lack of Transparency) حول الاعتماد على تقنيات الطرف الثالث، والارتباطات السوقية، والمخاطر السيبرانية، إضافة إلى صعوبة متابعة نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية (Generative AI – GenAI).
كما تحذر التقارير من أن الاستخدام المتوسع للنماذج التوليدية قد يزيد من احتمالية الاحتيال المالي وانتشار المعلومات المضللة في الأسواق، ما يضيف طبقة جديدة من التعقيد للمستثمرين والجهات التنظيمية على حد سواء.
في المحصلة، يشير الجمع بين الإنفاق الضخم، ومخاطر الشركات المثقلة بالديون والتحديات التنظيمية إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح محوراً مركزياً للأسواق المالية والاقتصادات العالمية. بينما يفتح المجال أمام فرص نمو كبيرة للشركات القادرة على تحويل استثماراتها إلى أرباح، فإنه يطرح أيضاً تحديات ملموسة للمستثمرين والجهات الرقابية لضمان استقرار الأسواق.
في المستقبل القريب، ستبقى قدرة الشركات على تحويل استثمارات الذكاء الاصطناعي إلى إيرادات (Monetize AI Investments)، وفهم المستثمرين لمخاطر الديون، واستجابة الجهات التنظيمية، عوامل حاسمة لتحديد ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيكون أداة للنمو المستدام أو محفوفاً بالمخاطر المالية الكبرى.

أخبار ذات صلة.

تحدّيات لا بد من مواجهتها
العربي الجديد
منذ 21 دقيقة

اللاتواصل في زمن التواصل
العربي الجديد
منذ 22 دقيقة

أيام الجوع العالمية في غزّة والسودان
العربي الجديد
منذ 22 دقيقة