
أطلق باحثون من المغرب عريضة رفضاً لمشاركة أكاديميين إسرائيليين في المنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا (علم الاجتماع)، المقرر تنظيمه من 6 إلى 11 من الشهر المقبل بجامعة محمد الخامس في الرباط (حكومية)، مندّدين بالتطبيع وما سمّوه تورط الجمعية الدولية لعلم الاجتماع فيه، وفي تبرير جرائم الكيان الصهيوني، معلنين عن مقاطعتهم المنتدى ودعوتهم زملاءهم للنسج على منوالهم.
وقال الباحثون في نصّ العريضة: "نعبّر، نحن الباحثات والباحثين في العلوم الاجتماعية، مغاربة ومن باقي العالم، عن مقاطعتنا للمنتدى الخامس لعلم الاجتماع التابع للجمعية الدولية لعلم الاجتماع، وذلك بسبب مشاركة مؤسسات صهيونية مُنخرطة، بطريقة أو بأخرى، في حرب الإبادة المستمرة على غزة، وبرمجة مداخلات تبدو من خلال ملخصاتها أنها تروّج للسردية الاستعمارية".
واتهم الواقفون وراء العريضة الجمعية الدولية لعلم الاجتماع بـ"انتهاك" المعايير الأخلاقية والبحثية بمساواتها في منصة واحدة بين "المجرم والضحية"، وذلك من خلال برمجة مواضيع تجمل حرب الإبادة المستمرة على الشعب الفلسطيني، معتبرين أن السماح لباحثين ينتمون إلى جامعات، متورطة بشكل علني، بتخطيط وتنفيذ وتبرير سياسات الاحتلال والفصل العنصري الإسرائيلية، يعد انتهاكاً أخلاقياً، بل وقانونياً يتناقض مع مبادئ القانون الدولي.
وطالب الباحثون المغاربة المؤسسات الجامعية، خصوصاً أطر التعليم العالي، والطلبة، باليقظة وإدانة أي عمل تطبيعي يدخل إلى مدرجات الجامعات المغربية، التي طالما أدانت وقاومت ضد جرائم الكيان الصهيوني التاريخية. كذلك طالبوا زملاءهم الباحثين، المشاركين في هذا المنتدى، بالانسحاب منه وإعلان مقاطعته.
وخلال الساعات الأخيرة، شرع العديد من الباحثين المغاربة وكذلك الأجانب في إعلان إلغاء مشاركتهم في المنتدى، من بينهم الباحثة المغربية مروى ناجي من جامعة "جانت" ببلجيكا التي اعتبرت في تدوينة لها على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أن المشاركة" في مؤتمر يفتح فيه الباب أمام ممثلي الكيان الصهيوني (كيان استعماري استيطاني قائم على التطهير العرقي والإبادة) خيانة أخلاقية وعلمية، ومحاولة مرفوضة لصهينة المعرفة وجعل الأكاديمية ساحة للتطبيع مع العدوّ قاتل الأطفال".
وأضافت: "نُحمّل الجامعة المضيفة كامل المسؤولية عن هذا الانزلاق الخطير، وعن توريطها في تبييض جرائم الاحتلال عبر بوابة الأكاديمية. كما نطالب جامعة الرباط برفض كل أشكال التطبيع، والاصطفاف إلى جانب القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي كانت ولا تزال بوصلة أحرار العالم".
ويأتي إعلان عدد من الباحثين المغاربة والأجانب عن مقاطعتهم المنتدى استجابةً لنداء أطلقته الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (PACBI)، التي اعتبرت أن مشاركة جامعات إسرائيلية في المنتدى المنعقد تحت شعار "معرفة العدالة في عصر الأنثروبوسين" تمثل "تواطؤاً أكاديمياً خطيراً مع نظام يمارس الإبادة والتطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني، لا سيما في قطاع غزة".
وتضمّ لائحة المشاركين من الجامعات الإسرائيلية، المنشورة على الموقع الرسمي للمنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا، أزيد من 30 أكاديمياً وباحثاً إسرائيلياً، يمثّلون جامعات إسرائيلية تصنفها حركة المقاطعة ضمن المؤسسات المتورطة في منظومة الاحتلال والفصل العنصري، منها الجامعة العبرية بالقدس، وجامعة بن غوريون، وجامعة بار إيلان، وجامعة تل أبيب، والجامعة المفتوحة بإسرائيل.
من جهته، عبّر رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع (غير حكومي) أحمد ويحمان عن إدانته الشديدة لاستضافة مؤسسات صهيونية في إطار ما يسمى بـ"المنتدى الخامس لعلم الاجتماع" المزمع عقده في جامعة محمد الخامس بالرباط، معتبراً هذه الخطوة "طعنة غادرة في ظهر الشعب الفلسطيني وصمود غزته المحاصرة تحت القصف والمجازر، وفي قلب الجامعة المغربية التي يفترض أن تكون منارة للالتزام بالقضايا العادلة، وعلى رأسها قضية فلسطين".
وقال ويحمان، في حديث مع "العربي الجديد" اليوم الخميس، إن "الجهات التي دعت ونظمت لهذا المنتدى، وفتحت أبوابه للمندوبين الصهاينة، تتحمّل المسؤولية الكاملة عن هذا الفعل المشين، وهي في الحقيقة تلعب دور أدوات تنفيذ لأجندات الاختراق الصهيوني داخل مؤسساتنا الأكاديمية، طمعاً في الامتيازات التي يشرف على توزيعها رعاة هذا الاختراق ومهندسوه من مراكز النفوذ الصهيوني في المغرب".
وتابع قائلاً: "إذا كانت الجامعة المغربية قد قدمت، عبر تاريخها، تضحيات من أجل فلسطين، فإن من العار أن يُستغل اسمها اليوم لتمرير مشاريع التطبيع الأكاديمي المموّه، الذي يحاول تجميل جرائم الإبادة الجارية ضد شعبنا في غزة، وترويج السردية الاستعمارية للكيان الغاصب".
وقال: "نضمّ صوتنا إلى الباحثات والباحثين المغاربة والدوليين الذين أعلنوا مقاطعتهم هذا المنتدى المشبوه، وندعو كل القوى الحية، داخل الجامعة وخارجها، إلى اليقظة والمواجهة الصارمة لكل أشكال الاختراق التطبيعي، الأكاديمي منها والثقافي، واعتبارها جزءاً لا يتجزأ من المعركة التحررية التي تخوضها الأمة ضد المشروع الصهيوني وأذرعه الناعمة".
وفي حين يلقي العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة بظلاله على الجامعات المغربية، توالت في الآونة الأخيرة مبادرات يقودها طلاب وأساتذة تطالب بوقف علاقات جامعاتهم مع جامعات الاحتلال.
وانطلق مسار التطبيع الأكاديمي في المغرب في فبراير/ شباط 2021، حين اتفق وزيرا التعليم المغربي والإسرائيلي على إطلاق برنامج لتبادل الوفود الطلابية، وإجراء مسابقات تعليمية باللغتين العربية والعبرية في البلدين، وهو ما قوبل في حينه بمعارضة شديدة من الجمعيات والمنظمات المغربية المناهضة للتطبيع.
ورغم تلك المعارضات، وقّع وزير التعليم العالي المغربي ونظيرته الإسرائيلية في مايو/ أيار 2022 اتفاقية التعاون الأولى بين الجامعات ومراكز الأبحاث. وأعلنت الحكومة المغربية في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020 استئناف العلاقات الدبلوماسية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد توقفها في عام 2000 على خلفية اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
