
عربي
شكل الإعلان الرسمي من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب والوساطة القطرية والمصرية عن التوصل إلى اتفاق بين حركة حماس وإسرائيل على المرحلة الأولى من خطة نهاية الحرب بارقة أمل للفلسطينيين في قطاع غزة. وجاء الإعلان بعد ثلاثة أيام فقط من مفاوضات مكثفة استضافتها مدينة شرم الشيخ المصرية تخللتها مشاركة وفود عالية المستوى من الولايات المتحدة وقطر وتركيا ومصر إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي.
ويحمل الاتفاق في مراحله الأولى تنفيذ بنود أساسية تتمثل في إعادة تموضع للقوات الإسرائيلية والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين مقابل الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين وإدخال المساعدات. وستنطلق الجولة الثانية من المفاوضات التي تبحث قضايا المرحلة التالية من الاتفاق المتمثلة، في إبعاد حركة حماس وسلاح الحركة وشكل الحكم، بعد تنفيذ المرحلة الأولى، وهي ملفات تبدو شائكة للغاية.
ويخشى الفلسطينيون من تكرار التجربة نفسها التي حصلت خلال الاتفاق السابق المبرم في الدوحة في يناير/كانون الثاني الماضي، والذي تنصلت منه إسرائيل في مارس/آذار من العام نفسه. وتبدو مفاوضات المرحلة الثانية أشد وأكثر قسوة نظراً لصعوبة الملفات التي ستبحثها بالذات مع حالة التشدد في الموقف الإسرائيلي في الكثير من المواقف الصادرة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
في الوقت الذي ترفض فيه حركة حماس وفصائل المقاومة فكرة نزع السلاح قبل إقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، ما سيجعل هذه الجولة أشد ضراوة وأكثر وقتاً. في المقابل، تبدو ملفات الانسحاب الكامل من غزة واحتفاظ الجيش بالبقاء في الكثير من المناطق هي من الملفات الحساسة التي قد يكرر معها سيناريو مشابه للأحداث الحاصلة في لبنان. ويكرر الاحتلال عبر مسؤوليه إعلانات تتحدث عن استمرار السيطرة الأمنية وملاحقة القيادات والمسؤولين في حركة حماس أو الأجهزة المحسوبة عليها، ما يعني أن الاحتلال سيبقي سيطرته النارية على القطاع.
خطوة مهمة
في الأثناء، قال الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا إن "الاتفاق الأخير يُعد خطوة مهمة وجاء بعد فترة طويلة من الجمود تمتد لنحو ستة أشهر منذ انهيار الهدنة الأولى بسبب الخروقات الإسرائيلية". وأوضح القرا لـ"العربي الجديد" أن الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، أبدت مرونة عالية في التعاطي مع ما ورد في المقترح الأميركي، مع تأكيد ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وملف تبادل الأسرى الذي كان من المتوقع أن يكون أكثر سهولة مقارنةً بالقضايا الأخرى، نظرًا لتحديد الأعداد والفئات والأسماء بشكل مسبق.
وأضاف أن البند الأكثر أهمية بالنسبة لحركة حماس يتمثل في الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع باعتباره شرطًا أساسيًا للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، في حين سيُبحث ملف "اليوم التالي لغزة" لاحقًا، وهو يرتبط بقضايا حساسة مثل السلاح وإدارة القطاع. وأشار القرا إلى أن ما يجري يمثل مرحلة اختبار حقيقية، في ظل الضغوط الأميركية والدولية المكثفة الهادفة إلى تثبيت وقف إطلاق النار وضمان استمرار المسار السياسي، مؤكدًا أن هذه التطورات تأتي نتيجة الضغوط الدولية، والأوضاع الداخلية المعقدة، واستنفاد إسرائيل قدرتها العسكرية في تحقيق أهدافها المعلنة من الحرب على غزة. ولفت إلى أن "الأيام المقبلة ستكون بمثابة اختبار حقيقي للاتفاق بالذات بعد تسليم الأسرى الإسرائيليين وبدء بحث قضايا اليوم التالي للحرب"، مؤكداً أن ذلك سيتطلب جهداً أكبر من الوسطاء والإدارة الأميركية.
قضايا غامضة
بدوره، رأى الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم أن "هناك الكثير من القضايا الغامضة التي لا تزال بحاجة لبحث مثل ملف الانسحابات من غزة"، مشيراً إلى أن المرحلة الأولى توحي بأن الكثير من البنود كانت جاهزة. وقال إبراهيم لـ"العربي الجديد" إن إنجاز المرحلة الأولى من الاتفاق وتحقيق وقف إطلاق النار ووقف عملية التهجير تمثل خطوة مهمة في بقاء الناس على أرضهم، مشيراً إلى أن المرحلة المقبلة ستكون صعبة في حل بعض القضايا المتمثلة في تحكم حماس بالحكم ومسألة سلاحها.
ولفت إلى أن هناك توجهًا عربيًا - إسلاميًا لأن يكون شكل اليوم التالي خاضعًا للسيطرة والحضور العربي وليس عبر إدارة دولية يقودها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير كما سعت إليه الخطة الأميركية المعلنة. وبحسب الكاتب والمحلل السياسي، فإن الدول العربية ستتحمل الكثير من الأعباء على صعيد إعادة الإعمار والقدرة على إبقاء الاتفاق صامدًا وعدم إخلاء أي طرف به، بالذات الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى لإقصاء حماس من غزة ونزع سلاحها.
وفجر الخميس، أعلنت حماس في بيان لها أنه "وبعد مفاوضات مسؤولة وجادّة خاضتها الحركة وفصائل المقاومة الفلسطينية حول مقترح الرئيس ترامب في شرم الشيخ، بهدف الوصول إلى وقف حرب الإبادة على شعبنا الفلسطيني، وانسحاب الاحتلال من قطاع غزّة؛ تم التوصّل إلى اتفاق يقضي بإنهاء الحرب على غزّة، وانسحاب الاحتلال منها، ودخول المساعدات، وتبادل الأسرى". ودعت الحركة الرئيس ترامب والدول الضامنة للاتفاق، ومختلف الأطراف العربية والإسلامية والدولية، إلى إلزام حكومة الاحتلال بتنفيذ استحقاقات الاتفاق كاملةً، وعدم السماح لها بالتنصّل أو المماطلة في تطبيق ما تم التوافق عليه.
