
عربي
بابتسامةٍ لا تخلو من خبث، قرأتُ قبل أيام عن الأسئلة والتحفظات والتخوين واتهامات الفساد التي علقت بجائزة بريستيجية مثل "The Booker Prize" جائزة البوكر. الابتسامة الخبيثة أتت من استعادة لأجواء الجوائز العربية كما لو أنها عملية "قص، لصق" بلا ذرّة إبداع، حيث بات من الواضح أن للجوائز عالمية أو إقليمية، ميكانيكية منتجة لذات الأسئلة.
منذ الإعلان عن قائمتها القصيرة في لندن، 23 الشهر الماضي (سبتمبر/ أيلول)، عرّت "البوكر" المشهد الأدبي بفجاجة، إذ حمل هذا العام حكايات تصلح أن تُروى: وجود الممثلة الأميركية سارة جيسيكا باركر في لجنة التحكيم، فجّر أسئلة حول تضارب المصالح، بعد الكشف عن ارتباطها بمشروع درامي لرواية ورد اسمها في القائمة الطويلة. وهي رواية أنماط الحب Love Forms للكاتبة كلير آدام. المؤسسة المنظِّمة سارعت للتوضيح: لن يتاح لباركر أن تنفرد بالقرار، لكن، كما في كل فضيحة، بقي السؤال حاضراً. ما زاد من العبث، تصريحات رئيس لجنة التحكيم ، الكاتب الإيرلندي رودي دويل، الذي لم يتردّد في القول إن معظم الروايات المقدَّمة لا تستحق المشاركة. معتبراً أن 31 فقط، من أصل 153 عملاً، تستحقّ مناقشتها، حتى أن مشكلات الطباعة لم تنجُ من تهكمه المرّ، ساخراً من الخطوط الصغيرة والإخراج غير المريح للعين. تصريحاته "غير البروتوكولية" أشارت، بصراحة نادرة، إلى أزمة صناعة الأدب، مكللة بالقسوة والازدراء العلنيين بحق كتّاب يبحثون عبر الجوائز عن فرصة للشهرة والغنى.
لم تخلُ القائمة القصيرة نفسها من الجدل، إذ لم تحمل اسم أي عمل روائي أول، فجميع الكتاب الفائزين مكرّسون أدبياً، وهو ما فُسِّر تفضيلاً للأسماء "المضمونة" على الأصوات الجديدة. لم يقتصر الانتقاد على هذا الأمر، فأربعة من أصل ستة كتب وصلت إلى القائمة صدرت عن دور نشر مرتبطة بـ "Penguin Random House"، ما عزّز الشكوك حول سيطرة الناشرين الكبار على مآلات الجوائز، وأن الحظوظ الأدبية لا تنفصل عن حسابات النفوذ التجاري.
ولكن ما يُغفل الحديث عنه غالباً تواطؤ الكتّاب أنفسهم مع هذه الآلية، فكثيرون يقبلون الجوائز بصمت، يسوّقونها، ويغضّون الطرف عن تجاوزاتها وأخطائها، ما دام احتمال دخولهم في دائرتها قائماً. كأنها دائرة مغلقة من المستفيدين، حيث من يُنفون خارجها هم ببساطة من لم ينضموا أصلاً إلى السيرك.
لو بحياة مثالية، لكان على الجوائز أن تكون مختبراً للأصوات الجديدة لا مقبرة لها. أن تكسر سطوة الناشرين الكبار عبر انفتاح حقيقي على كتاب الهامش والمغمورين منهم، حيث تُكتب غالباً النصوص الأكثر صدقاً وجرأة. في حياة مثالية، لن يكون المحكِّمون نجوماً يطلقون التصريحات الصحافية المفرقعة كالألعاب النارية، بل قرّاء شغوفون، يقاربون النصوص بإنصاتٍ لا بسلطوية فجة وتعالي من يمسك صولجان التكريس بأهداب ثوبه العليائي. الجوائز في صيغتها المثالية لا ينبغي أن تُنتج فضائح صغيرة، بل "ربما" أن تفتح فضاءات رحبة للنقاش حول الأدب نفسه: كيف يُكتب؟ ماذا يقدّم لحياتنا؟ أي أسئلة يجرؤ على طرحها؟ في مثل هذا العالم المثالي، قد لا تتحول عندها البوكر أو غيرها من جوائز كبرى لا إلى "معركة نفوذ" بين ناشرين ومحكِّمين وكتّاب، بل إلى فرصة لإعادة الاعتبار إلى الكتابة فعلاً إبداعياً قادراً على رسم خريطة الثقافة ولو بخطوط حرير، ووضع أسماء جديدة على تلك الخريطة، ربما تبدو هذه الرؤية مثالية. لكن الجوائز ستبقى، من دونها، أشبه بعروض سيرك يتفوق فيها الضجيج، ويظل الأدب وحده هو الغائب الأكبر.

أخبار ذات صلة.

اتفاق على تشكيل حكومة ائتلافية في اليابان
العربي الجديد
منذ 14 دقيقة