مهلة الأسبوعين الأميركية: غموض متعمّد تجاه إيران يزيد الشكوك
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة

يصعب التعامل مع الموقف الأميركي تجاه أيّ تطور إقليمي، بما في ذلك العدوان الإسرائيلي على إيران، باعتباره ثابتاً أو يمكن الركون إليه، خصوصاً حين يكون الرئيس دونالد ترامب هو من يدير الدفّة. فالتقلب الحاد في قراراته وتحولاته المفاجئة، حتى حيال القضايا الاستراتيجية، يجعل من أي تحليل أو قراءة للموقف الأميركي مجرّد لقطة عابرة قد تفقد صلاحيتها في غضون ساعات، وقدّم البيت الأبيض إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الساعات الماضية بأنه سيتخذ قراره حول إيران خلال أسبوعَين، على أنه منح فرصة للدبلوماسية خلال هذه الفترة، لكن جميع الخيارات العسكرية قبل السياسية تبقى قائمة، لا سيّما أن ترامب نفسه كان قد لجأ إلى مناورة قبيل بدء العدوان الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو/حزيران الماضي عندما كان يعلن عن فرصة في المحادثات التي كان يجريها موفده ستيف ويتكوف مع المسؤولين الإيرانيين، والتي كانت تقترب من عقد جولة سادسة لها، كما أن اللغة التي استخدمها البيت الأبيض حملت الموقف ونقيضه، لكن ذلك لا يلغي وجود عوامل أخرى قد تكون أدت دوراً في ترحيل الرئيس الأميركي قراره، ليس أقلها التباينات داخل الإدارة في واشنطن حول الخيار العسكري، إضافة إلى الرفض من مؤيدي ترامب والعديد من داعميه الخروج من سياسة "أميركا أولاً" والانخراط في حرب لا تظهر في الأفق أي خواتيم قريبة لها.

حسابات ترامب تجاه إيران

وأعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت مساء الخميس أنه "بالنظر إلى وجود فرصة حيوية لإجراء مفاوضات قد تحصل وقد لا تحصل مع إيران في المستقبل القريب"، فإن ترامب سيتخذ قراره "في شأن المضي قدماً أو لا خلال الأسبوعَين المقبلَين"، وتابعت "إن كان هناك فرصة للدبلوماسية، فإن الرئيس سيغتنمها دائماً. لكنه لا يخشى كذلك استخدام القوة"، مشدّدة على الحاجة الملحة للتحرك ضدّ برنامج طهران النووي، وأكدت في المقابل أن إيران "لديها كل ما تحتاج إليه للتوصل إلى سلاح نووي؛ كل ما يحتاجون إليه هو قرار من المرشد الأعلى للقيام بذلك، وسيستغرق إنجاز صنع ذاك السلاح أسبوعَين". وكانت تقارير إعلامية أميركية قد ذكرت أن ترامب أبلغ مستشاريه الثلاثاء بأنه وافق على خطط لمهاجمة إيران، لكنّه أرجأ تنفيذها لمعرفة ما إذا كانت طهران ستتراجع عن برنامجها النووي، وأكد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، مساء الخميس عقب لقاء مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو والمبعوث الخاص ستيف ويتكوف في البيت الأبيض، أن "هناك الآن نافذة خلال الأسبوعَين المقبلَين من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي".

جيمس جي. ستافريديس: قد يكون هذا غطاءً لقرارٍ بشنّ هجومٍ فوري. ربما تكون هذه خدعة ذكية للغاية لتهدئة الإيرانيين ودفعهم إلى الشعور بالرضا

وخلف الحديث الرسمي عن منح الدبلوماسية فرصة للنجاح، أشارت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إلى أن هذه المهلة تمنح واشنطن مجموعة من الخيارات، منها ترقب ما إذا كان أكثر من أسبوع من الحرب على إيران قد جعلها تغيّر مواقفها، أو ربما يدفعها لعدم الاستسلام، لافتة في المقابل إلى أن المهلة قد تكون محاولة لخداع الإيرانيين ودفعهم إلى تخفيف حذرهم. وقال جيمس جي. ستافريديس، القائد الأعلى السابق للقوات الأميركية في أوروبا، لشبكة "سي أن أن": "قد يكون هذا غطاءً لقرارٍ بشنّ هجومٍ فوري. ربما تكون هذه خدعة ذكية للغاية لتهدئة الإيرانيين ودفعهم إلى الشعور بالرضا"، وسألت لورا هولغيت، التي شغلت منصب السفيرة الأميركية لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال إدارة جو بايدن: "أعتقد أن السؤال المطروح هو: هل يمكن للإيرانيين أن يعتبروا هذه فرصة لتجنّب التحديات الكبيرة التي ستنجم عن تدمير آخر منشآتهم النووية المتبقية؟"، لكنّها أضافت في تصريح لـ"نيويورك تايمز" أن "الاستسلام المباشر ليس مطروحاً على الأرجح بالنسبة لهم"، أو "التخلي التام عن قدرة التخصيب أيضاً، حتى الآن".

ويبرز في السياق ما حصل في 13 مايو/أيار الماضي، حين وجّه ترامب، من على منصة منتدى الاستثمار السعودي الأميركي في السعودية، تحذيراً إلى إيران حين قال "لن نسمح أبداً بتهديد أميركا وحلفائها بالإرهاب أو بهجوم نووي"، وأضاف "حان الوقت لكي يختاروا؛ الآن. ليس لدينا الكثير من الوقت للانتظار. الأمور تتطور بوتيرة سريعة جداً". ولم يحظ هذا التحذير الذي وجهه في 13 مايو باهتمام كبير في ذلك الوقت. لكن، خلف الكواليس، قال مسؤولون أميركيون، وفق وكالة رويترز، إن الرئيس كان يعلم بالفعل أن الهجوم على إيران قد يكون وشيكاً، وأنه قد لا يكون هناك الكثير الذي يمكن فعله للحيلولة دون وقوعه، وقال المسؤولان إنه بحلول منتصف مايو كانت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قد بدأت في وضع خطط طوارئ مفصلة لمساعدة إسرائيل إذا مضت قدماً بضرب البرنامج النووي الإيراني، وقال مصدر غربي ومصدر أوكراني إن الولايات المتحدة أرسلت بالفعل آلافاً من قطع الأسلحة الدفاعية من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط استعداداً لصراع محتمل.

وحتّى لو لم يكن هناك أي خداع، فإنّ ترامب، من خلال تقديم مخرجٍ إضافي للإيرانيين، سيعزّز خياراته العسكرية أيضاً، وبحسب "نيويورك تايمز، فإن أسبوعَين إضافيَين يتيحان وقتاً لحاملة طائرات أميركية ثانية للوصول إلى مواقعها، ما يمنح القوات الأميركية فرصةً أفضل لمواجهة الرد الإيراني الحتمي، مع ما تبقى من أسطولها الصاروخي، كما أن ذلك سيمنح إسرائيل مزيداً من الوقت لتدمير الدفاعات الجوية حول موقع فوردو والأهداف النووية الأخرى، ما يُخفف من المخاطر التي قد تتعرض لها القوات الأميركية إذا قرر ترامب في النهاية الهجوم. وهذا يُعفي ترامب من العمل وفق جدول زمني في ساحة المعركة، يُحدده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كان يضغط عليه لدخول المعركة، بأسلحة لا تملكها إسرائيل.

ولا تغيب عن المشهد حسابات أخرى لترامب، وبحسب صحيفة نيويورك بوست الأميركية فإنّ أحد تحفظات ترامب بشأن الهجوم الأميركي المحتمل هو أن تصبح إيران "ليبيا جديدة" إذا جرت "إطاحة" خامنئي. ونقلت الصحيفة عن ثلاث شخصيات مقرّبة من الإدارة الأميركية، أن ترامب أشار أخيراً، على نحوٍ خاص، إلى مسألة "انزلاق ليبيا الغنية بالنفط إلى عقد من الفوضى في عام 2011"، ولفتوا إلى أن تحفظ الرئيس في مهاجمة إيران نابع من قلقه بشأن خلق "ليبيا جديدة" إذا جرت "إطاحة" المرشد الإيراني، كما نقلت الصحيفة عن شخصية مطلعة على مناقشات الإدارة بشأن إمكانية انضمام واشنطن للضربات ضد البرنامج النووي الإيراني قوله إنّ ترامب لا يريد أن "تتحول إيران إلى ليبيا". بدوره، قال شخص مقرّب من البيت الأبيض، للصحيفة، إنه في حال استخدام الولايات المتحدة "قاذفات القنابل الخارقة للتحصينات" ضد المنشآت النووية الإيرانية، فسيستمرون في التعامل مع ردّ فعل إيران، معربين عن قلقهم من التلوث النووي أو من أن تقوم إيران "بالرد من خلال الإرهاب"، وأكد أن ترامب فضّل بدلاً من ذلك التوصل إلى اتفاق، بحسب الصحيفة.

دوافع وضغوط داخلية

وإضافة إلى الحسابات العسكرية والسياسية الخارجية، فإنّ لترامب أيضاً حسابات داخلية، خصوصاً أن تعهده بوضع حد لانخراط الولايات المتحدة في "حروب لا نهاية لها" في الشرق الأوسط، كان له دور في فوزه بالرئاسة في انتخابات 2024، وانتقد بعض أبرز حلفاء الرئيس الأميركي، ومنهم النائبة مارجوري تايلور غرين، وتاكر كارلسون، وستيفن بانون، احتمال تورط الولايات المتحدة في حرب دولة أخرى. وبرزت واضحة الانقسامات الحادة في صفوف قاعدته الشعبية، لدرجة أن نائب الرئيس جي دي فانس كتب منشوراً مطولاً على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الثلاثاء للتقليل من شأن المخاوف من تخلي الرئيس عن التزامه بإبعاد أميركا عن الصراعات الخارجية، وقال فانس: "أؤكد لكم أنه مهتم فقط باستخدام الجيش الأميركي لتحقيق أهداف الشعب الأميركي". على الجانب الآخر، يحثّ العديد من حلفاء ترامب المتشدّدين في مجلس الشيوخ، بمن فيهم الجمهوريان ليندسي غراهام وتوم كوتون، الرئيس على اتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه إيران. وقال غراهام هذا الأسبوع على قناة فوكس نيوز: "أيها الرئيس ترامب، ساهم بكل قوتك في مساعدة إسرائيل على القضاء على التهديد النووي. إذا احتجنا إلى تزويد إسرائيل بالقنابل، فليُقدّموها. وإذا احتجنا إلى تسيير طائرات مع إسرائيل، فليُنفّذوا عمليات مشتركة".

يحثّ العديد من حلفاء ترامب المتشدّدين في مجلس الشيوخ، بمن فيهم ليندسي غراهام وتوم كوتون، الرئيس على اتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه إيران

بالإضافة إلى ذلك، قد تكون هناك عوامل أخرى، ساهمت في ترحيل البتّ بقراره، ليس أقلها التباينات داخل الإدارة حول الخيار العسكري، وربما فاقمها وجود "فقر خبرة في الشؤون الخارجية" في مجلس الأمن القومي، خصوصاً أنه يعمل بدون مستشار للرئيس في شؤون الأمن القومي. وزير الخارجية ماركو روبيو يقوم بهذا الدور بعد شغور المنصب بإزاحة مايك والتز منه في أوائل مايو الماضي، وزاد من الإرباك أن القرار العسكري قد تترتب عليه تداعيات سلبية محلية وأمنية. استطلاعات الرأي المتلاحقة تعكس عدم تأييد شعبي أميركي للخيار العسكري، آخرها كان استطلاع "واشنطن بوست" الذي جاء بنتيجة 45% ضد الخيار العسكري مقابل 25% مع التدخل.

لكن بين كل هذه الحسابات، يبقى الأساس بالنسبة لساكن البيت الأبيض إمكانية اقتراب طهران من صنع قنبلة نووية، وبحسب ما تنقل صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولي استخبارات ومسؤولين أميركيين آخرين، لم تسمّهم، فإنّ وكالات الاستخبارات الأميركية لا تزال تعتقد أن إيران لم تقرر بعد ما إذا كانت ستصنع قنبلة نووية، رغم أنها طورت مخزوناً كبيراً من اليورانيوم المخصب اللازم لذلك. وأكد المسؤولون أن هذا التقييم لم يتغير منذ آخر مرة تناولت فيها وكالات الاستخبارات مسألة نيّات إيران في مارس/آذار الماضي. وبحسب المسؤولين، فإن القادة الإيرانيين من المرجح أن يتجهوا نحو إنتاج قنبلة إذا هاجم الجيش الأميركي موقع فوردو لتخصيب اليورانيوم، أو إذا قتلت إسرائيل المرشد علي خامنئي. وعقد مسؤولو البيت الأبيض إحاطة استخباراتية يوم الخميس، أبلغ خلالها مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية جون راتكليف، المسؤولين أن إيران على وشك امتلاك سلاح نووي، وقال بعض المسؤولين الأميركيين، وفق "نيويورك تايمز"، إن هذه التقييمات الجديدة تُحاكي المعلومات التي قدمها "الموساد" الإسرائيلي، الذي يعتقد أن إيران قادرة على امتلاك سلاح نووي في غضون 15 يوماً. وفي حين رأى بعض المسؤولين الأميركيين أن التقدير الإسرائيلي موثوق، أكّد آخرون أن تقييم الاستخبارات الأميركية لم يتغير، وتعتقد وكالات التجسّس الأميركية أن الأمر قد يستغرق شهوراً عدّة، وقد يصل إلى عام، حتّى تتمكن إيران من صنع سلاح نووي. ووفقاً لمسؤولين متعدّدين نقلت عنهم "نيويورك تايمز"، لا تستند أي من التقييمات الجديدة بشأن الجدول الزمني للحصول على قنبلة نووية إلى معلومات استخباراتية جُمعت حديثاً.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية