
عربي
قُتل 13 مدنياً على الأقل في غارة نُسبت إلى قوات الدعم السريع استهدفت مسجداً في مدينة الفاشر المحاصرة بإقليم دارفور غربي السودان، وفق ما أفاد شهود عيان، اليوم الخميس، في أحدث فصول المأساة التي يعيشها السكان منذ اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع قبل أكثر من عام ونصف العام. تعد الفاشر آخر المدن الكبرى في دارفور التي ما زالت خارج سيطرة قوات الدعم السريع، وتُعتبر حالياً النقطة الأهم في المعارك الدائرة بين الطرفين بعد أن تحوّلت إلى رمز للصمود في وجه الحصار المتواصل منذ 18 شهراً.
مسجد مكتظ بالنازحين في الفاشر يتحول "مصيدة للموت"
وقال شاهد عيان لوكالة فرانس برس: "سقطت قذائف عصراً على مسجد حي أبو شوك، وبعد توقف القصف أخرجنا 13 جثة من تحت الأنقاض ودفنّاها في مقبرة مجاورة". وأضاف أحد الناجين أن نحو 70 أسرة كانت قد لجأت إلى المسجد بعد اقتحام منازلها من قبل قوات الدعم السريع. وقال: "هربنا من القصف في الشوارع إلى المسجد ظناً منا أنه مكان آمن، لكنه تحول إلى مصيدة للموت".
وبحسب الشهود، أُصيب نحو 20 شخصاً آخرين بجروح متفاوتة، بعضهم في حالة حرجة. وتقع الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في قلب الصراع الذي اندلع في إبريل/ نيسان 2023 بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والذي تسبب في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم بحسب الأمم المتحدة.
خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، قُتل ما لا يقل عن 33 شخصاً في هجمات نُسبت إلى قوات الدعم السريع على أحياء مختلفة من المدينة. وقال أحد الأطباء من داخل مستشفى الفاشر إنّ قسم التوليد استُهدف الثلاثاء بمسيّرة، مما أدى إلى مقتل ثمانية أشخاص بينهم طبيبان، وإصابة سبعة آخرين. وأضاف الطبيب، الذي طلب عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنية، لوكالة فرانس برس أن المستشفى "يعمل بأقل من نصف طاقته، وسط نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية والوقود لتشغيل المولدات".
وفي اليوم التالي، الأربعاء، قُتل 12 شخصاً على الأقل، بينهم طبيب وممرّض، وأُصيب 17 آخرون جراء قصف آخر على المستشفى نفسه، وفق ما أفاد زملاء الضحايا. وفي منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، أدى هجوم آخر على مسجد في الفاشر إلى سقوط 75 قتيلاً على الأقل، بحسب المسعفين المحليين، في واحدة من أكثر الهجمات دموية منذ بدء الحرب.
منذ أغسطس/ آب الماضي، تكثّف قوات الدعم السريع قصفها المدفعي وضرباتها الجوية بواسطة المسيّرات على الفاشر، وتمكّنت من السيطرة على أجزاء منها، بينما يواصل الجيش الدفاع عن مواقع محدودة داخل المدينة. وتُظهر صور الأقمار الاصطناعية التي حللها مختبر البحوث الإنسانية في جامعة ييل الأميركية أن قوات الدعم السريع أنشأت سواتر ترابية تمتدّ لنحو 68 كيلومتراً حول المدينة، تاركة ممراً وحيداً بطول أربعة كيلومترات تقريباً للخروج من الفاشر، يتعرض فيه المدنيون للابتزاز مقابل السماح لهم بالعبور.
وقال أحد سكان المدينة: "عناصر الدعم السريع يفرضون رسوماً على المغادرين، تصل أحياناً إلى مئتي دولار للشخص الواحد، ومن لا يستطع الدفع يُمنع من المرور". وبحسب الأمم المتحدة، فرّ أكثر من مليون شخص من الفاشر منذ اندلاع الحرب، أي ما يعادل 10% من إجمالي النازحين داخلياً في السودان. أما عدد سكان المدينة، فقد تراجع بنحو 62%، من أكثر من مليون نسمة إلى نحو 413 ألفاً فقط، بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
