الاقتصاد الوطني … أزمات متراكمة تبحث عن حلول جذرية
حزبي
منذ 5 ساعات
مشاركة

الرشـــــــــــاد برس | تقاريـــــــــــــــر
تشهد مناطق سيطرة الحكومة الشرعية في اليمن أزمة اقتصادية خانقة، هي الأشد منذ بداية الحرب عام 2015. وتعود أسباب هذه الأزمة إلى تداخل عوامل سياسية وأمنية واقتصادية متشابكة، على رأسها الانقلاب الحوثي الذي حدث في عام 2014 وما تبعه من انقسام سياسي وجغرافي عمّق من هشاشة مؤسسات الدولة وأفقدها القدرة على الإدارة والتخطيط والتنفيذ.
وتفاقمت الأزمة بسبب تراجع إيرادات الدولة، وانخفاض تصدير النفط، وغياب الشفافية، وضعف الأداء المؤسسي، وتفشي الفساد، مما انعكس سلباً على حياة المواطنين ومستوى الخدمات، وأدى إلى تأخر صرف المرتبات وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
في ظل هذا الواقع المأزوم، تبدو الحاجة ملحّة إلى إصلاحات اقتصادية شاملة، تتطلب إرادة سياسية جادة، ودعمًا إقليميًا ودوليًا يواكب التحديات المعقدة التي تواجهها البلاد.
الأمن الغذائي في دائرة الخطر:
مع استمرار الصراع وتراجع العملة الوطنية، يواجه اليمن مستويات غير مسبوقة من انعدام الأمن الغذائي، خصوصاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، حيث تتآكل القدرة الشرائية للأسر نتيجة التضخم، وتقلص الدخل، وارتفاع أسعار السلع الأساسية.
وتشير تقارير إنسانية حديثة إلى أن عدد المحتاجين للمساعدات مرشح للارتفاع خلال النصف الثاني من العام الجاري، في ظل استمرار توقف التصدير النفطي، وتراجع الدعم الإغاثي الدولي، وتوسع فجوات الإنتاج الغذائي، مما يُنذر بدخول مناطق واسعة من البلاد في مرحلتي “الأزمة” و”الطوارئ” ضمن التصنيف العالمي لانعدام الأمن الغذائي.
يقول الأستاذ عادل باشا، موظف تربوي في محافظة تعز ” الوضع الاقتصادي في مناطق الشرعية متردٍ للغاية. صحيح أن الحوثيين ينهبون ولا يلتزمون بصرف المرتبات أو بتوفير الخدمات، لكن الحكومة الشرعية مُطالبة بتنفيذ واجباتها، فالتزاماتها كثيرة ولا يمكنها التذرع بالمقارنة مع مليشيا خارجة عن القانون”.
ويضيف: “راتبي لا يكفي إلا لنصف شهر. وإذا تأخر صرفه لأكثر من ثلاثة أشهر، تتضاعف الديون. كما أن انهيار الريال يرفع الأسعار بشكل جنوني. نحتاج إلى حلول عاجلة ومستدامة تنقذ الوضع من الانهيار، فالوضع الحالي لا يصب إلا في مصلحة الحوثيين”.
انهيار الريال… مؤشر لتراجع السيادة المالية:
يشكل التدهور المستمر في قيمة العملة الوطنية أحد أبرز مؤشرات الانهيار الاقتصادي في مناطق الحكومة الشرعية، حيث تجاوز سعر صرف الدولار حاجز 2800 ريال، بينما تخطى الريال السعودي حاجز 740 ريالًا، في ظل ضعف رقابة البنك المركزي، وتوسع السوق السوداء.
ويرى الباحث في الشأن الاقتصادي، عبود صالح، أن أسباب انهيار الريال متعددة، أبرزها:
استمرار الحرب والانقلاب الحوثي.
تراجع الصادرات، خاصة النفطية.
ضعف أداء البنك المركزي، والانقسام المالي بين عدن وصنعاء.
المضاربات العشوائية في سوق الصرف.
غياب السلطة النقدية الموحدة.
ويؤكد أن غياب الثقة بين البنك المركزي والبنوك التجارية أدى إلى تعطيل الدورة المالية، ويضيف:
“تحييد الاقتصاد عن الصراع، وتوحيد البنك المركزي، واستئناف تصدير النفط والغاز وتوريد العائدات إلى البنك المركزي في عدن، هي مفاتيح رئيسية لإنقاذ الريال من الانهيار”.
غياب الإصلاحات :
يرجع الناشط السياسي- سالم العمقي – التدهور المتواصل في قيمة الريال اليمني إلى جملة من الأسباب المرتبطة بالاختلالات العميقة في بنية الاقتصاد اليمني، في ظل عجز حكومي واضح عن كبح الانهيار المالي.
وأوضح أن استمرار الاختلالات الهيكلية في المالية العامة للدولة، واتساع فجوة عجز ميزان المدفوعات، ساهم في تعقيد الأزمة، مشيراً إلى أن الجهازين النقدي والمالي يعانيان من اضطرابات حادة فاقمها الانقسام المؤسسي الذي فرضته ميليشيات الحوثي، لا سيما في مجالات السياسة النقدية، والازدواج الجمركي، وتشتت الموارد.
وأكد سالم: أن الاقتصاد يواجه تحديات متزايدة، أبرزها توقف تصدير النفط، المصدر الرئيسي للنقد الأجنبي، وانخفاض إيرادات الدولة بعد تحول مسار سفن الحاويات إلى ميناء الحديدة، ما أدى إلى تقلص الموارد المحلية وتراجع تدفق العملات الصعبة.
وأشار إلى أن غياب برامج الإصلاح المالي والاقتصادي، إلى جانب تعطيل العديد من المؤسسات الإنتاجية، ساهم في تقويض قدرة الدولة على مواجهة الأزمة، في وقت تتزايد فيه تكلفة الاستيراد وتُسجل الصادرات شبه توقف كامل، ما يرفع الطلب على العملات الأجنبية في ظل شح شديد بالأسواق.
ورغم حصول البنك المركزي في عدن على دفعات متتالية من الدعم السعودي للموازنة ، إلا أن ذلك لم يُسهم في تحقيق الاستقرار المصرفي أو حماية الريال من التراجع، وفقاً لسالم.
وأضاف أن ارتفاع تكلفة الشحن البحري وتضخم فاتورة الاستيراد زادا الضغط على سوق الصرف، في ظل تراجع تحويلات المغتربين وتوقف الموارد المستدامة، وهو ما يجعل تدخلات البنك المركزي محدودة الأثر.
واختتم سالم بالقول: إن أي حلول لوقف نزيف العملة المحلية تتطلب إجراءات نوعية وجريئة تعالج جذور الأزمة، وليس مجرد تحركات مؤقتة لا تلامس عمق المشكلات الاقتصادية والهيكلية التي تمر بها البلاد.
خريطة طريق نحو التعافي:
يرى الخبير الاقتصادي – فكري الدبعي- أن إنقاذ الاقتصاد اليمني لا يمكن أن يتم إلا عبر تنفيذ سلسلة من السياسات المالية والنقدية المتكاملة، تتضمن:
1. توحيد السلطة النقدية: عبر إدارة موحدة للبنك المركزي، ووقف الانقسام المؤسسي الذي يعيق أي سياسة نقدية فعالة.
2. تفعيل أدوات السياسة النقدية: للتأثير الإيجابي في سوق الصرف، وجذب الودائع بالعملات الأجنبية.
3. استئناف تصدير النفط والغاز: وتوريد العائدات مباشرة إلى حسابات البنك المركزي، بما يعزز احتياطاته من النقد الأجنبي.
4. تنظيم قطاع الصرافة: من خلال فرض الرقابة القانونية والحد من المضاربات غير المشروعة بالعملة.
5. تشجيع نقل البنوك التجارية إلى عدن: عبر تقديم حوافز قانونية وضمانات اقتصادية لضمان استقرار بيئة الأعمال المصرفية.
ويشدد الدبعي على أن تنفيذ هذه الإصلاحات يتطلب إرادة سياسية قوية، وضغطاً دولياً وإقليمياً حقيقياً على جماعة الحوثي لإيقاف تدخلها في الموارد والسياسات الاقتصادية.
خاتمة: بين الألم والأمل:
تقف اليمن اليوم على مفترق طرق حاسم: فإما أن تمضي نحو تنفيذ إصلاحات اقتصادية جريئة تعيد الثقة بالنظام المالي وتوفر الحد الأدنى من الاستقرار، أو أن تواصل الانحدار نحو مزيد من الفوضى والفقر والجوع.
وتبقى الحقيقة الأهم أن الاقتصاد الوطني لا يمكن فصله عن السياسة والأمن، وأن الخروج من الأزمة الراهنة يتطلب أولًا إنهاء الانقسام، وتوحيد القرار المالي، واستعادة مؤسسات الدولة لتؤدي دورها بعيدًا عن الحسابات الضيقة، والمصالح الفئوية.
وفي ظل تزايد الأعباء على المواطن اليمني، الذي أصبح يقاتل يوميًا من أجل البقاء، تبرز المسؤولية الوطنية والأخلاقية على عاتق الحكومة والمجتمع الدولي لإنقاذ ما تبقى من مقومات العيش الكريم، في وطن أثخنته الحروب، وأرهقته الأزمات، لكنه لا يزال يقاوم.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية