
عربي
زادت الأسئلة، بعد توقيع تركيا عقود استيراد الغاز الأميركي أخيراً، عن مصير استيراد الغاز الروسي في ظل الضغوط المتزايدة من الرئيس دونالد ترامب على المتعاملين مع موسكو لعزلها اقتصادياً.
وقال ترامب في 25 سبتمبر/ أيلول الماضي "أثق بأن أنقرة ستوقف شراء النفط الروسي"، بعد لقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في البيت الأبيض، وتوجيه ترامب لوقف استيراد النفط والغاز من روسيا، لأن ذلك سيكون "أفضل ما يمكن فعله" للضغط على موسكو وإنهاء حربها في أوكرانيا.
وقال وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، خلال لقاء مع قناة "سي إن إن تُرك" التركية، إن هذا قرار يعود للشركات الخاصة، والموزعين، وشركات التكرير، كما أن مصافي التكرير التركية مصممة لمعالجة الخام المستورد من مصادر قريبة، ما يجعل الواردات من روسيا ضرورة فنية إلى جانب كونها قراراً تجارياً. وفيما يخص واردات الغاز الطبيعي، قال بيرقدار إنه يجب على تركيا الحصول على الإمدادات من مصادر متنوعة من دون أي تمييز، خاصة مع اقتراب الشتاء "علينا شراء الغاز من روسيا، وأذربيجان، وإيران، وتركمانستان، وأي دولة يمكننا الشراء منها".
وتُنوّع تركيا مستوردات الطاقة، إلا أن روسيا وإيران (الموردان التقليديان) يأتيان في مقدمة مصدّري النفط والغاز لبلد يستورد نحو 95% من استهلاكه من النفط، بفاتورة سنوية بنحو 50 مليار دولار، إذ لا يزيد إنتاج تركيا من النفط عن 132 ألف برميل يومياً، في حين يصل استهلاكها إلى نحو مليون برميل، وتسدّ العجز عبر الاستيراد من روسيا التي تمدّ أنقرة بنحو 66% من الحاجة النفطية ونحو 41% من الغاز، بحسب بيانات هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية، فيما تُشكّل مستوردات الغاز الأميركي التي ستبدأ مطلع العام المقبل، نحو 8% من إجمالي الطلب السنوي على الغاز في تركيا.
أهمية الغاز الروسي
المحلل التركي، سمير صالحة، يرى أن "الاستغناء عن روسيا أو عداءها أمر مستحيل"، لأن تركيا عرفت كيف تكون الدولة الوحيدة في العالم التي تحافظ على علاقة طيبة مع المتحاربَين (روسيا وأوكرانيا) بل واستضافت، ولم تزل، محادثات بينهما لحل الأزمة ووقف الحرب.
يضيف صالحة لـ"العربي الجديد" أن الفرصة سانحة لتوطيد العلاقات مع الولايات المتحدة وزيادة حجم التبادل لمئة مليار دولار، نظراً للعلاقة الخاصّة بين الرئيسين أردوغان وترامب، كما من الضرورة اغتنام المرحلة لحلحلة المشاكل العالقة في قطاع الطيران الحربي والمدني طبعاً من دون أن تُجازف أنقرة بالعلاقات مع روسيا، بل تحافظ عليها اقتصادياً ودبلوماسياً.
وحول استيراد الغاز الأميركي وإمكانية الاستغناء عن الغاز الروسي، خاصة إن جاء ذلك بطلب من ترامب، يكشف صالحة أن بلاده لا تستورد الغاز لسد حاجة الاستهلاك المحلي فقط، بل تسعى تركيا لتكون مصدّراً للطاقة، خاصة إلى أوروبا، كما يمكن الاستفادة من القيم المضافة والانتقال لصناعات بتروكيماوية وغيرها من الغاز، فالخطة أن تتحوّل تركيا إلى مركز طاقة، خاصة بعد الاكتشافات الكبيرة في البحر المتوسط وحتى الأسود.
وكانت شركة الغاز التركية المملوكة للدولة "بوتاس" قد وقّعت اتفاقاً مدته 20 عاماً لاستيراد الغاز الطبيعي المسال مع شركة التجارة السويسرية "ميركوريا إنرجي غروب"، في أكبر صفقة حتى الآن ضمن موجة من العقود الجديدة. يقول المستثمر السابق بروسيا ورجل الأعمال سليم شحرور إنّ روسيا لا تتخلّى عن السوق التركية، خاصة بعد تراجع استيراد الدول الأوروبية للطاقة (نفط وغاز)، لافتاً خلال اتصال مع "العربي الجديد" إلى أن روسيا قد تكسر "أي سعر تقدمه الولايات المتحدة أو غيرها" وتبيع الغاز وحتى النفط بأسعار رخيصة لتركيا.
كذا هناك عقود طويلة الأجل موقّعة بين البلدين، ولن تقدم موسكو أو أنقرة على إلغائها، بالإضافة إلى قرب المسافة ووجود خطي تصدير "التيار الأزرق"، و"التيار التركي" الذي من خلاله توصل تركيا الغاز الروسي إلى بعض الدول الأوروبية. ويضيف شحرور أن العلاقات التركية الروسية لا تقتصر على تصدير النفط والغاز، بل هناك مشاريع كثيرة، في مقدمتها المفاعل النووي السلمي وتبادل تجاري يزيد عن 50 مليار دولار و7 ملايين سائح روسي سنوياً، فيما تخطط تركيا وروسيا لحجم تبادل تجاري يصل إلى 100 مليار دولار.
ويستبعد الاقتصادي التركي أوزجان أويصال "بالمطلق" أن تُجازف بلاده بعلاقاتها مع روسيا، ولو تحت الضغط الأميركي، لأن الولايات المتحدة "لا يُمكن أن تكون حليفاً دائماً"، بل حتى خلال فترة الرئيس ترامب وما يقال من "صداقة الرئيسين" لا يؤمن جانب واشنطن أو تقلبات ومساومات ترامب.
وحول تصريح الرئيس الأميركي، حول ثقته بأن أنقرة ستوقف شراء النفط الروسي، يشير أويصال لـ"العربي الجديد" إلى أن ذلك إحدى أدوات الضغط التي مارسها ترامب ليمرر إلى تركيا الصفقات المجمدة "250 طائرة تجارية إلى جانب مقاتلات "إف-16" وتسوية حول مشاركة تركيا ببرنامج المقاتلة "إف-35" لكن تركيا قادرة على المواءمة بين الطرفين، "عداء ترامب لروسيا مؤقت وقد يتغيّر قريباً".
ولكن، يبقى احتمال انقلاب تركيا على روسيا "ولو بالتدرج" قائماً، كما يقول أوزجان أويصال، لأن إغراءات الولايات المتحدة كبيرة ووجودها في حلف "ناتو" وكسب الغرب بأكمله قد يدفع الرئيس أردوغان لإعادة النظر، وهو المعروف ببراغماتيته واقتناصه الفرص.