ويقول السكان إنهم يمضون معظم أوقاتهم داخل مخابئ حفروها في حدائق منازلهم لحماية أنفسهم من القصف. وقالت إحدى النساء لوكالة فرانس برس عبر الهاتف: "لم نعد نخرج إلا عند الفجر لنجلب قليلاً من الماء، ثم نعود إلى المخبأ. أطفالنا لم يروا الشمس منذ أسابيع".
بعد أكثر من عام ونصف من الحصار، نفدت الإمدادات الأساسية من المدينة. ولم يعد هناك خبز أو دواء، بينما ارتفعت الأسعار إلى مستويات خيالية. حتى علف الحيوانات، الذي استخدمه بعض السكان غذاء للبقاء على قيد الحياة، أصبح نادراً وثمن الكيس الواحد يبلغ مئات الدولارات. ويقول أحد التجار: "كل شيء اختفى. لا طحين، لا أرز، لا دواء. من لا يملك المال يمت جوعاً أو مرضاً".
وتُحذر الأمم المتحدة من أن الأوضاع في الفاشر باتت تنذر بـكارثة إنسانية كبرى، مع اقتراب عدد المحاصرين من نصف مليون شخص يعيشون بلا غذاء أو مياه شرب نظيفة. وقال مارتن غريفيث، منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، إن السودان يواجه "أكبر أزمة نزوح في العالم حالياً، وأحد أسوأ سيناريوهات الجوع التي شهدناها منذ عقود".
اتهامات متبادلة باستخدام أسلحة كيميائية
وفي سياق منفصل، أفاد تقرير إعلامي نُشر، الخميس، بأن الجيش السوداني استخدم غاز الكلور في هجومين شمال العاصمة الخرطوم عام 2024، وفق تحقيق أجرته قناة "فرانس 24" استناداً إلى بيانات مفتوحة المصدر ومقاطع فيديو جرى التحقق منها. وأظهر التحقيق أن الجيش ألقى برميلين من الكلور في سبتمبر/ أيلول 2024 على مناطق قريبة من مصفاة الجيلي النفطية شمال الخرطوم، وقت كانت قوات الدعم السريع تسيطر على المنطقة.
وأوضح التقرير أن برميلاً من الكلور الصناعي أُلقي من طائرة على قاعدة قري العسكرية في الخامس من سبتمبر، ما تسبب في تصاعد سحابة صفراء كثيفة تُظهر بوضوح آثار الغاز السام. ووفق التحقيق، يعود مصدر البراميل إلى شركة هندية كانت قد صدّرتها إلى ميناء بورتسودان في أغسطس/ آب 2024، بهدف استخدامها حصراً في معالجة مياه الشرب. وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن استخدام مادة كيميائية صناعية كسلاح "يمثل سابقة مقلقة" في النزاع السوداني.
ردود متناقضة
ونفت الحكومة السودانية المدعومة من الجيش الاتهامات، ووصفتها بأنها "ادعاءات لا أساس لها وابتزاز سياسي". وأكدت في بيان الشهر الماضي أن تحقيقاً داخلياً لم يكشف عن أي تلوث كيميائي في ولاية الخرطوم. من جانبها، كانت الولايات المتحدة قد فرضت في يونيو/ حزيران الماضي عقوبات على الحكومة السودانية بسبب استخدام أسلحة كيميائية العام الماضي، لكنها لم تكشف عن تفاصيل المواقع أو التوقيت الدقيق لتلك الهجمات.
في المقابل، تتهم قوات الدعم السريع الجيش بشنّ هجمات عشوائية على مناطق مدنية باستخدام الطيران الحربي، بينما يتهمها الجيش بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق في دارفور وارتكاب جرائم ضد الإنسانية. منذ اندلاع الحرب في إبريل/ نيسان 2023، قُتل عشرات الآلاف من السودانيين، ونزح أكثر من 11 مليون شخص في داخل البلاد وإلى خارجها، في حين تصف الأمم المتحدة الوضع في السودان بأنه "الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم".
وفي دارفور، تتفاقم الأزمة يوماً بعد يوم مع استمرار القتال وتراجع الأمل في أي تسوية سياسية قريبة. وتبدو الفاشر اليوم رمزاً لمأساة شعب عالق بين حصار الدعم السريع وقصف الجيش، حيث تختلط رائحة الدم برائحة الجوع واليأس. قال أحد سكانها عبر الهاتف بصوت مرتجف: "نحن نموت بصمت. لا طعام، لا دواء، لا طريق للفرار. العالم كله يسمعنا... ولا أحد يتحرك".
(فرانس برس)

أخبار ذات صلة.

تحدّيات لا بد من مواجهتها
العربي الجديد
منذ 26 دقيقة

اللاتواصل في زمن التواصل
العربي الجديد
منذ 27 دقيقة

أيام الجوع العالمية في غزّة والسودان
العربي الجديد
منذ 27 دقيقة