ثلاث نساء وسفينة
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة

حملت سفينة نوح زوجاً من كل الأنواع الحيّة لتنجو الأرض من الفناء في الطوفان. وحملت سفينة مادلين المشاعر الإنسانية خلال حرب قذرة لتنجو من اليأس. سفينةٌ صغيرة بعددٍ قليل من الناس وكثيرٍ من الآمال والأحلام، لولاها لما صمد ركّابها. صحيحٌ أنّهم لم ولن يوقفوا الحرب، لكنهم فعلوا كل ما في جهدهم لرفع الإصبع في وجه دولة مجرمة. مع قدر غير قليل من التهوّر، فإذا علّمتنا فترة الحرب شيئاً فهو أن ما من شيء لن تقدر إسرائيل على فعله. بعدما تخلّت ببساطة عن محتجزيها، ودكّت غزّة على الجميع: أهلها والمحتجزين.

وبعد هذا الرصيد من الجرائم، لن يهتز لها جفن مع جريمة أخرى، إذا خطر لأحد جنودها أن يقصف السفينة. وقد حدث ذلك عام 2010 مع سفينة مرمرة. وأتت رحلة مادلين في وقت تغيب فيه المرأة الفلسطينية عن الحرب مقاتلة، على عكس ما رأينا في بدايات الثورة الفلسطينية، مع حركة فتح والفصائل اليسارية بشكل خاص. فحركة حماس أقعدت المرأة في البيت، لنراها غالبا في هذه الحرب ضحية وأمّا، لا غير. بل لا نجدها حتى في العمل السياسي، في منصبٍ صغُر شأنه أو كبُر، وهذا مستغربٌ في وقتٍ حاولت الحركات والأحزاب الإسلامية في باقي الدول، ولو بشكل سطحي، إدخال المرأة ضمن مكاتبها.

رغم ذلك، تأتي السفن بأنباءٍ أخرى، مع العلم أنه نادراً ما قادت نساء حركات مقاومة في العصر الحديث، ونادراً ما شكّلت النّساء، ولو بالمصادفة، عناصر قيادة حركة صمود. لكننا نجد أنفسنا أمام الحالة مع سفينة مادلين، فامرأتان هما أشهر مَن في طاقم السفينة والأكثر تحمّلا للضغط، من أصل تسعة. غريتا ثونبرغ الناشطة البيئية الأشهر، وريما حسن البرلمانية الأوروبية، الفرنسية ذات الأصل الفلسطيني، الأكثر دعماً للقضية الفلسطينية والناشطة المدنية والسياسية. هاتان الشابتان جعلتا العالم يتطلع إلى كتلة الشجاعة التي تحملها السفينة التي سُمّيت على اسم الصيادة الغزّاوية مادلين كُلاب.

مع أنه لم تُعرف عن النساء مهنة الصيد، ولم نعتد أن تكون شابة الوجه الأبرز في مبادرات البيئية، ولا أن تكون برلمانية شابة كان نجاحها في دخول البرلمان الأوروبي منتهى ما تمناه لها بعضهم، لكنها ذهبت أبعد. ثلاث نساء، لا تمثلن النساء فقط، بل الضمير الإنساني ككل. ريما قادمة من جيل ثان من المهاجرين في فرنسا، تحمل أفضل ما في العالمين. وغريتا قادمة من مجتمع رأسمالي حتى العمق، لكنها منذ الطفولة حملت هاجساً تجاه القضايا البيئية والإنسانية. لا هما غربيتان كليا ولا شرقيتان كليا، فيما خرجت مادلين، التي قادت المركب بعد وفاة رجل العائلة، ولم تهتم لامتعاض مجتمعها، عن جلباب شرقيّتها.

هن نماذج للنساء حين يخرجن من منطقة المجتمع التي ظنن أنها منطقة الراحة، فالخطاب الذي كرّسته "السوشيال ميديا" يقول إنه حالما تتعب إحداهن في العمل تتذكّر أن واجبها الطبيعي أن تبقى في البيت، وتندُب اختيارها الخاطئ للعمل. بالنسبة لغريتا هل نصدّق أن منطقة الراحة بالنسبة لها تكمن في الراحة المنزلية والاستمتاع بملذّات الحياة بدل السعي لتغيير تعاساتها؟

وفي وقت كانت تقف فيه الشابة الفلسطينية، مادلين، وسط مركبها وتجدّف في قلب الماء بحثا عن السمك والرزق. رست سفينة مادلين، وغادرها ركّابها. وفي وقت تختفي فيه المرأة من القرار السياسي والعسكري في "حماس"، تواجه هذه الأخيرة قرارات بالغة الصعوبة قد تضحّي فيها بنفسها لينجو من تبقوا من الغزّاويين من التقتيل، ولربما تحتاج إلى حسٍّ أنثوي يفضل مصلحة الجماعة على الكبرياء الذكوري. ولعل الموجة التالية للحركة تُدخل المرأة في العملين، السياسي والعسكري.

على النساء الثلاث وأمثالهن يُطلق الناس عبارة "امرأة بألف رجل"، كأن المروءة اختصاصٌ رجالي، والنساء ليست لهن القدرة على الصمود والمجابهة. هذا إذا لم يكونوا محافظين ولم يعلقوا على ملابس النساء "المتبرّجات" اللواتي مهما فعلن فعدم الحجاب ينفي أي قيمة عمل لهن. وغير المسلمات، يُعلق سفهاء "فيسبوك" إن كل أعمالهن لن تدخلهن الجنة. كأن الجنة هاجس أي رجل أو سياسي كيفما كان.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية