نتنياهو وحربه على غزة: حين تصبح الإبادة وسيلة للبقاء في السلطة
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
يُتهم رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من قبل أوساط إسرائيلية، بإطالة أمد حرب الإبادة على قطاع غزة لمصالح وحسابات شخصية وأخرى تتعلق بائتلافه الحاكم، فضلاً عن زعزعته بعض الأسس التي قامت عليها إسرائيل وتخليه عن المحتجزين، وإضعاف مؤسسات الدولة، والتعلّق بنرجسيته، فيما يحتار الكثيرون كيف تكون أطول حروب إسرائيل أمام فصيل فلسطيني في منطقة جغرافية صغيرة ومحدودة. وإذا كان دافع الانتقام رداً على عملية "طوفان الأقصى" التي نفّذتها حركة حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول واستعادة الردع الإسرائيلي، هو ذريعة حكومة الاحتلال في بداية العدوان، الذي اعتبره نتنياهو حرباً وجودية وحرب نهضة، فقد تكشّف مع الوقت، من خلال تصريحات ومواقف، وجر العدوان على مدار عامين، وما يحدث على أرض الواقع في غزة، وإحباط مقترحات الصفقة المتعاقبة، أن الإبادة والتهجير وجرائم الحرب، ومخططات احتلال غزة، هي أهداف بحد ذاتها، تحرّكها أيديولوجيا راسخة لدى الكثير من المسؤولين الإسرائيليين، وإلا كيف يمكن تفسير قتل أكثر من 67 ألف فلسطيني معظمهم من المدنيين، وجرح عشرات الآلاف، وتجويع مئات الآلاف، وتدمير القطاع؟ ويتحكم نتنياهو بزمام الأمور ويوظفها لصالحه ومصالحه، مستغلاً كذلك ظروفاً داخلية، منها المعارضة الهشّة التي تشظّت مع الوقت لتفرز المزيد من الأحزاب، والصراعات على قيادتها. ورغم إدراك إسرائيل، حتى وفق محللين ومسؤولين، بأنها قضت منذ فترة طويلة على معظم قدرات حماس العسكرية، وأن الحركة لم تعد قادرة على إدارة قطاع غزة، إلا أن دولة الاحتلال تواصل الإبادة. ومن هنا كثيرة هي الأصوات الإسرائيلية التي ترى أن الحرب كان يجب أن تنتهي منذ عام أو أكثر. ومن هؤلاء من يشير إلى العزلة الدولية، ونبذ الإسرائيليين في أماكن كثيرة، والرأي العام المتصاعد في العالم ضد إسرائيل. ورغم الاتهامات لنتنياهو، فإن حرب الإبادة شهدت شبه إجماع إسرائيلي، خاصة في بدايتها، قبل أن يتصاعد في مرحلة متأخرة أكثر الحراك الداعي لإعادة المحتجزين، ولاحقاً الأصوات التي دعت لإنهاء العدوان، بالأساس بسبب تضرر المصالح الإسرائيلية. في غضون ذلك، أعاد العدوان المستمر منذ عامين إلى الواجهة حالة الاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي. ومن بين القضايا التي برز فيها ذلك ترتيب أولويات حرب الإبادة منذ بدايتها، ما بين من يرى أن إعادة المحتجزين أولوية قبل مواصلة العدوان، ومن يرى أولوية الحسم العسكري. كما طفت قضية تجنيد الحريديم، التي سببت أزمة حتى داخل الحكومة نفسها، بين من يلح على تجنيدهم كسائر القطاعات، ومن يسعى لقانون يعفيهم من ذلك. وليس أقل درجة قضية تتفاعل وقد تتصاعد أكثر بعد انتهاء حرب الإبادة، بشأن تعريف إسرائيل وهويتها، يهودية ودينية أكثر أم ديمقراطية وليبرالية، في ظل ما يحوم حول الأخيرة من تساؤلات بدأت قبل الحرب بخطة الحكومة لتقويض القضاء وسعي الحكومة لإضعاف المؤسسات، واكتسبت زخماً إضافياً خلالها، فيما قد تكون قدرة "الدولة" على إدارة الصراعات الداخلية موضع اختبار، خاصة مع تعيين شخصيات مع أيديولوجيا متطرفة في مواقع حساسة، من قبيل رئيس الشاباك الجديد دافيد زيني. وهناك مسألة أخرى أثيرت في مرحلة سابقة في العامين الأخيرين، وتعود للواجهة من جديد، حول مدى استقلالية إسرائيل في علاقتها بالولايات المتحدة في ظل فرض الولايات المتحدة إرادتها عليها في بعض المواقف. عودة إلى السابع من أكتوبر ومهما فعل نتنياهو وتحدّث عن انتصارات وإنجازات في مختلف الجبهات، من لبنان إلى اليمن إلى إيران وحتى سورية، فإن "عار" السابع من أكتوبر بات مسجّلاً على اسمه. وفي وصف ما حدث، كتب الصحافي والكاتب في صحيفة معاريف العبرية بن كاسبيت، بمناسبة مرور عامين، أن "الهزيمة التي مُنيت بها إسرائيل في السابع من أكتوبر هي الأقسى والأكثر إيلاماً وإذلالاً في تاريخها. حتى في أسوأ كوابيسنا لم نتخيل أن شيئاً كهذا يمكن أن يحدث لنا. أن يتمكن تنظيم إرهابي من شلّ فرقة من الجيش الإسرائيلي تقريباً دون جهد يُذكر، وأن يحتل بلدات إسرائيلية وقواعد عسكرية... ويتصرف داخل الكيبوتسات والمدن وكأنها ملكه، ويختطف مئات المدنيين والجنود، ويُذلّ الجيش الأقوى في الشرق الأوسط، ويترك خلفه أرضاً محروقة. لا شيء مما حدث بعد ذلك يمكنه أن يمحو هذا الحدث، أو يشفي الجرح، أو يخفف من الصدمة. بعد خمسين عاماً ويوم واحد من نجاح جيوش مصر وسورية النظامية والضخمة في مفاجأة الجيش الإسرائيلي، وعبور القناة، واجتياح هضبة الجولان، حدث لنا الأمر ذاته تماماً، ولكن بمفعول مضاعف. هذه المرة، ليس الجيش فقط من تلقى الضربة، بل أيضاً المدنيون. دولة إسرائيل، التي أُنشئت فقط لتكون المكان الوحيد في العالم الذي يمكن لليهود أن يشعروا فيه بالأمان، فشلت في أداء مهمتها". وبرأي الكاتب، فإنه "كان ينبغي أن تنتهي هذه الحرب منذ وقت طويل. أوقفنا الحملة العسكرية ضد إيران بعد 12 يوماً، وأوقفنا الحرب ضد حزب الله بعد بضعة أسابيع. وفي كلتا الحالتين، تحققت إنجازات عسكرية مثيرة للإعجاب، وأُظهر تفوقنا الحاسم على أعدائنا في معظم المجالات. وفي مقدمتها التميّز التكنولوجي والاستخباراتي، والإبداعي. وفقط في غزة، أصررنا على الاستمرار، حتى (إزالة التهديد). ويبدو أن المقصود كان (إزالة التهديد) عن ائتلاف نتنياهو. إسرائيل لم تحدد في تاريخها القضاء التام على العدو باعتباره هدفاً للحرب لسبب بسيط، إنه أمر مستحيل. نحن محاطون بمئات الملايين (في إشارة إلى الدول العربية)، بعضهم كان عدونا طوال معظم السنوات. لا يمكن إبادتهم، ولا يمكن استئصالهم كما يُستأصل الورم السرطاني. يجب هزيمتهم، وردعهم، واقتلاع قدراتهم على الإيذاء لأطول فترة ممكنة، وتعليمهم أن العبث معنا ممنوع. كل هذا تحقق في غزة منذ زمن. هذه الحرب مستمرة حتى هذه اللحظة فقط بسبب القيود السياسية التي يواجهها رهينة يُدعى بنيامين نتنياهو".  واعتبر بن كاسبيت أن "نتنياهو، الذي كانت سياسته في الاحتواء تقوم على فعل كل شيء لتجنب الانجرار إلى أي مواجهة عسكرية مع عدو أو تهديد، استمر في الاحتواء لحماس، لحزب الله، ولكل من هددنا. وكل ذلك انفجر في السابع من أكتوبر بانفجار مجرّي مذهل، حطم حياتنا هنا. ومنذ ذلك الحين، حين أدرك أنه لم يعد لديه ما يخسره، تحوّل إلى (بطل كبير)، على حساب المختطفين، وعلى حساب المصالح الوطنية، وعلى حساب المجتمع، والاقتصاد، والمستقبل، والمكانة الدولية، وكل ما بُني هنا عبر أجيال. اخترع مفهوم النصر المطلق، ومنذ ذلك الحين وهو يطارده على حسابنا. وخلال هذا المطاردة، يتحمل مسؤولية خطيئتين رئيسيتين لا تُغتفران: حملة التحريض غير المسبوقة والمجردة من الضوابط التي يقودها هو وأتباعه ضد أجهزة الأمن، والقادة والضباط، والمؤسسات الرسمية، والجهاز القضائي، وحملة الجهاد التي يقودها هو وأتباعه ضد إنشاء لجنة تحقيق رسمية عاجلة ومطلوبة بشدة"، حول الإخفاق في السابع من أكتوبر.  "أسباب متغيّرة وتشويش وعي الإسرائيليين" وفي صحيفة هآرتس العبرية، اعتبر الصحافي والكاتب أوري ميسجاف أنه "لا يجوز السماح" لأي ظرف "أن يطمس ويخفي الجريمة التي لا تُغتفر التي ارتكبها نتنياهو بحق الروح الإسرائيلية والإسرائيليين، من تمديد، إطالة، وجرّ الحرب إلى فترة وحشية وسريالية امتدت لعامين، بل وأكثر من ذلك، لولا تدخل الرئيس ترامب الحاسم لكان من دواعي سرور نتنياهو إدارة الحرب حتى عامها الثالث. هذا ليس مجرد افتراض أو شعور داخلي. حتى اليوم الذي تراجع فيه وانقلب تحت وطأة تهديدات الرئيس (ترامب)، عمل نتنياهو بكل قوته لتمديد الحرب حتى عمق عام 2026. لقد أمر هيئة الأركان العامة بالتخطيط وتنفيذ احتلال بري جديد وبطيء لمدينة غزة، وشرح للجمهور في مؤتمر صحافي المنطق وراء ذلك بالحماسة نفسها والإصرار نفسه اللذين استخدمهما على مدار العامين لتبرير أسباب متغيّرة لاستمرار الحرب (رفح، محور فيلادلفي، محور موراغ، تدمير الأنفاق)". وبرأي الكاتب، "فُرضت الحرب على إسرائيل في السابع من أكتوبر. لا يمكن الادعاء بأنه كان بالإمكان عدم الرد عسكرياً على اجتياح حماس للأراضي السيادية الإسرائيلية، أو الاكتفاء بإعادة المختطفين والانشغال بلعق جراح الهزيمة ومحاسبة الذات. حتى انضمام حزب الله والحوثيين إلى تبادل الضربات لم يكن بمبادرة إسرائيلية. لكن قرار تمديد الحرب إلى ما لا نهاية هو خيار ساخر ومدروس من قبل نتنياهو. المحاولة الواضحة لتقسيم المعركة إلى مراحل وأجزاء وتسميتها بأسماء غريبة تهدف، بطبيعة الحال، إلى تخدير وتشويش وعي الإسرائيليين. إنها حرب واحدة، حرب نتنياهو، من أجل الحفاظ على سلطته وحكومته".  وتم إلقاء مهمة التنفيذ على جهاز أمني "منهك ومُرتدع"، وفقاً للكاتب، "نتيجة لإخفاقاته في السابع من أكتوبر وفي السنوات التي سبقته، وتحت وطأة هجمات متصاعدة من آلة (في إشارة إلى الحكومة وأقطابها) تعمل ليلاً ونهاراً لإلقاء كامل اللوم عليه (على الجهاز الأمني). الجهد المستمر لإلقاء المسؤولية الحصرية عن الهزيمة على الجيش الإسرائيلي والشاباك يهدف إلى تحقيق غاية مزدوجة، هي إبعاد نتنياهو ومساعديه عن نيران النقد، وفي الوقت ذاته إضعاف قدرة كبار المسؤولين في هيئة الأركان، والاستخبارات العسكرية، وسلاح الجو، وأجهزة الاستخبارات على معارضة إدارة الحرب الكارثية. مُهانين ومُستضعفين، نفذوا حرباً فاشلة بكل المقاييس، تتعارض بشكل صارخ مع عقيدة الأمن الإسرائيلية التي صاغها دافيد بن غوريون وتمسّك بها من خلفوه". ويرى ميسجاف أيضاً أنه "في هذه الحرب، تم التخلي عن المبادئ الأساسية التي تأسس عليها أمن إسرائيل: حروب قصيرة قدر الإمكان، وحسم عسكري سريع يُترجم إلى إنجاز سياسي. وعلى طول الطريق، تم تدمير القيم الجوهرية الإسرائيلية التي بدا، حتى عام 2023، أنها غير قابلة للتشكيك: الحساسية العالية تجاه حياة الإنسان (أي الإسرائيلي)، وحماية الجبهة الداخلية، وإعادة الأسرى والمختطفين، والحفاظ على المناعة الاقتصادية، والالتزام بالشرعية الدولية، وإنشاء لجنة تحقيق رسمية في الإخفاقات الاستراتيجية. والأخطر من ذلك أن مسلّمة أساسية مبدئية، وهي أن الحرب أمر سيئ يجب إنهاؤه، انقلبت رأساً على عقب. فقد عمل نتنياهو على إقناع الإسرائيليين بأن الحرب أمر جيد، ومن الضروري الاستمرار فيها. لهذا الغرض، تم تحديد أهداف مسبقة غير قابلة للتحقيق، وأهداف تكتيكية متغيّرة. لن تنسى كتب التاريخ أنه لم ينهض مسؤول واحد في جميع أذرع الأمن ليضرب على الطاولة، أو يقلبها، أو على الأقل يعلن رفضه المشاركة في قيادة هذه الكارثة التي تتعارض بشكل صارخ مع المصلحة الإسرائيلية. اكتفوا بإبداء رأيهم في الاجتماعات أو بكتابة رسائل، وأنهوا مهامهم عندما سنحت الفرصة. بصمت، وبأنين". "هكذا هزم السنوار ونتنياهو إسرائيل" وبحسب الكاتب، فإن "النتيجة النهائية هي مأساة هائلة. لغزة بطبيعة الحال، ولكن أيضاً لإسرائيل، التي لم يكن وضعها أسوأ مما هو عليه الآن. ومن الصعب حقاً استيعاب كيف أن حرباً ضد تنظيم إرهابي (على حد تعبيره)، دموي لكنه محدود القدرات، في مساحة صغيرة ومغلقة (أي قطاع غزة المحاصر)، استمرت لعامين، وستنتهي على الأرجح بالطريقة نفسها التي كان يمكن إنهاؤها بها منذ زمن. هذا الجنون كلّفنا سقوط مئات الجنود والتضحية بهم، وعشرات المختطفين الذين ماتوا أو قُتلوا في الأسر، وآلاف الجرحى، وعجزاً مالياً فلكياً، وانحداراً غير مسبوق على الساحة الدولية. صحيح أن المهندسين هم نتنياهو ووزراؤه وأتباعه، لكن المسؤولية تقع أيضاً على منفّذي الأوامر في الأجهزة الأمنية، وعدد غير قليل من الإعلاميين الذين خانوا دورهم. وهكذا، هزم يحيى السنوار وبنيامين نتنياهو إسرائيل دون قيد أو شرط".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية