
عربي
يعاني اللاجئون الفلسطينيون القادمون من سورية إلى لبنان معاناة مضاعفة، إذ وجدوا أنفسهم عالقين بين أزمتين؛ نكبة اللجوء الفلسطيني المستمرة منذ العام 1948، والحرب السورية التي دمرت مخيماتهم وأجبرتهم على النزوح مرة ثانية، ما اضطر عشرات الآلاف منهم إلى مغادرتها. وتتفاقم مأساتهم في لبنان مع عدم انتظام المساعدات النقدية، وهشاشة وضعهم القانوني، وحرمانهم من الخدمات الأساسية.
وبحسب تقديرات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، لجأ نحو 20 ألف فلسطيني من سورية إلى لبنان، حيث يعيشون ظروفاً معيشية قاسية داخل المخيمات الفلسطينية أو في محيطها. كما أنهم يواجهون تحديات مضاعفة تتعلق بالعمل، والإقامة القانونية، والسكن، والتعليم، والرعاية الصحية. وعلى الرغم من أن "أونروا" تؤمّن بعض المساعدات والخدمات الأساسية، غير أن تراجع التمويل الدولي يهدد مستقبل المساعدات، ما يفاقم حالة القلق وانعدام الأمان لدى هذه الفئة.
وأخيراً، أبلغت وكالة أونروا في لبنان ممثلي اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سورية، أنها ستصرف دفعة مالية تغطي شهراً واحداً فقط، حيث يحصل المستحقون على 25 دولاراً أميركياً للفرد و60 دولاراً للعائلة، مؤكدةً خلال اجتماع عُقد في العاصمة بيروت، أن الأزمة التمويلية تهدد استمرارية المساعدات في المستقبل القريب، حيث تنتفي أي رؤية واضحة بشأن التمويل في الوقت الحاضر، ما يعيق توزيع مساعدات نقدية أخرى حتى نهاية العام، وتبقى المساعدات رهناً بتأمين التمويل من الجهات المانحة.
وأشارت "أونروا" إلى أن احتياجات اللاجئين الفلسطينين القادمين من سورية ستُدرج ضمن نداء الطوارئ لعام 2026 الذي سيُرفع إلى المانحين مطلع العام المقبل، مؤكدةً استمرار جهودها رغم التحديات، لحشد الدعم لهؤلاء اللاجئين وللراغبين بالعودة الطوعية إلى سورية. ولفتت الوكالة إلى أن أزمة التمويل لا تقتصر عليها فحسب، إنما تشمل منظمات دولية ووكالات أممية أخرى اضطرت إلى تقليص برامجها في لبنان. أما في ما يتعلق بعودتهم إلى سورية، فأشارت إلى أنها ستوافي اللاجئين بالآليات الخاصة، وستسعى إلى تأمين الموارد اللازمة لتغطية تكاليف النقل، والمساهمة في إعادة بناء المنازل المدمرة.
وشددت وكالة أونروا على أن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى سورية تبقى طوعية بالكامل، فيما ستواصل تقديم خدماتها الأساسية لهم، ولا سيما في التعليم والصحة. كما أكدت أن حماية اللاجئين أولوية قصوى، وأنها تنسّق مع المعنيين في لبنان وسورية، لضمان سلامتهم ووصولهم إلى الخدمات الأساسية.
وكشف محيي الدين أبو سلام، أحد اللاجئين الفلسطينيين من سورية، والمقيم في مخيم عين الحلوة (جنوبي لبنان)، أن المديرة العامة لوكالة أونروا في لبنان دعتهم للاستماع إلى مطالبهم وهواجسهم. وخلال اللقاء شرحت لهم واقع التمويل، وأن الوكالة استطاعت تأمين دفعة مالية لشهر سبتمبر/ أيلول فقط، بينما يبقى المستقبل مجهولاً، إذ يفضّل المانحون توجيه الدعم إلى الداخل السوري، خصوصاً بعد تغيّر الأوضاع في سورية.
وتابع أبو سلام لـ"العربي الجديد": "أشارت المديرة العامة إلى أن الخدمات التعليمية والصحية في لبنان ستستمر بالحد الأدنى، لكن الوكالة غير قادرة على تقديم ما هو أكثر من ذلك". وأضاف: "أما بالنسبة لملف الإقامات، فقد أكدتْ أن الأمن العام اللبناني لا يزال يرفض فتح هذا الملف، ما يُبقي مصير آلاف العائلات مجهولاً".
وبحسب قوله، شدد الوفد على أن مطلب فلسطينيّي سورية هو إيجاد حل يضمن لهم حياة كريمة ومساعدات نقدية في لبنان لحين العودة، إضافة إلى ضرورة إعادة إعمار المخيمات المدمرة في سورية، حيث تجاوزت نسبة الدمار 85%، ولا إمكانية للعودة إن لم تتكفل وكالة أونروا بإعادة بناء البيوت المدمرة. وأبدى أعضاء الوفد أسفهم لعدم تلقي اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سورية الدعم الكافي، خلافاً لما جرى مع اللاجئين السوريين الذين حظوا ببرامج دعم عبر الأمم المتحدة. وأكدوا أن القضية سياسية أكثر منها إغاثية، مطالبين بضمانات واضحة بشأن إعادة إعمار المخيمات والمنازل، أو تأمين بدل إيجار والخدمات الأساسية، شرطاً أساسياً لعودتهم إلى سورية، أو إعادتهم إلى موطنهم الأصلي، حيث يرفضون أي شكل من أشكال التوطين.
