
مع عودة أوائل الفنانين التشكيليين الخليجيين الذين تلقّوا تعليمهم في أكاديميات الفن في القاهرة ودمشق وبغداد تحديداً، في خمسينيات القرن الماضي، أُقيمت أولى المعارض في البحرين والكويت، ثم في السعودية خلال العقد اللاحق، تلتها بقية بلدان الخليج، وبرزت حركات تبنّت الواقعية التسجيلية بشكل أساسي.
بدايات يوثّقها معرض "ملامح متغيرة: عن الحركات والمجموعات الفنية في الخليج في القرن العشرين"، الذي افتُتح نهاية الشهر الماضي في "حي جميل" بمدينة جدة السعودية، ويتواصل حتى منتصف أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
المعرض الذي تنسّقه القيّمة والباحثة العُمانية عائشة ستوبي، يضيء لحظة تشكُّل الحداثة في بلدان الخليج من خلال خمسين عملاً، مع ظهور النفط، وتحديث العمران، وصعود أنماط الاستهلاك، وغيرها من المظاهر التي بدت في صدام وتوتّر مع التقاليد وقيم التراث، وهو ما تسرّب إلى اللوحة عبر تصوير معظم الفنانين الروّاد للمباني والأسواق التقليدية، والأزياء، والطقوس، والألعاب الشعبية، بأسلوب يكثّف الحنين إلى ماضٍ مثالي تختفي ملامحه على نحوٍ متسارع.
في السعودية، يضمّ المعرض أعمالاً للواقعيين الأوائل، ومنهم عبد الحليم رضوي (1939–2006)، بمفرداته المستمدّة من الطبيعة والحياة اليومية للناس، وصفية بن زقر (1940–2024) التي سعت إلى توثيق تراث منطقتها الحجاز في اللوحة وكذلك في عدد من دراساتها. كما يضمّ المعرض فنانين اتّسمت تجاربهم بخصوصية مختلفة، ربما لإكمالهم دراستهم الفنية في الغرب، ومنهم محمد السليم (1930–1997) الذي درس في فلورنسا واتّجه نحو التجريد ضمن خطوط أفقية جسّدت الصحراء، ومنيرة موصلي (1954–2019) التي درست في الولايات المتحدة واشتغلت على التجريب في استخدام المواد والوسائط، والاختزال في رسم موضوعاتها.
الحديث عن التكوين الأكاديمي يقود إلى أسبقية الفنانين البحرينيين مقارنةً بنظرائهم الخليجيين، في الالتحاق بالمعاهد العربية والأوروبية. ويضيء المعرض تجارب عدد منهم، مثل عبد الله المحرقي (1939) الذي درس في القاهرة ثم دمشق، والتزم خلال تجربته الممتدّة بالقواعد الأكاديمية، لكنه نوّع في أساليبه بين الواقعية والتكعيبية والسريالية، مع مروحة عريضة من المواضيع والثيمات. وكذلك حسين السني (1938–1998) الذي تعلّم في بغداد، وتميّز بأسلوبه الخاص في الحروفيات والتجريد، خاصة في لوحاته النقطية، وعنصر التلوين الذي طغى على الخطوط والشكل في بعضها.
درس الروّاد الفنون الجميلة في القاهرة ودمشق وبغداد
أما الكويت، التي ساهم عدد من فنانيها في تكريس الحداثة منذ مطلع النصف الثاني من القرن الماضي، وتشكيل الأطر الفنية الأولى في البلاد، من مراسم ومعارض سنوية وأقسام للفنون في المؤسسات الناشئة بعد الاستقلال، فقد تراكم المشهد فيها مع تجارب يقدّمها المعرض مثل: سامي محمد (1943–2015) بمنحوتاته التي ركّزت على تحرّر الإنسان المعاصر من قيوده، وجعفر إصلاح (1946) بتعدد اشتغالاته بين الرسم والنحت والطباعة والفن النسيجي، وثريا البقصمي (1952) التي وظّفت حروفيات ورموزاً أسطورية في أعمال الرسم والحفر، التي تهيمن النساء على معظمها.
ويُعرض من بقية بلدان الخليج أعمال أبرز المؤسسين، ومنهم الفنان القطري جاسم الزيني (1942–2012) الذي اهتم بصراع الإنسان الخليجي مع بيئته وعالم البحر، والفنان الإماراتي حسن شريف (1951–2016) الذي عُرف بأعماله التركيبية المصنوعة من مواد مختلفة من بيئته، والفنان العُماني أيوب ملنج (1955–2018) بمنحوتاته المجرّدة التي أبرزت ديناميكيات الثبات والسكون.
يتتبّع الزائر التغيرات في ملامح الخريطة التشكيلية في الخليج، التي عبّرت عنها الأجيال اللاحقة، في ثمانين عملاً يغلب عليها التجهيز، والتجريد، والفن المفاهيمي، ومنها أعمال للفنانين السعوديين عبد الناصر غارم (1973) وأحمد ماطر (1979)، والعُمانيين موسى عمر (1971) وبدور الريامي (1977)، والفنانة الإماراتية ابتسام عبد العزيز (1975).
كما يوثّق المعرض ظهور حركات جماعية مثل "الخمسة"، و"الدائرة"، و"شتا"، التي ساهمت في تأسيس مؤسسات فنية، وتشكيل مستقبل الفن في الخليج.

أخبار ذات صلة.
