
عربي
مع دخول حرب الإبادة على غزة عامها الثالث، يتجلّى تحالف سياسي وأيديولوجي متنامٍ بين اليمين الإسرائيلي بقيادة رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونظرائه من التيارات القومية والشعبوية في أوروبا وأميركا، التي كانت حتى الأمس القريب تُعد رموزاً لمعاداة السامية والنازية الجديدة.
ولا تقتصر اتهامات نتنياهو على أن "الاحتجاجات والمقاطعة يقوم بها مسلمو أوروبا"، على خطاب عنصري؛ بل تشكل تحريضاً مباشراً للتيارات اليمينية المتطرفة ضد مواطنين من أديان وأعراق مختلفة، لتتحوّل إسرائيل من ضحية تاريخية لمعاداة السامية إلى حليف استراتيجي لتلك التيارات، بالاستناد إلى الخطاب المعادي للمهاجرين والمسلمين. في المقابل، تؤكد حركات التضامن مع فلسطين، بمن فيها فلسطينيو الشتات، أن مقاومتها سلمية ومناهضة للاحتلال، لا تستند إلى أي عداء لليهود، وتشاركها هذا الموقف تيارات يهودية تقدمية مثل "يهود من أجل السلام" و"ليس باسمنا".
تحالف المصالح: إعادة تعريف "معاداة السامية"
منذ عودة نتنياهو إلى السلطة عام 2009، وتحول حزب الليكود إلى مظلة لتيارات قومية واستيطانية متطرفة، أعاد التحالف الإسرائيلي-الغربي اليميني تعريف "معاداة السامية" لتصبح أداة سياسية لقمع الأصوات المنتقدة لإسرائيل. لم تعد تعني كراهية اليهود، بل أصبحت تُختزل في "معاداة إسرائيل"، بهذا، تمكّنت تيارات يمينية كانت تُعرف سابقاً بعدائها لليهود من إعادة تشكيل صورتها ودخول تحالفات مع إسرائيل، ما دامت تدعم الاحتلال وتهاجم الإسلام والمهاجرين.
التقاء الخطاب والمصلحة
يشترك الطرفان في خطاب يصوّر الإسلام تهديداً للهوية القومية والدينية، إذ إن إسرائيل تقدم نفسها نموذجاً لدولة صارمة تحمي حدودها من "الإرهاب الإسلامي"، وهو النموذج الذي يسعى اليمين الغربي لتقليده. كذلك، يشتركان في العداء لليسار المؤيد للفلسطينيين والمهاجرين، ورفض قيم التعددية وحقوق الإنسان. في هذا الخطاب المشترك، لم يعد العدو هو العنصرية أو الفاشية، بل "التهديد الإسلامي"، حيث يُعاد إنتاج صور نمطية للمسلم كـ"الآخر" المهدد.
أوروبا: القومية المتطرفة تتبنّى إسرائيل
رغم اتهامات جرائم الحرب في غزة، تحظى إسرائيل بدعم متزايد من تيارات اليمين القومي الأوروبي. ففي فبراير/شباط الماضي، انضم الليكود بصفة مراقب إلى تحالف "وطنيون من أجل أوروبا" ويضم: حزب "الحرية" في النمسا، الذي كان يتهم منذ أيام زعيمه الراحل يورغ هايدر بأنه يمجد النازية وتحول إلى داعم لإسرائيل في وجه "الإسلام الراديكالي"، و"تحالف فيديز" في المجر الذي يعتبر إسرائيل حصناً لأوروبا المسيحية، والذي سبق أن روج لمؤامرات معادية للسامية، و"إخوة إيطاليا" في إيطاليا ذي الجذور الفاشية بزعامة رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني، التي تدعم إسرائيل وتهاجم حركة المقاطعة (بي دي أس)، و"التجمع الوطني" في فرنسا، إذ تسعى ماريان لوبان لتلميع صورتها عبر التحالف مع إسرائيل، رغم ماضي الحزب المتهم بأنه معادٍ للسامية، وحزب "البديل من أجل ألمانيا"، المتهم بتمجيد بعض قادته للنازية، لكنه بات يعبّر عن دعم واضح لتل أبيب، التي تعتبره حليفا قويا، إضافة إلى أحزاب يمينية في السويد والدنمارك وفنلندا، أصبحت أكثر ولاءً لإسرائيل، رغم اتهامها بماضيها الفاشي.
يرتكز هذا التحالف على خطاب متشدد ضد الهجرة والإسلام ، ويدعم إسرائيل بشكل كامل، معتبراً إياها نموذجاً لدولة قومية تدافع عن هويتها.
الولايات المتحدة: إسرائيل في قلب "الحرب الثقافية"
في عهد دونالد ترامب الأول في 2016 عُزز التحالف الأميركي- الإسرائيلي بشكل غير مسبوق من خلال نقل السفارة إلى القدس، والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، ووقف دعم وكالة أونروا، وتشجيع التطبيع العربي. ولقي هذا التحالف دعماً من التيارات الإنجيلية واليمين الأبيض المتطرف، الذين يرون في إسرائيل شريكاً في "حرب حضارية" ضد الإسلام والتيارات اليسارية، بل إن بعض ساسة أميركا عبروا أخيرا عن أن دعم دولة الاحتلال بمثابة واجب ديني- عقائدي. ورغم غياب تحالفات رسمية مع يمين أوروبا المتطرف، إلا أن الخطاب بين الطرفين ظل منسجماً في دعم إسرائيل ورفض أي انتقاد لسياساتها.
تصدير الإسلاموفوبيا
يستخدم نتنياهو خطاباً يُقارب الإسلام بالإرهاب، ويشبه حماس، وغيرها فلسطينيا، بتنظيمات مثل داعش والقاعدة وهجمات 11 سبتمبر، وهو خطاب يتلقّفه اليمين الغربي لتبرير سياساته ضد المهاجرين. وبات نتنياهو، الغارق في فكر الأبارتهايد، يلقي الاتهامات جزافًا ضد مجموعات دينية، في تحريض مباشر لم يثِر ردودًا تُذكر، بالمقابل، إن صرح سياسي عربي بأن "اليهود في أوروبا وأميركا سبب أزمة العلاقة معهما"، فسيقابل تصريحه بعاصفة من الإدانات، بينما تمرّ اتهامات نتنياهو لمسلمي أوروبا بالصمت. هذا التواطؤ يزيد من نقمة حركة التضامن الأوروبية المتنامية ضد سياساته. وفي السياق، تتحوّل الإسلاموفوبيا إلى قاسم مشترك للتحالف، بحيث:
تُقدَّم إسرائيل كنموذج لدولة قومية "ناجحة" تستخدم القوة بلا تردد.
يُنظر إلى الإسلام تهديداً وجودياً للهوية الغربية.
تُستخدم تصريحات إسرائيلية لتبرير سياسات عنصرية في الغرب.
ازدواجية التطبيع والتحريض وهشاشة التحالف.
وبينما تطبّع إسرائيل علاقاتها مع أنظمة عربية وإسلامية، تساهم في الوقت نفسه في تغذية خطاب الكراهية ضد العرب والمسلمين في الغرب، ما يكشف ازدواجية بين "السلام مع الأنظمة" و"التحريض على الجاليات". ومثل هذا التحالف يمكن أن تكون له تداعيات على الجاليات المسلمة والعربية بحيث تتصاعد الرقابة والتشكيك والتضييق على المسلمين والعرب، وتتصاعد جرائم الكراهية، وتضيّق حرية التعبير والتدين، ويجرّم التضامن مع فلسطين عبر قوانين تصف انتقاد إسرائيل بـ"معاداة السامية"، وتلاحق مؤسسات تعليمية وخيرية بذريعة الأمن.
ورغم تماسكه الظاهري، إلا أن هذا التحالف هشّ تحت ضغط التناقضات، لاستمرار العنصرية الثقافية ضد اليهود داخل التيارات الغربية نفسها، ورفض الجاليات اليهودية التقدمية لهذا التحالف، وتقلبات السياسة التي قد تُنهي هذه التحالفات سريعاً، وتزايد الوعي والرفض الشعبي، خاصة بين الشباب. في كل الأحوال، فإن تحالف نتنياهو مع اليمين المتطرف ليس تحالف قيم بل تحالف مصالح، بل إنه يخدم الطرفين مؤقتاً عبر خطاب معادٍ للمسلمين واليسار، لكنه يهدد التعددية ويعمّق الانقسامات الاجتماعية.
على المدى البعيد، قد تُدرك إسرائيل أنها دعمت قوى لا تؤمن أصلاً بحقها في الوجود، لا بوصفها "دولة يهودية"، ولا حتى دولة "حضارية" تُشارك قيم الغرب الليبرالي، بل إن بعض شخصيات "ماغا" في أميركا بدأت تتساءل عن جدوى دعم تل أبيب على حساب دافعي الضرائب والمصالح القومية، ما يزيد من قلق إسرائيل إزاء عزلة محتملة، بانتقال الأسئلة إلى الأوساط القومية المتشددة في القارة، مثلما تجري حول دعم أوكرانيا على سبيل المثال.

أخبار ذات صلة.

تحدّيات لا بد من مواجهتها
العربي الجديد
منذ 23 دقيقة

اللاتواصل في زمن التواصل
العربي الجديد
منذ 24 دقيقة

أيام الجوع العالمية في غزّة والسودان
العربي الجديد
منذ 24 دقيقة