الهجوم الإسرائيلي على إيران... كيف واجهته دول الخليج؟
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة

بعد سنوات من العمل على احتواء التوترات مع إيران، وجدت دول الخليج نفسها فجأة أمام واقع جديد تتّسم فيه التطورات بالسرعة والخطورة. بعض العواصم الخليجية كانت تراهن على مسارات تهدئة مع طهران، تضمّنت عروضاً بالاستثمار في الاقتصاد الإيراني بهدف تشجيع الأخيرة على الدخول في تسوية نووية.

إلّا أن هذه الرهانات اصطدمت بتطورات ميدانية متسارعة، دفعت دول الخليج لمواجهة تداعيات محتملة لصراع طويل، قد يستهدف منشآتها الحيوية ويقوّض طموحاتها التنموية، خاصّة في ظل شراكاتها العسكرية الوثيقة مع الولايات المتحدة، التي قد تجعلها عرضة لتبعات غير مباشرة.

وفي توقيت حساس، جاء اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بنظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان في النرويج، ليعكس رغبة في تخفيف حدّة التوتر، لكن بعد مرور 48 ساعة فقط على اللقاء، نفّذت إسرائيل ضربات داخل الأراضي الإيرانية، ما أدى إلى انهيار المفاوضات مع واشنطن، ووضع المنطقة على حافة صراع واسع يُنذر بتقويض الاستقرار الإقليمي.

حسابات خاطئة وتقديرات مبالغ فيها

جاء الهجوم الإسرائيلي أثناء استمرار المحادثات بين طهران وواشنطن، وهو ما شكل مفاجأة للدول العربية التي كانت تُعوّل على استمرار المسار الدبلوماسي. ووفقاً لمطّلعين، فإنّ بعض هذه الدول ربما بالغت في رهانها على قدرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على ضبط اندفاع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ومع اقتراب الولايات المتحدة من اتخاذ خطوات عسكرية ضد إيران، تعيد دول الخليج تقييم سيناريو سقوط النظام الإيراني، في مشهد يذكّرها بالفوضى التي اجتاحت المنطقة عقب انهيار أنظمة في العراق وسورية وليبيا بعد العام 2011، وفقاً لوكالة "بلومبيرغ".

وبحسب تقديرات عدد من الخبراء في الشأن الأميركي-الإيراني، فإنّ ما يحدث اليوم يعيد إلى السطح المخاوف القديمة التي لطالما حاولت دول الخليج تفاديها. فهذه الدول تقع جغرافياً على خط المواجهة، ما يجعلها مهدّدة على نحوٍ مباشر أو غير مباشر بتداعيات اقتصادية وأمنية واسعة. وفقاً لما ذكرته "بلومبيرغ" عن مساعدة وزير الخارجية الأميركي السابقة لشؤون الشرق الأدنى في إدارة جو بايدن، والمستشارة السياسية الدولية لدى شركة الاستشارات القانونية "آرنولد آند بورتر"، باربرا ليف، فإن هذا ما كانت دول الخليج تخشى حدوثه وتسعى لتجنّبه على مدى إدارات متعاقبة، إذ إنها على خط المواجهة وقد تُستهدف مباشرة أو تتعرض لأضرار جانبية اقتصادية.

جهود دبلوماسية مكثفة... وتعقيدات أميركية

على الرغم من أنّ الارتفاع الأخير في أسعار النفط، بنسبة تقارب 10% ليصل إلى نحو 77 دولاراً للبرميل، قد يحقق فائدة مالية مرحلية لاقتصادات الخليج، إلّا أن هذه المكاسب جاءت وسط غموض سياسي متصاعد، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يقدّم موقفاً حاسماً بشأن نية بلاده مهاجمة إيران، مكتفياً بتصريحات ملتبسة قال فيها: "قد أفعل ذلك، وقد لا أفعل، لا أحد يعرف ما سأقوم به".

وفي مواجهة هذا التصعيد، تحركت العواصم الخليجية الكبرى، خصوصاً الرياض وأبوظبي والدوحة، في محاولة لاحتواء الأزمة، مستفيدة من ثقلها الاقتصادي ونفوذها السياسي وعلاقاتها المتشابكة مع كل من واشنطن وطهران. وتجلّت هذه التحركات في سلسلة من الاتصالات والمشاورات الدبلوماسية، بعضها جرى عبر اللقاءات المباشرة وأخرى من خلال قنوات خلفية، وأفاد إسفنديار باتمانغليدج، مدير مؤسّسة بحثية مقرها لندن لوكالة "بلومبيرغ" أنه يرى وقف التصعيد سيمكّن دول الخليج من لعب دور أكبر وأكثر تأثيراً في المستقبل، سواء في حفظ ماء وجه طهران أو في صياغة التوازنات الإقليمية الجديدة.

لكن رغم ذلك، يبقى الموقف الأميركي، وبخاصة شروط الرئيس ترامب، عائقاً أساسياً أمام الحلول؛ فالبيت الأبيض يربط أي تسوية بضرورة تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل، وهو ما لم تُبدِ طهران استعداداً للقبول به حتى الآن، رغم إشاراتها إلى رغبتها في العودة إلى المفاوضات إذا توقفت الهجمات الإسرائيلية. وتُعقد اليوم الجمعة في جنيف لقاءات بين وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا ونظيرهم الإيراني، في محاولة أوروبية جديدة لاحتواء الأزمة.

مضيق هرمز... نقطة الخطر الدائمة

تشكل منطقة الخليج العربي بُعداً استراتيجياً بالغ الأهمية في الأمن العالمي، ليس بسبب مواردها النفطية فحسب، بل أيضاً لموقعها الجغرافي الحساس. ففي الوقت الذي تتموضع فيه دول الخليج الست على الضفة الغربية من الخليج العربي، تقع إيران مباشرة على الضفة الشرقية. وبين الضفّتَين، يبرز مضيق هرمز، أحد أهم الممرات البحرية في العالم، إذ لا يتجاوز عرضه 21 ميلاً في أضيق نقطة، ويمر عبره نحو 20 مليون برميل نفط يومياً، أي ما يعادل خُمس الاستهلاك العالمي للسوائل البترولية.

وأي تهديد بإغلاق المضيق من الجانب الإيراني قد يؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط العالمية، وسط تقديرات تشير إلى إمكانية تجاوز سعر البرميل حاجز 130 دولاراً، وفقاً لتقديرات "بلومبرغ إيكونوميكس". وتزداد حساسية هذه النقطة في ظل الحضور العسكري الأميركي الكثيف في المنطقة، إذ ينتشر أكثر من 45 ألف جندي في 19 قاعدة، من بينها أكبر قاعدة أميركية في قطر، ومقر الأسطول الخامس في البحرين، إضافة إلى وجود عسكري كبير في الكويت والسعودية والإمارات.

تداعيات اقتصادية معقّدة

في ظل هذا التوتر، تحذّر مؤسّسات دولية من تصاعد المخاطر الاقتصادية في دول الخليج، لا سيّما في ما يتعلق باستقرار الأسواق، وتدفقات الاستثمار، وثقة المستهلكين. وتشير تقارير إلى إمكانية حدوث اضطرابات في حركة الشحن البحري، وارتفاع نفقات الدفاع، وتراجع في قطاعي السياحة والخدمات المالية، كما تثير احتمالات استهداف منشآت نووية إيرانية، خاصة محطة "بوشهر"، مخاوف بيئية واقتصادية، نظراً لاعتماد دول الخليج على محطات التحلية القريبة من الموقع في توفير مياه الشرب والصناعات.

وفي اجتماع طارئ، قرّر مجلس التعاون الخليجي تفعيل مركز إدارة الطوارئ لمراقبة الإشعاعات وتعزيز التنسيق الإقليمي، كما دعا إلى وقف التصعيد، محملاً إسرائيل مسؤولية زعزعة الجهود الدبلوماسية، ولا تنسى دول الخليج تجربة عام 2019، عندما استُهدفت منشآت نفطية سعودية بهجمات نُسبت إلى الحوثيين المدعومين من إيران. وتشير المعطيات إلى احتمال لجوء طهران مجدداً إلى هذه الجماعات، لا سيّما في ظل تصعيدهم السابق ضد الملاحة في البحر الأحمر.

تاريخياً، أظهرت الهجمات على البنية التحتية للطاقة في الخليج مدى هشاشة الأمن الإقليمي، وتخشى دول الخليج من تكرار سيناريو مشابه لما حدث عام 2019، حين أعلن الحوثيون المدعومون من إيران مسؤوليتهم عن هجوم على منشآت نفطية سعودية حساسة.

تخوّف من سقوط النظام الإيراني

على جانب آخر، يترقب قادة الخليج بقلق بالغ ما إذا كانت الهجمات المتصاعدة قد تدفع إيران نحو انهيار داخلي، وبرأي مصادر مطلعة، فإنّ انهيار النظام الديني الإيراني سيخلق فراغاً سياسياً خطيراً في دولة تضم أكثر من 90 مليون نسمة، ما قد يؤدي إلى فوضى تتجاوز حدودها وتطاول المنطقة برمتها.

وفي حين ترى بعض الدول الخليجية أن ضرب البرنامج النووي الإيراني يخدم استقرار المنطقة، فإنها تتخوف من أن يؤدي تغيير النظام إلى نتائج غير محسوبة، شبيهة بما حصل في العراق عقب سقوط صدام حسين أو في سورية بعد تفكّك مؤسسات الدولة. ورغم تباين العلاقات بين دول الخليج وإيران، بين من يعتمد نهجاً متحفظاً كالسعودية والبحرين والإمارات، ومن يحتفظ بعلاقات منفتحة كقطر وسلطنة عُمان، إلّا أن الجميع يتفق اليوم على ضرورة تفادي الحرب الشاملة.

تعيش المنطقة لحظة مصيرية يُحتمل أن تعيد رسم ملامح العلاقة بين إيران وجيرانها العرب؛ فالصدام الحالي، الذي قد يتطوّر ليصبح المواجهة الأوسع على الإطلاق بين إيران وإسرائيل، ستكون له تداعيات عميقة على مستقبل التوازنات الإقليمية، وسط خشية من أن يتحول الخليج إلى ساحة مواجهة مفتوحة بدلاً من أن يكون شريكاً في الاستقرار والتنمية.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية