
عربي
حذر أكاديميون وخبراء تعليم في العراق من تداعيات توسيع خطط القبول في الدراسات العليا بالجامعات في شكل غير منضبط، واعتبروا أن قبول أكثر من 33 ألف طالب للعام الدراسي الحالي في مرحلتي الماجستير والدكتوراه رقم غير مسبوق يهدد الرصانة العلمية في البلاد وسط دعوات إلى وضع خطط قبول مدروسة. وتزامن ذلك مع حصول آلاف الطلاب العراقيين على شهادات عليا من جامعات إيرانية ولبنانية ومصرية وهندية وروسية تتنافس في تقديم عروض لكسب أكبر عدد منهم، ما يضع البلاد أمام فوضى لا تخدم عمل المؤسسة التعليمية ورصانتها العلمية.
وكان وزير التعليم العالي والبحث العلمي، نعيم العبودي، وصف قبول 33 ألف طالب في الدراسات العليا بأنه "رقم كبير لا مثيل له في أي دولة في العالم، ورغم ذلك يطالبوننا بزيادة العدد لأن الدراسات العليا تجلب مخصصات مالية أكبر للشهادات، وهذا خطأ استراتيجي، ولولا المخصصات المالية لما تجاوز عدد المتقدمين للدراسات العليا 3 آلاف".
وأبدت أوساط أكاديمية قلقها من هذه الأرقام التي اعتبرت أنها "خطيرة، ولا تصب في مصلحة المؤسسة التعليمية". وقال عضو نقابة الأكاديميين يوسف الشمري لـ"العربي الجديد": "تعكس الأرقام الفوضى في القبول التي تستند إلى خطط قبول غير رصينة وعمليات غير مدروسة لتدوير المقاعد وتوسيعها. وستضعنا هذه الأرقام مستقبلاً أمام ترهل خطير في أعداد حاملي الشهادات العليا ينعكس على التعيينات في الجامعات وسوق العمل، لذا من الضروري مراجعة خطط القبول كي تتناسب مع الحاجة أولاً، وعدم قبول من لا يملك كفاءة".
وشدد على أن "فقدان معايير الجودة في القبول يهدد مكانة الشهادة العراقية في الداخل والخارج. ونرى اليوم تراجعاً علمياً واضحاً في كتابة رسائل الماجستير والدكتوراه التي يفتقر الكثير منها إلى الحدّ الأدنى من معايير البحث والتحليل والمستوى العلمي".
وتحوّل التنافس للحصول على شهادات عليا في العراق إلى "شكلي"، كما يصفه أكاديميون، بدلاً من أن تكون هناك توجهات علمية رصينة أو مشاريع بحوث ذات قيمة علمية مؤثرة. ورأى متخصصون أن هذا التوجه سيترك تأثيرات سلبية عميقة على المدى الطويل، من بينها تضخم أعداد حملة الشهادات العليا من دون كفاءة علمية حقيقية، وتراجع مستوى البحث، وفقدان الجامعات العراقية قدرتها على المنافسة الإقليمية والدولية.
ورغم التحذيرات المتكررة من النقابات والأساتذة المتخصصين لا توجد خطط واضحة لمعالجة الملف، أو تقنين القبول وفق ضوابط الجودة. وقال الخبير التربوي عبد الواحد السلمان لـ"العربي الجديد": "يعكس استمرار ترهل خطط القبول منذ سنوات غياب الإرادة الحقيقية لوضع معايير صارمة للقبول والإشراف الأكاديمي. وفي ظل غياب الحلول تبقى الرصانة العملية مهددة في الجامعات العراقية، وتتجه الشهادة العليا إلى أن تصبح وسيلة للحصول على امتيازات فقط، وليس للارتقاء بالمعرفة، ما يثبت وجود أزمة أعمق في فلسفة التعليم وإدارته".
ولا تخلو خطط القبول من تأثيرات سياسية، كما قال أستاذ في علم الاجتماع بجامعة بغداد رفض كشف اسمه لـ"العربي الجديد، مضيفاً أن "الضغوط السياسية تتصاعد سنوياً على المؤسسة التعليمية، وتدفع إلى زيادة المقاعد، ما يحقق مكاسب لجهات تقدم نفسها بأنها تدعم الطلاب". أضاف: "يُستثمر توسيع القبول انتخابياً باعتباره إنجازاً شعبياً، بينما يهمل الجانب الأكاديمي وقدرات استيعاب الجامعات العراقية. وهذا الأمر ستكون له تأثيرات سلبية عميقة على المدى الطويل على الجامعات ومستوى التعليم والأداء، خاصة مع منح مقاعد لطلاب لا يستحقونها علمياً".
