الحرب بين إيران وإسرائيل وصنع القرار
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة

إنّ الحرب الإقليمية التي يُراد تصويرها على أنها ثُنائية بين الجمهورية الإيرانية وإسرائيل، وهي ليست كذلك، ما هي إلا امتداد لحروب تاريخية كبرى خاضها ويخوضها "برميل البارود المتفجر المسمّى إسرائيل" ليضمن بقاءه في بقعة الشرق الأوسط. وهنا، لا بُدّ من النظر إلى نقاط تحوّل مهمّة يسعى هذا الكيان إلى تثبيتها عبر قادته الحاليين.

لم تترك إسرائيل دولة في جوارها أو في الشرق الأوسط إلا وتحاربت معها، ونجحت عبر معظم حروبها في تثبيت مكانها في هذا الشرق وفي العالم ككل، هي أصلًا وفي أصلها هي محور "العالم"، ذلك العالم الذي نظر إليه البريطانيون والأميركيون وكلّ الغربيين الداعمين الدائمين لها منذ عهد الإمبريالية أواخر القرن التاسع عشر وحتى اليوم، وبالتالي من الطبيعي أن تفوز وتربح وتقضم وتُسيطر بفعل الدعم السخي لها من دول الغرب، والمستمر حتى في هذه الحرب الحالية التي أُعلن عن وقف إطلاق نارها قبل أيّام، كما أنّ عقيدتها الوجودية مبنية على الحرب ضدّ الآخر.

من المهم في هذه الجولة الطويلة التي بدأت منذ السابع من أكتوبر (الحرب ضد إسرائيل منذ نشأتها وليس قبل سنتين)، أن ننظر إلى التحوّل المهم في القرار السياسي الداخلي والخارجي الإسرائيلي حول الحرب والقدرة على المواجهة والصمود لأطول فترة ممكنة، حيث لم يحدث في أيّ حرب سابقة أن خاضت "إسرائيل" بعد نشأتها حرباً طويلة الأمد كهذه.

لم يعد من الممكن التعامل مع القرار الإسرائيلي في حالة الحرب بمنطق أنّ هذه "الدولة" لا يُمكن أن تتحمّل الحرب والدمار، وقد تتراجع عن أيّ حرب تخوضها، ذلك أن اليمين المتطرّف الحاكم اليوم، يعمل جاهداً لدحض صورة "الإسرائيلي" الذي لا يتحمّل الحرب، وتثبيت فكرة الوطن القومي الإسرائيلي الذي لا بُدّ للإسرائيليين أن يُضحوا من أجله.

في هذه الجزئية المهمّة في التعامل مع قرار الحرب، لطالما سقط أعداء "إسرائيل" العرب في فخ التحيّزات التي يسقط فيها أيّ صانع للقرار، والمقصود بالتحيّزات في نظرية صناعة القرار هي كلّ ما يقود إلى التصوّر والفهم والرهان أو التوقّع الخاطئ لمجريات الأمور خلال الحرب، وبنسبة كبيرة يؤدي إلى الخسارة، ويكون السبب الرئيسي للوقوع في فخّ التحيّزات عادة هو نقص المعلومات أو عدم تجديدها.

لم تترك إسرائيل دولة في جوارها أو في الشرق الأوسط إلا وتحاربت معها

في كتابه "فهم صنع القرار في السياسة الخارجية" الصادر سنة 2010، يقول البروفسور الإسرائيلي المتخصّص في صنع القرار، أليكس مينتز، وهو عميد مركز هرتسيليا متعدّد التخصّصات في تل أبيب، إن "إحدى المشكلات الرئيسية التي يواجهها القادة في الأزمات هي نزعتهم وقابليتهم للتأثر بالتحيزات والأخطاء في صنع القرار، بسبب محدودية المعرفة"، ذلك أن صنع قرار السياسة الخارجية العصيب والأشد تعقيداً، يجري تحت ضغط وقيود في تحليل المعلومات ومعالجتها، والقادة يرون العالم بطرق خاضعة لعملية غربلة باللاوعي نتيجة التأثّر باعتقادات وتجارب سابقة.

غالباً ما يسقط القرار الإسرائيلي، في تحيّزات من قبيل الثقة المُفرطة والمبالغة في تعظيم القدرات الذاتية، والتفكير الرغبوي أو التمني، والردّ السريع من دون تفكير، ومحاكاة معارك تؤدي إلى قرارات من دون المستوى الأمثل، وتجاهل معلومات شديدة الأهمية، والأمر نفسه ينطبق على الإيرانيين وعلى حزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية وكامل "محور المقاومة" في مواجهتهم ضدّ الكيان الإسرائيلي، على الأقل منذ السابع من أكتوبر 2023.

