العدوان الإسرائيلي على إيران لا يوقف إبادة غزة
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة

انعكس العدوان الإسرائيلي على إيران يوم الجمعة 13 يونيو/حزيران الحالي على الواقع العام لقطاع غزة في ظل استمرار حرب الإبادة، بعد أن هدأ الوضع في غزة خلال يومي المواجهة الأولين بين إسرائيل وإيران ثم عاد إلى التصاعد بشكل كبير. ونتيجة للمواجهة العسكرية التي اشتعلت مع إيران، اتخذ الاحتلال الإسرائيلي سلسلة من الإجراءات الميدانية، التي كان من أبرزها تقليص عدد جنوده الموجودين داخل القطاع، إلى جانب الإعلان الصريح عن تحول جبهة غزة إلى ثانوية مع حضور إيران جبهةَ حرب رئيسيةً في الفترة الحالية.

وخلال اليومين الأولين من العدوان الإسرائيلي على إيران تراجعت وتيرة القصف على غزة نتيجة لانشغال سلاح جو الاحتلال في الغارات التي يشنها على أهداف داخل إيران، إلا أن وتيرة القتل والقصف عادت إلى الارتفاع من جديد داخل القطاع. ويخشى الفلسطينيون من أن يسهم التركيز الدولي والإقليمي في تفاصيل العدوان الإسرائيلي على إيران في سحب الاهتمام بالإبادة اليومية التي تنفذها القوات الإسرائيلية داخل القطاع، والتي تطاول مختلف المناطق.

وركز الاحتلال بوضوح على عمليات نسف يقوم بتنفيذها في مناطق حيي التفاح والشجاعية شرقي غزة، ومناطق شرق وشمال مدينة خانيونس جنوبي القطاع، بالإضافة إلى عمل قواته في منطقة جباليا البلد، شمالي القطاع، للمرة الأولى منذ بداية الحرب. وبعد بدء العدوان الإسرائيلي على إيران عمد الاحتلال إلى سحب فرقتين من القطاع لإعادة تموضعهما في الضفة الغربية المحتلة والحدود الشمالية لفلسطين المحتلة عام 1948، فيما أبقى أربع فرق أخرى في القطاع. وتعمل هذه الفرق في مناطق خانيونس وشمالي القطاع والمناطق الشرقية لمدينة غزة في حيي الزيتون والتفاح، فضلاً عن القوات التي تقسم جنوب القطاع عن شماله في منطقة محور "نتساريم".


إياد القرا: ما يجري بين إيران وإسرائيل له انعكاس مزدوج على غزة


وقبل العدوان الإسرائيلي على إيران كان الحديث يدور عن تنفيذ الاحتلال خطةَ "عربات جدعون" التي تستهدف حشر الفلسطينيين في منطقة رفح جنوبي القطاع، وتهجيرهم إلى دولة ثالثة لتنفيذ خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسيطرة عليه. إلى ذلك، تصاعدت وتيرة البلاغات العسكرية الصادرة عن الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية، وتحديداً "سرايا القدس" و"كتائب القسام"، إلى جانب فصائل أخرى مثل "كتائب المجاهدين" و"أبو على مصطفى" المحسوبة على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن الأسبوع الأخير شهد مقتل أربعة جنود وضباط إسرائيليين من جراء كمائن للمقاومة الفلسطينية، كان عدد منها مشتركاً بين "القسام" و"سرايا القدس"، فضلاً عن تصاعد وتيرة إجلاء الجنود من غزة إلى المستشفيات الإسرائيلية بفعل إصابتهم خلال المعارك الدائرة في القطاع.

ورغم التسريبات التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن وجود تقدم في ملف تبادل الأسرى مع حركة حماس، فإن مصادر فلسطينية نفت، لـ"العربي الجديد"، وجود أي اختراق حقيقي حتى الآن في الملف، واستمرار الاحتلال في التمسك بورقة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف.

استمرار الإبادة في غزة

وقال الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا لـ"العربي الجديد" إن المعطيات الحالية تشير إلى أن استمرار الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة، عبر قصف واسع وتدمير ممنهج في مناطق مثل خانيونس وجباليا، لم يتأثر كثيراً بانطلاق الحرب على إيران. وأوضح القرا، لـ"العربي الجديد"، أن التحول في أولويات إسرائيل جعل "خطر إيران" يتقدم على "خطر غزة"، ما دفع نتنياهو للنظر إلى التصعيد ضد حركة حماس في غزة باعتباره أقل أولوية في هذه المرحلة، رغم استمرار العدوان وارتفاع أعداد الشهداء بشكل ملموس. واعتبر القرا أن ما العدوان الإسرائيلي على إيران له انعكاس مزدوج على غزة، فمن جهة، قد يكون إيجابياً كونه يخدم أهداف "طوفان الأقصى" في فتح جبهات متعددة للضغط على إسرائيل، ومن جهة أخرى، قد يكون سلبياً بتحويل الأنظار عن الجرائم التي تُرتكب في القطاع يومياً، خاصة ما يتعلق بسياسات التجويع والاستهداف المباشر للمهجرين. ولفت إلى أن المقاومة ما زالت حاضرة بقوة في الميدان ما دام الجيش الإسرائيلي موجوداً داخل القطاع، معتبراً أن هذا الوجود يعزز من فعالية العمل المقاوم ويُبقي الساحة ملتهبة رغم محاولات الاحتلال تقليص حضوره.

وحول ملف المفاوضات، أشار القرا إلى أنها ليست في حالة جمود، لكنها حتى الآن لم تُسفر عن نتائج ملموسة تُسرّع من إنجاز الاتفاق، موضحاً أن إسرائيل فقدت الكثير من ذرائع استمرارها في الحرب، خصوصاً مع انشغال نتنياهو بجبهة إيران، واستخدامه تلك الحرب غطاءً سياسياً لتمديد عمر حكومته حتى الانتخابات المقبلة. وبيّن أن بقاء قضية الأسرى في قطاع غزة هي العقبة الرئيسية أمام الوصول إلى صيغة لإنهاء العمليات، متوقعاً أن تفضي المفاوضات الجارية إلى اتفاق خلال الأسبوعين القادمين، وفق ما تشير إليه المعلومات المتاحة، وهو ما قد يساهم في تبريد جبهة غزة على اعتبار أنها أصبحت ثانوية في حسابات الحكومة الإسرائيلية.

تبدل الأولويات بعد العدوان الإسرائيلي على إيران

من جانبه، قال الباحث والمختص في الشأن الإسرائيلي سليمان بشارات إن إسرائيل باتت تتعامل مع ملف الحرب على قطاع غزة باعتباره ثانوياً وليس أولوية استراتيجية، وهذا التوجه يأتي في إطار محاولة المؤسسة الإسرائيلية تقليل الضغط الناتج عن الجبهة الداخلية، خصوصاً من قبل عائلات الأسرى. وأوضح بشارات، لـ"العربي الجديد"، أن إسرائيل سعت خلال الأشهر الماضية إلى فصل ملف الأسرى عن مسار الحرب، بهدف تحييد قطاع غزة عن النقاشات الداخلية الإسرائيلية، موضحاً أن المقاومة الفلسطينية رفضت هذا الفصل، وأصرت على ربط قضية الأسرى بوقف الحرب، الأمر الذي أدى إلى بقاء الملف حاضراً ومؤثراً على صناعة القرار داخل إسرائيل.

وأشار إلى أن نتنياهو يحاول باستمرار إرسال رسائل طمأنة لعائلات الأسرى، في محاولة لاحتواء غضبهم ومنع تصاعده باتجاه الحكومة، مؤكداً أن نتنياهو يعمد إلى بث رسائل توحي بوجود تقدم أو مقترحات بشأن صفقة تبادل، وذلك بهدف التخفيف من الضغط الشعبي. ولفت إلى أن الجبهة الجنوبية مع غزة أصبحت ثانوية في ظل انشغال إسرائيل بجبهة إيران، إلا أن الخسائر البشرية المتواصلة في صفوف الجيش الإسرائيلي داخل القطاع ما زالت تمثل عامل ضغط، لكنه لا يرتقي في الوقت الراهن إلى أولوية قصوى بسبب انشغال الحكومة بالمواجهة مع طهران.


رامي أبو زبيدة: تعدد الجبهات أضعف تركيز المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في غزة


وبيّن بشارات أن أمام إسرائيل خيارين استراتيجيين في هذه المرحلة: الأول الاستمرار في إدارة الملف الفلسطيني باعتباره أولويةً ثانويةً حتى الانتهاء من ملف إيران، والثاني اللجوء إلى إغلاق بعض الملفات الثانوية، مثل غزة، في حال طال أمد الحرب مع طهران، وذلك للتفرغ للجبهات الأوسع. ورجح أنه في حال شهدت المنطقة تحولات سياسية كبرى، خصوصاً في طهران، فقد تسعى إسرائيل إلى طرح مبادرة جديدة تجاه غزة، لكنها ستكون مبنية على فرض شروط استسلام كاملة على المقاومة.

جمود عملياتي وتصعيد تكتيكي

من جهته، رأى الباحث والمختص في الشأن العسكري رامي أبو زبيدة أن المشهد العسكري في غزة يشهد حالياً حالة من الجمود العملياتي النسبي من جانب الاحتلال، يقابلها تصعيد تكتيكي متواصل من قبل المقاومة الفلسطينية. وأوضح أبو زبيدة، لـ"العربي الجديد"، أن الاحتلال بات يواجه جبهات متزامنة، ما اضطره إلى تقليص حجم العمليات البرية في غزة، خصوصاً في المناطق الشمالية والوسطى من القطاع، نتيجة إعادة تموضع وحدات قتالية وتعزيز الجبهة الداخلية، فيما يُلاحظ تركيز المقاومة على تكتيك الكمائن النوعية والضربات الانتقائية، لا سيما في جنوب القطاع وشرقه. وأوضح أن الواقع العملياتي في غزة يتجه نحو ما يمكن تسميته بـ"الاستنزاف الممتد"، حيث يجد الاحتلال نفسه عالقاً في حرب مواقع من دون تحقيق حسم ميداني حقيقي، معتبراً أن كل تقدم إسرائيلي تقابله خسائر بشرية ولوجستية متزايدة، في ظل تمسك المقاومة بالأرض وسيطرتها على خطوط النيران والتضاريس.

وأشار أبو زبيدة إلى أن المقاومة، وتحديداً "كتائب القسام"، باتت تُراهن على "حرب النفس الطويل"، إذ تعمل على إبقاء الاحتلال في حالة استنزاف دائم من خلال عمليات مباغتة ومحدودة، تُربك الحسابات الإسرائيلية وتمنع الاستقرار العملياتي داخل غزة. وفي ما يتعلق بالمتغيرات الإقليمية، أكد أن المقاومة تستغل الانشغال الإسرائيلي بالحرب على إيران، معتبراً أن ذلك شكّل "فرصة استراتيجية" لها لإعادة التوازن الميداني، من دون الدخول في تصعيد شامل قد يُكلفها كثيراً في هذه المرحلة. ويوضح أن تعدد الجبهات وضع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تحت ضغط كبير، ما أضعف تركيزها العملياتي في غزة، مرجحاً أن تستثمر المقاومة هذا الوضع في تنفيذ عمليات مفاجئة ومركزة لرفع كلفة الاحتلال أو تحقيق إنجازات رمزية.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية