
عربي
أعلنت الحكومة الصينية أمس الخميس عن سلسلة من الإجراءات الجديدة لإحكام قبضة بكين على معالجة المعادن النادرة التي تعد مدخلات حيوية في صناعة الرقائق الإلكترونية وتجارتها، في وقت تشهد فيه سوق الأسهم الأميركية نهما متزايدا لقطاع الذكاء الاصطناعي الذي يعتمد على تلك الرقائق بشكل أساسي.
وقالت وزارة التجارة الصينية في بيان الخميس، إن المصدّرين الأجانب للمنتجات التي تحتوي حتى على كميات ضئيلة من بعض العناصر الأرضية النادرة المستخرجة من الصين سيتعين عليهم من الآن فصاعدا الحصول على تراخيص تصدير، مشيرة إلى "دواعٍ تتعلق بالأمن القومي".
وأضاف بيان منفصل أن بعض المعدات والتقنيات الهندسية ستخضع أيضًا لقيود مماثلة. كما تحظر القواعد الجديدة نقل أي معدات أو معلومات من الصين يمكن أن تساعد الدول الأخرى على إنشاء صناعاتها الخاصة لإنتاج العناصر الأرضية النادرة أو المغناطيسات المصنوعة منها.
وتُعد الصين المنتج والمُعالِج الأكبر للعناصر الأرضية النادرة في العالم. وتسعى شركات في الولايات المتحدة وأوروبا إلى إنشاء مصانع لإنتاج مغناطيسات هذه العناصر، لكن مثل هذه المصانع تحتاج إلى ما يصل إلى ثلاث سنوات للوصول إلى طاقتها الإنتاجية القصوى. وبالرغم من أن الكيفية التي ستطبق بها السلطات الصينية هذه القواعد لا تزال غير واضحة، فقد اعتبرها مراقبون أميركيون تصعيدا خطيرا في الحرب التجارية مع الولايات المتحدة خاصة، في وقت تتطلع فيه الأنظار إلى القمة المرتقبة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ في كوريا الجنوبية، والتي من المفترض أن تتعامل مع الخلافات التجارية العالقة بين العملاقين الاقتصاديين.
وتشبه القيود الصينية الجديدة على عناصر الأرض النادرة، الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة في وقت سابق بمنع الشركات الصينية من الوصول إلى الرقائق الإلكترونية المتطورة والأدوات المستخدمة في تصنيعها.
وهذه ليست المرة الأولى التي تبرز فيها بكين عضلاتها الاقتصادية ردا على خطوات أميركية ولتذكير الاقتصادات الغربية بما تملكه من نفوذ على صناعاتها المتقدمة، فخلال الصيف الماضي، أمرت السلطات الصينية المصانع العاملة في قطاع العناصر الأرضية النادرة بعدم نقل أي معدات تصنيع إلى خارج البلاد. كما أمرت العديد من الفنيين في هذا القطاع بتسليم جوازات سفرهم لمنعهم من مغادرة الصين.
وخلال العام الماضي، جمعت الصين معلومات مفصلة حول كيفية استخدام الشركات حول العالم لهذه المعادن. ومنذ أكتوبر الماضي، طُلب من المصدّرين تقديم بيانات دقيقة للسلطات الصينية حول استخدام الشحنات في سلاسل التوريد الغربية.
أهمية صناعة الرقائق
وتكتسب الخطوة الصينية أبعادا أكبر بالنسبة لشركات الرقائق الإلكترونية التي أصبحت أسهمها على مدى الشهور الماضية بؤرة النشاط الاقتصادي في أسواق المال. فالصين تقوم باستخلاص 99% من الإمدادات العالمية من عنصر "الديبروسـيوم" وهو نوع من العناصر الأرضية النادرة يُستخدم في تصنيع الرقائق الإلكترونية للمحافظة على استقرارها المغناطيسي حتى في درجات الحرارة العالية.
وخلال السنوات الأخيرة، غيّرت شركات مثل إنفيديا الأميركية وغيرها من مصنّعي الرقائق الإلكترونية المواد المستخدمة في مكونات إدارة الكهرباء داخل الرقائق (المكثفات)، لجعلها أكثر مقاومة للحرارة. وتُصنع هذه المكثفات من الديبروسيوم فائق النقاء، وهو عنصر شديد الصعوبة في التكرير.
ويُنتَج هذا العنصر بالكامل في مصفاة واحدة تقع في مدينة ووشي بالقرب من شنغهاي، وتخضع لسيطرة شركة "شنغهاي رسيورسز" الصينية، التي تُعد وزارة الأراضي والموارد الصينية أكبر مساهم فيها. وتقول صحيفة نيويورك تايمز في عدد الخميس إن الولايات المتحدة تدرك مدى هشاشتها في هذا القطاع منذ أن فرضت الصين عام 2010 حظرًا استمر شهرين على صادرات العناصر الأرضية النادرة إلى اليابان، لكن الجهود الرامية إلى إيجاد بدائل ما زالت بطيئة.
وجاء في بيان لإدارة الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن العام الماضي أن "الصين احتكرت سوق معالجة وتكرير المعادن الحيوية الأساسية". وفي إبريل الماضي، فرضت بكين قيودًا على تصدير سبعة من أصل 17 نوعًا من العناصر الأرضية النادرة، إلى جانب المغناطيسات المصنوعة منها. أما القواعد الجديدة الصادرة الخميس، فهي أشمل بكثير، إذ تشمل جميع هذه العناصر.
وسيتعين بموجب هذه القواعد على الشركات المنتجة للرقائق الإلكترونية الحصول على تراخيص تصدير قبل بيع منتجاتها في أي مكان في العالم. وقد ينطبق ذلك على شركات مثل TSMC التايوانية، التي تصنع معظم الرقائق المتقدمة في العالم، وكذلك على شركتي SK Hynix وSamsung الكوريتين الجنوبيتين المتخصصتين في صناعة رقائق الذاكرة. وهذان النوعان من الرقائق ضروريان لتشغيل الحواسيب التي تُغذّي أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة، هي التقنيات التي ما زالت الشركات الصينية تواجه صعوبات في تصنيعها بمستوى كفاءة منافسيها الأجانب.
ويعكس نطاق هذه القواعد الواسع الطريقة التي استخدمت بها الولايات المتحدة نظام القيود على التصدير للسيطرة على إنتاج الرقائق في أي مكان في العالم إذا كان يعتمد على برامج أو معدات أميركية. ويأتي توقيت الخطوة الصينية في وقت أصبحت فيه مبيعات التقنيات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي العالمي.
وقالت منظمة التجارة العالمية هذا الأسبوع إن منتجات الذكاء الاصطناعي شكّلت نحو نصف الزيادة السنوية في نمو التجارة العالمية لهذا العام. وقد أصبحت إنفيديا الشركة الأكبر قيمة في العالم بفضل بيعها خوادم ذكاء اصطناعي متطورة للشركات حول العالم، تحتوي على تقنيات تُصنّع في تايوان وكوريا الجنوبية وغيرها.
لكن الحكومة الأميركية قيّدت بيع هذه الرقائق لبعض الدول بسبب مخاوف من أن تستخدمها الصين أو غيرها في تطوير أسلحة جديدة أو لتجاوز الشركات الأميركية في سباق تطوير الذكاء الاصطناعي. وبذلك تجد إنفيديا نفسها الآن في موقف معقد، إذ قد تحتاج إلى الحصول على تراخيص من واشنطن وبكين معًا لتتمكن من بيع رقائقها.
ويقول كريستوفر بيدور، نائب مدير أبحاث الصين في شركة Gavekal Dragonomics في تصريحات لوكالة بلومبيرغ إن" التهديد الضمني هو أن بكين قد تخنق صادرات العناصر الأرضية النادرة إلى مصنّعي الرقائق ردًا على القيود المفروضة على مبيعات الرقائق إلى الصين".
ووفقًا للبيانات الرسمية، ستتأثر أيضًا صادرات العناصر الأرضية النادرة المستخدمة في أبحاث الذكاء الاصطناعي ذات التطبيقات العسكرية. ويأتي ذلك بعد أيام من توسيع واشنطن نطاق عقوباتها لتشمل مجموعة أوسع من الشركات الصينية. وقد امتنعت شركة إنفيديا، وآبل عن التعليق على القرار الصيني وتداعياته.
ليست نادرة
ورغم تسميتها الشائعة التي أصبحت متداولة إعلاميا على نطاق واسع خلال الأعوام النادرة، فإن ندرة هذه العناصر يرتبط بصعوبة تنقيتها واستخراجها وليس بكمية وجودها في الطبيعة، إذ إن بعضها يوجد في الأرض بكميات أكبر من النحاس على سبيل المثال.
وتضم مجموعة عناصر الأرض النادرة 17 عنصرًا كيميائيًا من بينها (السكانديوم، الإتريوم، واللانثانيدات) وتتميز بخصائص فريدة تجعلها أساسية في التكنولوجيا الحديثة مثل الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية وتوربينات الرياح، وتعد الصين من أكبر الاقتصادات التي طورت التكنولوجيا اللازمة لاستخلاصها وفصلها من قشرة الأرض وأولها.
وحسب "المنصة العربية لمعادن المستقبل" فإن هذه العناصر تكتسب أهمية صناعة مصابيح توفير الطاقة الكهربائية وفي كوابل الألياف الضوئية وأجهزة تصوير الرنين المغناطيسي والأقمار الصناعية. أما في المجال العسكري، فتستخدم في تصنيع معدات، كنظارات الرؤية الليلية والصواريخ دقيقة التوجيه وأنظمة الرادارات والاتصالات المتطورة ومعدات الطيران والملاحة الجوية.
يقول الخبراء في مجال صناعة الأجهزة الإلكترونية الحديثة، إن الهاتف الذكي يُستخدم في صناعته ستة عناصر أرضية نادرة، وأنه لولا تلك العناصر لكان حجم الهاتف النقال بحجم جهاز الحاسوب الشخصي.
وكانت الولايات المتحدة تتحكم في سوق العناصر الأرضية النادرة طيلة النصف الثاني من القرن العشرين بعد أن اكتشفها الباحثون في ماونتن باس، كاليفورنيا عام 1949. وبدأت الصين تدخل هذا المجال بطيئا منذ ستينيات القرن الماضي، ومع بداية الألفية الجديدة طوّرت المصافي الصينية التكنولوجيا المستوردة، وبفضل انخفاض تكلفة الكهرباء في الصين، نشأت المئات من شركات التعدين والمعالجة المربحة لتلبية الطلب المحلي على العناصر الأرضية النادرة.
لكن الصناعة كانت غير منظمة وفوضوية للغاية، حيث تنافست مئات المناجم والمصافي الصغيرة الخاصة ضد بعضها البعض، مما أدى إلى تقليل أرباح بعضها البعض. واعتبارا من العام 2011 بدأت الدولة في التدخل لتنظيم الصناعة، وبعد أربع سنوات، أعلنت الصين النصر، وأغلقت عشرات الشركات الصغيرة للمناجم والمعالجة، ووجهت دمج الشركات الباقية في ست شركات عملاقة، معظمها مملوكة للدولة، أطلق عليها اسم "الستة الكبار".

أخبار ذات صلة.

تحدّيات لا بد من مواجهتها
العربي الجديد
منذ 30 دقيقة

اللاتواصل في زمن التواصل
العربي الجديد
منذ 31 دقيقة

أيام الجوع العالمية في غزّة والسودان
العربي الجديد
منذ 31 دقيقة