يُمكن أن نرى مثلاً أنّ قادة إيران وحزب الله منذ بداية الحرب وفي سنوات كثيرة قبل الحرب، تحدّثوا بثقة عن عدم قدرة إسرائيل على استمرارها في الحرب، وعن عدم تحمّلها الصواريخ القادمة من لبنان أو إيران، والحديث عن زوال الكيان، والاعتماد على نتائج مواجهات سابقة مثل 2006 و2000 التي هُزمت فيهما إسرائيل، كمُحدّدات لصنع شكل وطبيعة قرار المواجهة في الوقت الحالي، إضافة إلى التمنّي بنهضة أطراف أخرى لمواجهة إسرائيل، وعند المواجهة المباشرة الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل في الـ66 يوماً من السنة الماضية، كان واضحاً حجم التحيّزات التي سقط فيها حزب الله ومعه الإيرانيون التي قادتهم إلى تصوّرات خاطئة، ودُفع ثمنها باهظاً ولا يزال.

اعتماد إسرائيل على القوّة الحربية الهائلة في صنع وتنفيذ قرار الحرب يؤدي بها إلى الغطرسة

أما إسرائيل فسقوطها في التحيّزات لا يُعدّ ولا يُحصى، واعتمادها على القوة الحربية الهائلة في صنع وتنفيذ قرار الحرب يؤدي بها إلى الغطرسة وهي فخ آخر قائم بذاته، وعلى الرغم من تحقيقها بعض الأهداف المهمّة، فإنها لا تستطيع إنهاء الحرب كلياً لصالحها ضدّ أعدائها، ولا تستطيع تحقيق الأمن الذي ترجو تحقيقه للمواطن الإسرائيلي.

الفرق بين أطراف هذا الصراع المعقّد يكمن في إمكانية استدراك الوقوع في التحيّزات خلال قرار الحرب، والقدرة السريعة في صنع القرار الصحيح والمناسب بعد الخطأ، وفي طريقة صناعة قرار الحرب ودراسة جوانبه، وهنا يظهر أنّ للكيان الإسرائيلي تفوّقاً تقنياً ومؤسساتياً مقارنة بالأطراف الأخرى، نظراً لحجم المعلومات التي توفّرها الأجهزة الاستخباراتية المتقدّمة، وقدرة المؤسسات العسكرية والأمنية ومراكز الدراسات المُتخصّصة على إصدار تقارير وتقديرات تُساعد دوائر القرار أثناء وقت الحرب، ناهيك عن المساعدة التي تقدّمها الولايات المتحدة وبريطانيا في المنطقة، والعنصر الأخير أي المساعدات غير متوفّر لدى إيران وحزب الله وحماس والمحور بكامله.

من المهم حالياً، أن لا يسقط  صانع القرار الإيراني في تحيّزات تؤدي بهم إلى قرارات خاطئة في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة، لأن ذلك سيكون عاملاً مهماً جدّاً في الصمود والقدرة على الحفاظ على توازن القوى القائم حتى هذه اللحظة، وكلّما كان قادراً على تحيين التصوّرات والتوقّعات والتقديرات عبر عمل جميع المؤسسات المنخرطة في عملية صنع القرار، قلّ خطر السقوط في الأخطاء، ولا بُدّ في هذا السياق من الإشارة إلى خطورة أنّ كلاً من إسرائيل والولايات المتحدة لهما قدرة مهمّة في توجيه قرارات أعدائهما نحو التصوّر الخاطئ، واختلاق وقائع ومعلومات تُشوّش وأحياناً تُوجّه الطرف الآخر نحو الخطأ وسوء التقدير.

إنّ عملية صنع القرار الخارجي هي مُعقدة في كلّ مراحلها، التي تبدأ من تحديد المشكلة إلى البحث عن البدائل ثم اختيار البديل المناسب ثم تنفيذ البديل (نظرية شنايدر وروبنسون)، وهي شبيهة بلعبة الشطرنج حيث اللاعبان يتعلّمان ويطوران مهاراتهما من جولة إلى جولة، كما يمكن أن يتمخض اللعب عن سلوك مخادع ومحاولات لإخفاء العلامات التي بدأت تظهر، والقرار الخارجي في الحرب يُتّخذ تحت ضغط الزمن، ولا شيء يمكن أن يُخفّف الضغط سوى بيئة صنع القرار وقدرة الفُرق والمؤسّسات المعنية بصنع القرار وتهييئه على خلق توازن معرفي شامل، والقدرة على تنظيف ساحة القرار من التحيّزات والتصوّرات الخاطئة في وقت قياسي، أما الجواب على من كان قراره خاطئاً في الحرب، فستكشفه أيام ما بعد الحرب وربما سنوات وعقود من زمن ما بعد الحرب.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية