"شي إن"... الموضة الصينية السريعة في مواجهة الأناقة الفرنسية
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
عُرفت فرنسا تاريخياً بموقفها الصارم من الأزياء السريعة، تلك التي تُنتَج بكميات كبيرة وبأسعار زهيدة، وتفتقر إلى الحس الجمالي والحرفية اللذين تعتبرهما باريس جزءاً من هويتها الثقافية. ويُروى أن هذا الموقف بلغ حدّ مقاطعة علامات عالمية كـ"فيكتورياز سيكريت"، التي لم تُفتح لها أي متاجر في فرنسا. لكن مع الانفجار الصيني في عالم الأزياء السريعة جداً، تشدّد الموقف أكثر. فقد أُغلِقت متاجر عديدة لعلامتي "شي إن" (Shein) و"تيمو" (Temu) في الأراضي الفرنسية، وغُرّمت شركة "شي إن" بأربعين مليون يورو بتهمة "الإعلانات الخادعة". بل إن الحكومة الفرنسية أقرّت هذا العام قانوناً يمنع علامات الأزياء السريعة من فتح متاجر جديدة، بسبب الأثر البيئي الكارثي لهذه الصناعة. ورغم ذلك، لم تسلم حتى بعض دور الأزياء الفاخرة من الاتهامات نفسها باستغلال العمالة الرخيصة في مصانعها، ما جعل النقاش أكثر تعقيداً وتناقضاً. رغم الغرامات والتدابير القانونية، أعلنت شركة "شي إن" نيتها افتتاح متجرين جديدين في قلب باريس، داخل مركز التسوّق الشهير "غاليري لافاييت". إدارة المركز التي وافقت على الخطوة الجديدة أصدرت بياناً متحفظاً قالت فيه إن "هذا النوع من العلامات يتناقض مع قيمنا"، لكن الموافقة أثارت عاصفة من الغضب، ترافقت مع عريضة شعبية ضخمة لمنع العلامة الصينية من دخول السوق الفرنسية. تواجه "شي إن" اتهامات جدّية تتعلّق بـ"الاستغلال والعبودية الحديثة وتلويث البيئة"، إلا أن هذه التهم لا تنفرد بها، إذ تُلاحق شبهات مشابهة عدداً من علامات الأزياء السريعة العاملة في فرنسا، بما في ذلك التهرّب الضريبي. وهنا يبرز سؤال أساسي: ما الذي يجعل الموقف الفرنسي من "شي إن" بهذه الحدّة؟ الجواب، وفق محللين، لا يقتصر على البيئة أو الأخلاقيات، بل يتعلّق مباشرةً بـتهديد "شي إن" لصناعة الأزياء الفرنسية نفسها. فهذه العلامة تكسر الإيقاع الموسمي التقليدي للموضة، وتغرق السوق بمنتجاتها اليومية الرخيصة التي تُحاكي أحدث الاتجاهات بسرعة مذهلة. هي لا تتبع الموضة، بل تلاحق "الخوارزمية" وما يطلبه جمهور الإنترنت. والأخطر، بحسب صُنّاع الموضة الفرنسيين، أنها تسرق التصاميم من العلامات الفاخرة وتقدّم نسخاً رخيصة يصعب تمييزها قبل الشراء. بهذا المعنى، تقوّض "شي إن" مبدأ "الاستخدام" في الموضة، وتستبدله بمبدأ "الاستعراض"، حيث لا قيمة للقطعة بقدر ما تملك من قدرة على الظهور والانتشار. في المقابل، يتناقض هذا النمط التجاري مع فلسفة المصمّمين المستقلين والمتاجر الصغيرة المنتشرة في فرنسا، أولئك الذين يبحثون عن "ذوّاقة" لا "مستهلكين". فالأزياء لديهم ليست سلعة، بل ذوق وهوية، والكمّ الهائل الذي تغرق به "شي إن" السوق يهدّد بانقراض هذا النمط الحرفي الفريد. رغم المواقف الغاضبة، لا يمكن تجاهل الجانب الآخر من الصورة: الاحتفاء الشعبي بافتتاح متاجر "شي إن" في باريس. فقد تحوّلت أكياس التسوّق التي تحمل شعار العلامة إلى رمز جديد للفخر والاستعراض في شوارع العاصمة، تُرى في المترو وفي المقاهي بين أيدي المتسوقين الشباب الذين يتباهون بها كما لو كانت حقائب من دور الأزياء الفاخرة. وباتت تظهر فئة من المتسوقين الذين يدمجون قطع "شي إن" الرخيصة ضمن أزيائهم الأنيقة لتوفير المال، في مزيجٍ ذكيّ يصعب كشفه إلا بعيون خبيرة. هكذا، تتسلل الأزياء السريعة جداً إلى مشهد الموضة الباريسي، في تقاطعٍ مربك بين الرغبة في التوفير والرغبة في التميّز. لكن خلف هذا البريق سؤال اقتصادي بحت: هل تخشى فرنسا المنافسة؟ الجواب الأرجح: لا، لأننا لسنا أمام منافسة عادلة. فالأزياء السريعة جداً تعتمد على التسوّق الرقمي، لا على المتاجر التقليدية، وسعرها المنخفض يدفع نحو ما يُعرف بـ"التسوق الهوسي"، ما يهدّد بتغيير جذري في عادات الاستهلاك الفرنسية. ردود الفعل الفرنسية على دخول "شي إن" كانت عنيفة. مجلة "مدام فيغارو" أعلنت الخبر تحت عنوان لاذع: "وصل العار". وفي المقابل، رأى بعض أصحاب المتاجر الكبرى خارج باريس أن وجود "شي إن" قد يعني ببساطة مزيداً من الزبائن ومزيداً من الحركة التجارية. لكن الرد الأقسى جاء من مجموعة من العلامات التجارية الفرنسية التي أعلنت أنها ستغلق محالها في متجر "بي أش في" (BHV) وسط باريس إن تم افتتاح فروع "شي إن" فيه، معتبرة أن العلامة الصينية "لا تحترم الأعراف الأوروبية في ما يخص البيئة والعدالة الاجتماعية".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية