
عربي
في الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، خاطب الرئيس الأميركي دونالد ترامب نحو عشرة آلاف من جنود البحرية الأميركية، قائلاً "علينا أن نتعامل مع هذه البعوضة الصغيرة التي تمثّل خطراً علينا، ألا وهي الديمقراطيون"، في تجاهل لتقليد تاريخي بإبقاء الجيش خارج السياسة. كان ذلك الخطاب الذي لاقى انتقاداً واسعاً بعد أيام قليلة من وقوفه أمام حوالى 800 جنرال من قيادات الجيش الأميركي حول العالم، معلناً أنّ الجيش يجب أن يركّز على "الحرب في الداخل"، وأنّ المدن "يجب أن تكون ساحات تدريب للجيش من أجل التركيز على العدو الداخلي"، بعدها بأيام تصاعدت نبرة الرئيس في التلويح باللجوء إلى قانون التمرد.
وكرر ترامب التهديد باستخدام قانون التمرد في إطار سعيه لإلزام الولايات بالاستجابة له لتنفيذ خططه بإرسال الحرس الوطني والجيش لمساعدة قوات إنفاذ القانون، لاسيما قوانين الهجرة. وأشار هذا الأسبوع إلى أنه قد يلجأ إذا لزم إلى الصلاحيات الرئاسية الشاملة الممنوحة له بموجب قانون التمرد. كذلك قال للصحافيين، أمس الثلاثاء: "لقد طُبّق هذا القانون من قبل. نريد مدناً آمنة"، مما فتح الباب لتفاقم التوترات السياسية بفعل الخلافات مع الديمقراطيين، الذين يرفضون الإجراءات التي يسعى الرئيس لتنفيذها مؤكدين أنها غير دستورية.
وسبق أن هدد ترامب في ولايته الأولى باستخدام قانون التمرد الصادر عام 1807، غير أنه لم ينفذ تهديده فعلياً. وأول أمس الاثنين، ذكر ترامب كلمة "تمرد" 5 مرات في عدة تصريحات مختلفة، واصفاً الاشتباكات في مدينة بورتلاند بأنها "تمرد. تمرد إجرامي". وقال في هذا السياق "لدينا قانون التمرد لسبب وجيه… أريد التأكد من عدم مقتل الناس"، بينما وصف الديمقراطيين الثلاثاء لمعارضتهم مشروعه "الكبير والجميل" بأنهم "أشبه بالمتمردين"، غير أنه أقرّ الوقت ذاته بأنه لا يعتقد أنّ معايير استخدام هذا القانون قد استوفيت بعد.
وسبق أن عزل مجلس النواب الأميركي، ترامب في عام 2021 بتهمة "التحريض على التمرد"، غير أن مجلس الشيوخ أبطل عزله آنذاك مع رفض الجمهوريين عزل الرئيس. وكانت آخر مرة استخدم فيها قانون التمرد عندما لجأ إليه الرئيس جورج بوش الأب، وذلك بناء على طلب كل من رئيس مدينة لوس أنجليس الديمقراطي وحاكم ولاية كاليفورنيا الجمهوري آنذاك، خلال أعمال شغب في لوس أنجليس عام 1992، اندلعت بعد تبرئة القضاء لضباط شرطة اعتدوا على شخص من ذوي البشرة السوداء يدعى رودني كينغ بالكرابيج، والتقطت كاميرا أحد الأشخاص المشهد مما حوّلها إلى حالة غضب عامة في انتظار العدالة التي قضت بتبرئة رجال الأمن.
سبق أن عزل مجلس النواب الأميركي، ترامب في عام 2021 بتهمة "التحريض على التمرد"، غير أن مجلس الشيوخ أبطل عزله آنذاك
ورغم أن قانون التمرد قد يسمح للرئيس بتجاوز أحكام المحاكم التي تمنع نشر قوات الحرس الوطني والجيش لأسباب قانونية، إلا أنه ليس واضحاً إلى أي مدى ستطلب بعض الولايات من الرئيس التدخل من عدمه. غير أنّ المواد والمعايير الأخرى واسعة وفضفاضة، مما يمنح ترامب سلطات واسعة تتجاوز سلطة حكام الولايات، وهو ما يسعى لتطبيقه في الولايات الديمقراطية التي تعارض مطالبه بدعم قوات إنفاذ القانون الفيدرالية، خاصة قوات إنفاذ قوانين الهجرة.
قانون التمرد.. متى يلجأ الرئيس إليه؟
ويرغب ترامب في تكرار نموذج العاصمة واشنطن في باقي أنحاء البلاد، رغم الاختلافات الجوهرية بين العاصمة (مقاطعة كولومبيا) لأنها ليست ولاية وبين بقية الولايات، ويتولى الرئيس سلطة الحرس الوطني في واشنطن، أما باقي الولايات فطبقاً للقانون يخضع الحرس الوطني لسلطة الحكام فيها، كما أن لهم سيطرة وسلطة على مجريات الأمور داخل ولايتهم. وأخضع الرئيس شرطة العاصمة واشنطن لسلطته الفيدرالية ووجهها للعمل مع قوات إنفاذ قوانين الهجرة والقوات الفيدرالية للتفتيش والقبض على مقيمين دون أوراق ثبوتية. وحال تفعيل ترامب قانون التمرد فإنه يرغب في استخدامه ضد رغبات الحكام الديمقراطيين، حيث يرى أنّ هذا القانون "وُجِدَ لسبب ما".
وينصّ قانون التمرد بوضوح في أحد مبررات اللجوء إليه، إلى أنّ الرئيس يستطيع استخدامه "بناء على طلب حاكم الولاية أو الهيئة التشريعية بالولاية"، بينما ينصّ القانون في فقرة أخرى على أنّ الرئيس عندما يجد أنّ "التجمعات غير القانونية أو التشكيلات أو التمرد ضد سلطة الولايات المتحدة تجعل أنه من غير المناسب عملياً إنفاذ قوانين الولايات المتحدة في أي ولاية من خلال الإجراءات القضائية العادية، يجور له استدعاء أي من مليشيات أي ولاية إلى الخدمة الفيدرالية واستخدام القوات المسلحة حسبما يراه ضرورياً، لإنفاذ تلك القوانين أو لقمع التمرد".
كما ينص بند آخر على أنّ الرئيس يحق له من خلال استخدام "المليشيات أو القوات المسلحة أو كليهما أن يتخذ ما يراه ضرورياً من إجراءات لقمع أي تمرد، أو عنف، أو اتحاد غير قانوني، أو مؤامرة في أي ولاية (…) وإذا أعيق تنفيذ قانون تلك الولاية وقوانين الولايات المتحدة داخل الولاية".
ترهيب لإثارة الخوف؟
ومن جانبه، انتقد رئيس مركز برينان للعدالة في كلية الحقوق بجامعة نيويورك مايكل والدمان، في بيان له، إعلان إدارة ترامب قانون التمرد وخططها لاستخدامه. وقال والدمان إنّ استخدام مصطلح تمرد ليس سوى مجرد "مبالغة مفرطة لوصف الاحتجاجات"، و"يشير بوضوح إلى أن الغرض من استخدام قوات الجيش هو استخدامها فقط من أجل الترهيب لإثارة الخوف".
وأشار إلى أن قانون التمرد يعد الاستثناء النهائي لقانون بوسي كوميتاتوس، الذي يحظر على الرؤساء نشر الجيش محلياً، حيث يجيز نشر القوات لقمع "تمرد، أو عصيان أو عنف أو أحداث مماثلة تعيق تنفيذ القانون الفيدرالي أو قانون الحقوق المدنية"، لافتاً إلى أنه لم يتم استخدامه سوى 30 مرة خلال 230 عاماً.
وحذر والدمان من أنّ ما وصفه بـ"تردد المحكمة العليا في تقييد الرئاسة الإمبريالية، قد يؤدي لفقدانها ثقة القضاء الفيدرالي وجزء كبير من البلاد، وقد يعرّض الديمقراطية لخطر بالغ". ودعا الكونغرس إلى القيام بدوره وأن يمارس سلطته، مشيراً إلى أن هناك رؤية جمهورية وديمقراطية منذ مدة إلى ضرورة إصلاح هذا القانون. وأشار إلى تصريحات السيناتور الجمهوري راند بول (وجّه انتقادات حادة لسياسات ترامب) التي انتقد فيها عمليات نشر القوات العسكرية للمشاركة في عمليات محلية مثل اقتحام منازل وتنفيذ اعتقالات وغيرها من الأدوار التي تؤديها قوات إنفاذ القانون المحلي، مشدداً على أنّ قانون التمرد "أداة خطيرة في يد أي رئيس ويجب إصلاحه".
وسبق أن وصفت مراجعة أجراها مركز برينان عام 2022، للقانون، بأنّ بنوده "فضفاضة بشكل مربك لدرجة أنه لا يمكن أن يعني ما ينصّ عليه، وإلا فإنه يسمح للرئيس باستخدام الجيش ضد أي شخصين يتآمران لخرق القانون الفيدرالي"، لا سيما أنّ المصطلحات الواردة لا يتم تعريفها، وتترك للرئيس تحديد ما يشكّل تمرداً أو عصياناً ومتى يتم قمعه.

أخبار ذات صلة.

اتفاق على تشكيل حكومة ائتلافية في اليابان
العربي الجديد
منذ 18 دقيقة